المعركة الدولية على الرئاسة اللبنانية تحسم اليوم
من المتوقع أن تحمل الساعات المقبلة، في طياتها، أحد احتمالين، لا ثالث لهما، فإما أن تتطور بعض الاشارات الايجابية الخارجية، وخاصة الفرنسية السورية، ويتردد صداها داخلياً، بتعامل مدروس وهادئ وغير انقلابي، من قبل فريقي الموالاة والمعارضة، وإما أن يبرز مجدداً «فيتو» أميركي قد يطيح بتسوية الساعات الأخيرة بين باريس ودمشق، بحيث يمكن أن تحمل ساعات هذا النهار، في طياتها، «أخباراً غير سارة» للبنانيين، عدا ما سيتكبدونه في شوارع العاصمة، من زحمة سير، بسبب الاجراءات الأمنية المواكبة لاستمرار الدعوة الى انعقاد المجلس النيابي، بعدما تعذر ايجاد مخرج لها، على غرار ما حصل في المرات الماضية، وذلك نتيجة انقطاع التواصل بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري.
وفيما جدد الرئيس بري وعده بـ«العيدية»، وقال ان الاعياد المقبلة، عند كل اللبنانيين «ستتوّج إن شاء الله بعيد الرئاسة»، أكدت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع ان اتصالات رفيعة المستوى ومتواصلة، جرت بين القيادتين الفرنسية والسورية، أبلغت خلالها دمشق العاصمة الفرنسية حرصها على إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان «سريعاً» و«وفق الأسس التوافقية» التي تم التفاهم عليها بين دمشق وباريس في الأيام الأخيرة.
وحسب المصادر فإن سلة الاتفاق السوري الفرنسي، تتضمن ثلاثة عناوين اساسية، أولها انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد تعديل الدستور اللبناني.
ثانياً، تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية تتمثل فيها الكتل البرلمانية حسب حجمها في البرلمان اللبناني.
ثالثاً، وضع قانون انتخابي عادل ومتوازن.
وأشارت المصادر الى أن هذا الاتفاق عكس في مضمونه محصلة المهمة التي قام بها في بيروت مؤخراً وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير بالتنسيق مع وزيري خارجية ايطاليا ماسيمو داليما واسبانيا ميغيل آنخيل موراتينوس، حيث أفضت محادثاته مع كل من الرئيس بري والنائب الحريري الى اتفاق، حول اعتماد النسبية في الحكومة الجديدة، وفقاً لحجم الكتل البرلمانية في مجلس النواب.
وقالت المصادر انه في ما يخص النقطة الآولى، أي تعديل الدستور، فإن ثمة تقدماً كبيراً حصل في الساعات الأخيرة، جعل الرئيس بري يردد أمام زواره أن قضية الآلية أصبحت في جيب الجميع وإذا حصل الاتفاق السياسي لن تكون هناك مشكلة دستورية.
وأضافت المصادر أن النقطة الثانية هي التي ظلّت عالقة، حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، وبدا أن التباساً حصل سواء على مستوى الاتصالات الإقليمية الدولية أو على الصعيد الداخلي بالنسبة الى موضوع التمثيل السـياسـي في الحكومة، فـيما بدا الاتفـاق شبه مكتـمل في النقطة الثالثة، اي اعتماد القضاء دائرة انتخابية، خاصة بعد أن أبلغ الرئيس بري و«حزب الله» حلفاءهما والجانب الفرنسي عدم اعتراضهما نهائياً على صيغة القضاء.
وأشارت المصادر الى أن رئيس الورزاء التركي رجب طيب أردوغان ظلّ على اتصال مستمر بالقيادتين السعودية والسورية وبالرئيس بري والنائب سعد الحريري من أجل تثبيت الاتفاق الذي لم يبصر النور حتى ساعة متأخرة من ليل أمس.
في هذا السياق، قالت اوساط مقربة من رئيس المجلس النيابي ان النائب سعد الحريري لطالما ردد منذ سنة تقريباً وتحديداً بعد استقالة الوزراء الستة أنه لن يعطي الثلث الضامن للمعارضة الا بعد إقرار المحكمة الدولية وعندما اقرت المحكمة في مجلس الأمن، عاد وتذرع باستمرار الرئيس اميل لحود في قصر بعبدا، وأبلغ أنه لن يعطي الثلث المعطل الا بعد أن يتأكد من مغادرة الرئيس لحود القصر الجمهوري.
وأضافت المصادر أن ما حصل مؤخرا أن الرئيس بري فوجئ بموقف النائب الحريري الذي تراجع عن موضوع الثلث الضامن، متذرعاً بموقف الرئيس الذي سينتخب والذي ستكون له حصة اساسية في الحكومة الجديدة.
وقالت مصادر قيادية في قوى الرابع عشر من آذار ان النائب الحريري لم يلتزم نهائياً بموضوع الثلث المعطل، لا بل على العكس كان الرئيس بري قد صرح علناً بأنه بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية من غير الصحيح القول بالثلث الضامن لأحد لأن الرئيس الجديد سيكون هو الضامن من خلال حصته في الحكومة.
وعلم أن الجانب الفرنسي كثّف مشاوراته المكوكية داخلياً من خلال القائم بالأعمال اندريه باران الذي التقى موفدين لكل من بري والحريري وناقش معهما تفاصيل الاتفاق لكن من دون التوصل الى نتائج حاسمة.
وفيما لم تصدر أية مواقف عن النائب الحريري، باستثناء «حفلة» السجال السياسي غير المباشر، بينه وبين الرئيس بري، قالت مصادر في قوى الرابع عشر من آذار إن الأكثرية عقدت سلسة اجتماعات في الساعات الأخيرة ودرست الاحتمالات الممكنة اليوم، ومنها إمكان مبادرة عشرة نواب من 14 آذار الى توقيع عريضة نيابية يصار الى إرسالها اليوم الى رئاسة مجلس النواب يطالبون فيها بتعديل الدستور لمصلحة انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، أو أن تبادر الحكومة، في جلسة تعقدها خصيصا هذا الأسبوع الى إرسال مشروع قانون الى مجلس النواب حول التعديل الدستوري، فضلاً عن درس خيارات أخرى سياسياً ودستورياً، «سيعلن عنها في الوقت المناسب».
وردت مصادر قيادية بارزة في المعارضة، بالقول ان مبادرة الأكثرية الى أحد خياري توقيع العريضة من جانب واحد أو إرسال الحكومة مشروع التعديل سيعتبر انقلاباً سياسياً على كل المساعي الدولية والإقليمية التوافقية، «وهذا الأمر لن يخيفنا، وإذا كان البعض في فريق الأكثرية يراهن على قرارات دولية جديدة، فإنه فقط يراهن على خسارة البلد لا أكثر ولا أقل».
وربطت مصادر المعارضة بين ما اسمته «التعقيد المفاجئ» للمسعى الفرنسي، وبين زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير ديفيد ولش الى بيروت، وهي الأولى من نوعها لمسؤول أميركي بعد تفويض الفرنسيين بالملف الرئاسي اللبناني في اعقاب قمة جورج بوش ونيكولا ساركوزي الأخيرة.
وقالت المصادر إن الأميركيين ربما قرروا إنهاء التفويض مبكراً على غرار ما حصل مع الفرنسيين عندما اقتربوا من خيار ميشال إده في الآونة الأخيرة.
وكان اللافت للانتباه خلال زيارة ولش التي دامت 36 ساعة تقريبا، انه تحدث من بكركي تحديداً عن «دعم الادارة الاميركي لمسيحيي لبنان بصورة خاصة»، فضلاً عن تأكيد دعم واشنطن للأكثرية وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ولوحظ ان ولش حاذر الاتصال أو الاجتماع بالنائب ميشال عون، وعندما سأله بعض من التقاهم عن تناقض كلامه عن المسيحيين واستبعاد عون، أجاب المسؤول الأميركي «التعليمات من واشنطن قضت بذلك».
وفسرت شخصيات في الرابع عشر من آذار التقت ولش كلامه عن دعم المسيحيين، وفي بكركي فقط، على انه «رسالة تطمين للبطريرك ان الادارة الاميركية لم تترك المسيحيين»، وأن لا صفقة أميركية سورية على حساب لبنان كما يردد البعض، «لكن المطلوب إراحة سوريا لبنانياً من أجل تسهيل حل قضية رئاسة الجمهورية».
وشدد المسؤول الأميركي الذي ختم زيارته بلقاء مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان على أن المرحلة المقبلة هي مرحلة مواجهة الارهاب وهناك ضرورة لأن تكون القوات المسلحة في لبنان مستعدة بصورة دائمة لمجابهة الخطر الإرهابي الذي يلقي بظله على مجمل دول المنطقة.
وعلقت أوساط في «التيار الوطني الحر»، على قرار استبعاد عون عن برنامج ولش بالقول إن المسؤول الاميركي لم يقرن موقفه «بدعم المسيحيين، بزيارة رئيس اكبر تكتل نيابي مسيحي وهو النائب العماد ميشال عون، بل اكد تحيز بلاده لفريق سياسي مسيحي، ما يعني الدفع نحو مزيد من التأزيم في الموقف الداخلي بدل السعي لتسهيل الحل عبر دفع التوافق».
على صعيد الاتصالات الإقليمية، وفي موازاة الزيارة التي قام بها، رئيس المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان الى السعودية في اطار السعي المصري لتسهيل الانتخابات الرئاسية، ينتظر أن يشكل الموضوع اللبناني محور الاتصالات واللقاءات التي ستجري على هامش المؤتمر الدولي للمانحين من أجل فلسطين، اليوم، في باريس.
وأعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، أمس، في الطائرة التي اقلتها من واشنطن، الى باريس أنها تأمل ان تسمح لها الفرصة بالتحدث عن لبنان مع وزراء الخارجية المعنيين على هامش المؤتمر، من دون أن توضح عن وزراء الخارجية الذين ستتحدث معهم عن لبنان.
ودعت رايس البرلمان اللبناني الى الاجتماع خصوصا بعد الاتفاق الذي حصل بين الأكثرية والمعارضة على قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي. وقالت إن «انتخاب هذا المرشح اذا كان هو من رسا عليه التفاهم يجب ان يحصل»، مشيرة الى «ضرورة ان يحصل بدون تهديد، يجب ان يحصل بدون تدخل خارجي».
وقالت رايس، التي ستلتقي اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، «على جيران لبنان وخصوصاً سوريا ان يشجعوا حلفاءهم وان يطلبوا من حلفائهم الكف عن البحث عن الأعذار لعدم التقدم»، وأكدت ان «اللبنانيين يريدون ان ينتخب رئيسهم»، مضيفة «لا يجوز ان ترفض إرادتهم هذه».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد