المشهد التركي على خلفية زيارة ديك تشيني لأنقرة
الجمل: في أجواء مشحونة بالمظاهرات والغضب وكراهية الرأي العام التركي لأمريكا وسياساتها في المنطقة، وصل نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يوم أمس الاثنين إلى العاصمة التركية أنقرة التي تمثل المحطة الأخيرة في جولته الشرق أوسطية التي بدأت في العراق وأفغانستان كمحطتين غير معلنتين، وتبعتهما المحطات الأخرى: سلطة عمان، السعودية، إسرائيل، الأراضي الفلسطينية، وأخيراً تركيا.
* مكانة ودلالة أنقرة في جولة تشيني:
برغم أن تركيا تمثل الحليف الأكثر أهمية لأمريكا، وفقاً لكل الحسابات الإستراتيجية، فإن أنقرة كانت المحطة الأخيرة، وعليه يمكن القول بأن مجيء أنقرة في نهاية الجولة هو أمر يحمل في حد ذاته أكثر من دلالة:
• هل تمثل أنقرة نقطة الحسم الأخيرة والنهائية في ملف ديك تشيني الإقليمي؟
• هل تمثل أنقرة المحطة التي يجب طرح الأمور معها في اللحظات الأخيرة، ووضعها أمام خيار الأمر الواقع الذي تم الاتفاق عليه مع من سيقودها في الجولة؟
ومحاولة الإجابة على هذين السؤالين تفيد بكل وضوح بأن:
• الحسابات الإستراتيجية تقول بأن أنقرة تمثل الرقم الأكثر أهمية بالنسبة لأمريكا، والمصالح الأمريكية في تركيا تفوق المصالح الأمريكية في إسرائيل.
• الحسابات التكتيكية تقول بأن أنقرة تمثل الرقم الأقل أهمية بالنسبة لأمريكا، لأن صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي أدى إلى دفع أنقرة في الاتجاه المعاكس للتوجهات الأمريكية – الإسرائيلية.
* أبرز التساؤلات حول أجندة زيارة تشيني:
يقول تحليل موقع زمان الإلكتروني التركي حول الزيارة الآتي:
• جدول أعمال الزيارة:
* لقاء مع القادة السياسيين الأتراك.
* لقاء مع القادة العسكريين الأتراك.
• أجندة الزيارة:
* التعاون التركي – الأمريكي ضمن مسار حلف الناتو.
* مكافحة الإرهاب.
* التعاون التركي الأمريكي في الملف العراقي.
* التعاون التركي الأمريكي في ملف أزمة أفغانستان.
* التعاون التركي الأمريكي في أزمة الملف النووي الإيراني.
* التعاون التركي الأمريكي في ملف نشر الدرع الصاروخي.
* قضايا أخرى.
* المشهد التركي إزاء زيارة ديك تشيني:
توقيت زيارة تشيني إلى أنقرة تزامن مع تداعيات بعض التطورات التركية الداخلية التي من أبرزها:
• السخط التركي العام بسبب يحب القوات التركية من شمال العراق.
• تداعيات قيام المدعي العام التركي برفع عريضة إلى المحكمة الدستورية العليا تتهم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بالعمل ضد العلمانية، وتطالب بحظر الحزب وقيادته من العمل السياسي.
بكلمات أخرى، تجئ زيارة ديك تشيني ضمن توقيت يتيح له وضع السلطات التركية أمام أمرين هما:
• خيار دعم الأجندة الأمريكية بما يترتب عليه عدم قيام واشنطن وإسرائيل بدعم المعارضة العلمانية التركية التي تجد مساندة المؤسسة العسكرية التركية.
• خيار عدم القيام بدعم الأجندة الأمريكية بما يترتب عليه توتر علاقات واشنطن – أنقرة، وحصول المعارضة العلمانية التركية على الدعم الأمريكي، إضافة إلى عرقلة حل أزمة قبرص، وانهيار آمال أنقرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ولكن، على خلفية المشهد التركي، تقول بعض التسريبات التركية الخاصة، بأن الرأي العام التركي قد بدأ معارضاً للمعارضة العلمانية، ولقيام المؤسسة العسكرية بأي تدخل جديد في الساحة السياسية، وتقول الاستطلاعات بأن سحب القوات التركية من شمال العراق قد أدى إلى هبوط شعبية الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية، ولكن بعد قيام المدعي العام التركي بتقديم عريضة للمحكمة الدستورية العليا، فقد زادت شعبية الحزب والحكومة بشكل غير مسبوق حيث وصلت إلى 70% بينما انخفضت شعبية المعارضة العلمانية إلى 17%. وتقول المعلومات أيضاً بأن حزب العدالة والتنمية والحكومة التركية يخططان حالياً للاستفادة من زخم تأييد الرأي العام الجديد وارتفاع شعبيتهما لمحاولة تمرير عريضة بواسطة البرلمان التركي لجهة إصدار قانون يمنع حظر أو حل أي حزب سياسي تركي وسوف تقدم كتلة حزب العدالة والتنمية البرلمانية هذه العريضة للمناقشة في البرلمان قبل نهاية الأسبوع.
تقول التسريبات بأن ديك تشيني قد امتدح أداء تركيا في حلف الناتو، ولكنه طالب الحكومة التركية بالآتي:
• دعم الجهود الأمريكية لإعادة الاستقرار إلى أفغانستان.
• إرسال المزيد من القوات التركية لأفغانستان.
• قيام القوات التركية بدور قتالي في أفغانستان.
وتقول المعلومات بأن الأتراك ما زالوا مختلفين حول تلبية مطالب ديك تشيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• أعلن الجنرال بيوكانيت أليسار رئيس الأركان التركي، بأن قرار إرسال القوات التركية إلى أفغانستان هو من اختصاص السلطات السياسية وليس العسكرية، وإذا صدرت أوامر القيادة السياسية التركية بإرسال القوات إلى أفغانستان فإن القيادة العسكرية تلبي الأمر، وتجدر الإشارة إلى أن تشيني قد حاول فرض عمليات إرسال القوات إلى أفغانستان عن طريق دفع القيادة العسكرية التركية لكي تقوم بعملية الإرسال متجاوزة القيادة السياسية على أساس اعتبارات أن تركيا عضو في حلف الناتو، وبالتالي لما كان الجيش التركي وقيادته يعتبران عملياً ضمن حلف الناتو، فإن بإمكانهما الانخراط في الجوانب العملياتية التي ينخرط فيها الحلف طالما أن قيادة الحلف وبرلمان الحلف قد وافقا على الاضطلاع بتنفيذ العمليات العسكرية في أفغانستان.
• وزير الخارجية التركي علي باباكان قال بأن الحكومة التركية ستصدر قرارها بشأن إرسال القوات إلى أفغانستان خلال الأيام القادمة.
حتى الآن توجد خلافات بين القيادة العسكرية التركية والقيادة السياسية، فالعسكريون يطالبون القيادة السياسية بإصدار القرار كشرط لإرسال القوات، والسياسيون ينتابهم التردد والشكوك بسبب:
• عدم اقتناعهم بالحرب ضد أفغانستان، ولكنهم لا يستطيعون الحديث عن ذلك بشكل علني لأنه يؤدي إلى القطيعة مع أمريكا والاتحاد الأوروبي.
• إدراكهم بأن الرأي العام التركي يرفض ويعارض بشدة قيام تركيا بأي دور عسكري في أفغانستان.
وتقول المعلومات بأن تركيا سبق أن لبت طلب واشنطن بإرسال القوات التركية ضمن قوات الناتو في أفغانستان وقد تحايلت أنقرة على القرار عن طريق قيامها فعلاً بإرسال قوة عسكرية لكنها حددت مسبقاً مهمتها بالقيام بعمليات حفظ السلام، وليس المشاركة في العمليات القتالية الميدانية ضد المعارضة المسلحة الأفغانية.
وبالنسبة لملف العراق، فقد أكد الطرفان الأمريكي والتركي على ضرورة:
• مكافحة الإرهاب.
• التعاون من أجل استقرار العراق.
وتقول المعلومات بأن اللقاء لم يتجاوز العموميات حول ملف العراق.
أما بالنسبة لأزمة الملف النووي الإيراني، فقد طالب تشيني أنقرة بالقيام بدور فاعل في دعم الجهود الأمريكية الجارية ضد إيران عن طريق:
• الدعم التركي للعقوبات الأمريكية والدولية المفروضة ضد إيران.
• الضغط على إيران عبر خط علاقات أنقرة – طهران الثنائية.
• الوقوف إلى جانب البلدان العربية السنية (مصر، الأردن، السعودية) المعارضة لإيران.
وفيما يتعلق بالمواجهة العسكرية الأمريكية – الإيرانية، فقد ورد تسريب وحيد مختصر جاء على لسان المحلل السياسي التركي سولي أوزال، بأن تركيا برغم الثمن الباهظ الذي قد تدفعه فإنها في نهاية الأمر ستقف إلى جانب الغرب، وبالتالي فإن تركيا ستعمل حتى آخر لحظة من أجل تأجيل وتعليق أي مواجهة ضد إيران. ولكن إذا تم اتخاذ القرار فإن تركيا ستقف إلى جانب الدول العربية السنية الواقفة إلى جانب الغرب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد