الهدنة في الصحف الإسرائيلية
خرجت الصحف الإسرائيلية، أمس، بعناوين تقريرية خالية تقريباً من المشاعر حول إعلان وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ، أمس.
فقد عنونت يديعوت أحرونوت صفحتها الأولى بـ وقف إطلاق النار في الاختبار، فيما لم تجد معاريف وسيلة للتعبير عن الموقف أكثر من ساعة اختبار. أما هآرتس فاختارت عنوانين توصية الجيش الإسرائيلي: الخروج بسرعة، وأسفله عنوان ذو مغزى بعيداً عن الليطاني وعن الأهداف.
وكتبت هآرتس أن الجيش الإسرائيلي أوصى القيادة السياسية بأنه إذا احترم وقف إطلاق النار، فيجب إخراج معظم القوات من لبنان بسرعة نسبية، موضحة أنه حسب التعليمات المتبلورة، سيسمح للقوات بفتح النار على كل مقاتل من حزب الله يعرّض حياة الجنود للخطر، وسيمنح القادة الصلاحية لاستخدام نار المروحيات والطائرات القتالية، والمدفعية أيضاً، إذا ما نشأ خطر على حياة قوة أو كانت حاجة لإنقاذها.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تخطط لرفع الحصار البحري والجوي عن لبنان. وقالت المصادر إنه في المرحلة الأولى لن تتمّ مهاجمة الشاحنات التي تجتاز الحدود من سوريا إلى لبنان. وهذا أمر كفيل بأن يسمح لحزب الله بالتزوّد المتجدّد بالسلاح. ومعروف أن الشحنات الكبرى للوسائل القتالية، من إيران وسوريا، تنتظر في الجانب السوري من الحدود، كما أنه لا توجد نية لمهاجمة بيروت وعمق لبنان.
وركّزت الصحيفة على أن أوامر رئيس الحكومة إيهود اولمرت للجيش تقضي بتطبيق وقف إطلاق النار ابتداء من هذا الصباح (أمس)، باستثناء الدفاع عن النفس. وكانت في المداولات آراء مختلفة في مسألة هل سينفذ وقف إطلاق النار، وتقديرات مختلفة حول دوافع حزب الله. واتفق على أن يسحب الجيش الإسرائيلي جزءاً من قواته إلى إسرائيل، ويحتفظ بمواقعه المشرفة التي سيتمّ نقلها إلى الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي أوصى القيادة السياسية بأنه في حالة فرض وقف إطلاق النار بأن يتم إخراج معظم القوات من لبنان بسرعة نسبية، والمقصود هو الانتشار على خط شمالي الحدود، بعد عشرة أيام، في اللحظة التي يوافق فيها الجيش اللبناني على نشر رجاله الأوائل في المنطقة. والمعنى العملي لمثل هذه الخطوة هو أنه لن تجرى عملية تمشيط لمناطق انتشار رجال حزب الله ومخازن أسلحتهم في المنطقة التي سيطر عليها الجيش في الأيام الأخيرة، ووصفها كقلب المنظومة العملياتية لحزب الله في الجنوب. وذكرت معاريف، من جانبها، أن الجيش الإسرائيلي وزع، منتصف ليلة أمس، على كل الوحدات العاملة في لبنان، تعليمات جديدة لإطلاق النار، تقرر بأنه حتى لو رأى جندي مخربي حزب الله مسلحين، يحظر عليه فتح النار عليهم. وشرح مصدر رفيع المستوى في قيادة المنطقة الشمالية بأنه حسب تعليمات القيادة السياسية، تعتزم قوات الجيش الإسرائيلي الحرص على وقف إطلاق النار ومحاولة احترامه. وحسب هذا المصدر فإن الجيش الإسرائيلي لن يبادر إلى أي عمليات هجومية وسيمتنع عن مهاجمة مخازن الوسائل القتالية، وسيرفع الحصار البحري والبري على لبنان. وحسب التعليمات الجديدة، فإنه حتى لو دخلت شاحنات مشبوهة بتهريب وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان، فسيمتنع الجيش الإسرائيلي عن مهاجمتها.
إلا أن الصحيفة نقلت عن قادة في الجيش الإسرائيلي قولهم إنه برغم نية إسرائيل الحرص على وقف إطلاق النار، فإن الحديث يدور عن اتفاق هش جداً. وحسب المصادر العسكرية، فقد وجّهت التعليمات للقوات للردّ بالنار في حالة تعرّضهم للهجوم من مخربي حزب الله. وقال المصدر الكبير إن القاعدة الأهم من ناحيتنا هي الحفاظ على أمن قواتنا، ونحن نؤمن بأنهم في حزب الله مسرورون جداً لوقف النار ويرغبون فيه، ولكننا سمعنا خطاب نصر الله الأخير في التلفزيون، وفهمنا أيضاً بأن رجال حزب الله تلقوا تعليمات بمواصلة ضرب قوات الجيش الإسرائيلي، في مثل هذه الحالة سنردّ بكل القوة.
ونقلت معاريف عن نائب رئيس الأركان موشيه كابلينسكي قوله إن الانسحاب من جنوب لبنان يمكن أن يتمّ في غضون أيام، ولكن دوائر أخرى في هيئة الأركان العامة شدّدت على أن الخطوة من شأنها أن تستغرق أسابيع.
وفي يديعوت أحرنوت كتب ايتان هابر أن المدنيين الإسرائيليين، وهم جنود حرب الكاتيوشا، سيخرجون مع وقف إطلاق النار من الخنادق لاستنشاق الهواء النقي، ولكن كل قائد، ذو منطق في الجيش الإسرائيلي اليوم، سيأمر عناصره بالبقاء مختبئين داخل المواقع العسكرية والخنادق، لأنه لا يمكن أن تعرف أبداً ماذا سيحدث مع عدو كحزب الله. من الأفضل تحمّل معاناة البعوض والحرارة في داخل الغرف والمباني المهدّمة من القصف على أن يتحوّلوا فريسة لقناصة حزب الله.
واعتبر هابر أن وقف إطلاق النار لا يغيّر أي شيء تقريباً بالنسبة لجنود الجيش الإسرائيلي: كما توقع الجنرال احتياط غيورا آيلاند أمام وسائل الإعلام، صحيح أنهم موجودون على ضفاف الليطاني، ولكن ما يفصلهم عن حدود إسرائيل جبال ووديان وقرى تضمر لهم الشر والموت. وأشار إلى أن الجولة الأولى انتهت. من الواضح لنا الآن أننا نقاتل ضد (حركة) حماس والفلسطينيين، وضد حزب الله، لبنان، سوريا، إيران. هذا تحالف صعب وخطير يتربص بحياتنا في السنوات المقبلة. منذ اليوم كل الإجازات والعطل ملغاة، شعب إسرائيل موجود الآن ضمن أمر الاستدعاء للخدمة العسكرية.
وبرغم الشكوك التي تراود الإسرائيليين تجاه إعلان وقف النار فإنهم ظلوا مختلفين أيضاً حول ما إذا كان جيداً أم سيئاً لإسرائيل. وكتب الدكتور حاييم آسا في معاريف، تحت عنوان بين الهذيان والإنجازات، أن الحصيلة السياسية ترتبط بشكل وثيق بنتائج العمل العسكري، عندما تكون الخاتمة واضحة. على نحو عام، تقرر التسوية السياسية بعد نتيجة حاسمة، تكون أن يهزم جانب وينتصر جانب.
ويعتبر آسا أن إسرائيل أحرزت أفضل اتفاق ممكن في الظروف العسكرية التي دُفعت إليها. فاتفاقات كهذه لا توجد في زاوية الشارع، إذا لم نحرزها في لحظة ما، فإنها تغيب في مجاهل الوقت، وهكذا، وهكذا فقط، تتورط الدول في الوحل، مثل الوحل اللبناني، أو الوحل العراقي في السياق الأميركي. أنجزت إسرائيل شيئاً ما، وأوقفت اندفاعها إلى الوحل، وضمنت الاتفاق، وعادت إلى البيت، الآن عليها أن تستعدّ وأن تعمل عملاً شديداً استعداداً للجولة الآتية.
وأشار آسا إلى أن الجيش الإسرائيلي اقترح احتلال جنوبي لبنان حتى الليطاني في غضون أسبوع، وبعد ذلك إبعاد حزب الله في غضون ثلاثة أسابيع. يعلم كل ذي عقل أن ذلك كان سيستغرق ثلاثة اشهر، إذا لم نقل نصف سنة، وماذا يمكن أن يحدث في هذا الوقت؟ اشتعال إقليمي ضخم باحتمال كبير من جهة، وعدم تطهير الجنوب تطهيراً كاملاً من حزب الله، وعدم كسره بالتأكيد. كان يمكن لهذا الغباء أن يقود إلى هاوية.
ويخلص آسا إلى أن حزب الله نجح في تحديد معيار واضح لعدم كسره، القدرة على إطلاق النار على إسرائيل. أي أنه كلما بقي قادراً على إطلاق النار، فإنه لا يكون مكسوراً، ولا يهم ما الذي يحدث له، وكم نهدم له من مباني القيادة، وكم نُدمّر من منصات الإطلاق، أو ماذا فعلنا وماذا لم نفعل. كان معيار كسر حزب الله في رأينا غامضاً، ولا يوجد، كما يبدو، مفهوم كهذا. إن من توقع أن يجلب الجيش الإسرائيلي وقفاً تاماً لإطلاق الصواريخ، في وقت لا يزيد على بضعة أسابيع، كان يحلم أحلام يقظة.
لكن عاموس جلبوع يعتبر في معاريف أيضاً أن هناك خللاً كبيراً في الاتفاق. ويشير إلى أن البعد الإيراني في كل موضوع حزب الله بالغ الأهمية، وأنه إذا وقفت اليوم الأعمال العدائية، فمن الواضح وضوح الشمس أن حزب الله سيكون متعلقاً تعلقاً كاملاً بإيران من أجل إعادة الإعمار والنهضة: في التسليح أساساً، ولكن بالمال أيضاً.
ويضيف أن قرار مجلس الأمن 1701 يفرض حظراً على جميع الوسائل القتالية غير المخصصة لجيش لبنان (أي لحزب الله)، ويطلب إلى جميع الدول (أي سوريا وإيران بالأساس) إقامة هذا الحظر، وعدم تمكين نقل السلاح من أراضيهما (أي سلاح إيراني إلى حزب الله من طريق سوريا). لو كان القرار اشتمل على أمر بإقامة قوة خاصة تشرف على هذا الحظر في الحدود السورية اللبنانية، وفي مطارات لبنان وموانئه، لكان هذا يجعل من الصعب على إيران وسوريا إعادة بناء النظام العسكري لحزب الله، لكن هذا لا يظهر في القرار. بدلاً من ذلك، يجب على جيش لبنان أن يشرف على الحظر، وتستطيع قوة اليونيفيل مساعدته فقط إذا طُلب إليها فعل ذلك، وهذا يعني في واقع الأمر أنه لن يكون حظر، وإذا كان، فإنه سيكون شديد الوهن. هذه نقطة حاسمة جداً للمستقبل. من جهة دولة إسرائيل، نجحت إلى الآن في تدمير أكثر الوسائل القتالية التي هرّبت من طريق الحدود السورية إلى لبنان. عندما يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لن يستطيع الجيش الإسرائيلي إقامة نظام مراقبته الحالي، وإبادة وسائل القتال المهربة.
ويشدّد ران بيرتس في معاريف أيضاً على وجوب الاستعداد للحرب المقبلة. وبعد أن يستعرض تصريحات أولمرت حول أهداف الحرب وإنجازاتها، يحذر بيرتس من الخدعة الكامنة في الحديث عن الإنجازات. فالقرار ,1701 في نظره، لا يختلف عن القرارات السابقة وبينها ,1680 و,1655 و,1559 و,520 و,426 و,425 واتفاق الطائف، بل تفاهمات عناقيد الغضب. وإذا كان ثمة جديد فإنه في غير مصلحة إسرائيل. المركبات الأمنية في القرار، مثل نزع سلاح الميليشيات، والرقابة على دخول السلاح في الحدود اللبنانية، ونشر جيش لبنان، وأكثريته من الشيعة في الجنوب، وأشباه ذلك، كانت موجودة في القرارات السابقة.
ويضيف بيرتس أنه لا يوجد في القرار حظر حقيقي على تسليح حزب الله، الذي أحرز إنجازاً لا نظير له في الماضي: فتح موضوع الحدود في مزارع شبعا من جديد. وكذلك لا توجد مطالبة عملية بإعادة الجنود المختطفين، كما أن ذكر الأسرى والمعتقلين اللبنانيين يلمح إلى قبول موقف نصر الله يوم الاختطاف، المتصل بالتفاوض غير المباشر. إن مهمة قوة السلام هي الدفاع عن المواطنين الموجودين في خطر قريب مباشر، وبكلمات أخرى، الدفاع عنهم في وجه عمليات الجيش الإسرائيلي. وفي الجملة، الأجزاء الأمنية هي في المحصل دعوة لإسرائيل ولبنان إلى تأييد وقف إطلاق النار الدائم والحل الدائم. أي أنها ليست من مسؤولية قوة الأمم المتحدة. ولم يكتب أصلاً بحسب أي المواد في وثيقة الأمم المتحدة اتخذ القرار، وبهذا فإنه بلا قيمة حقيقية.
ويرى بيرتس أن القرار من وجهة نظر إسرائيلية هو إخفاق كبير: فالقرار لا يختلف، جوهرياً، عن اقتراحات وضعت على طاولة أولمرت بعد أسبوع من بدء العملية، أفضى رفضه إياها إلى مئة ضحية تقريباً، وانهيار في الشمال وثمن اقتصادي باهظ. والأسوأ من ذلك أنه كان يمكن إحراز قرار مشابه بوسائل دبلوماسية فقط، لأنه كما قيل آنفاً، لا يوجد فيه اختلاف جوهري عن قرارات سابقة للأمم المتحدة. ينبغي أن نقول الحقيقة: فشلت العملية السياسية تماماً، وبهذا جعل تخلي أولمرت عن الحسم العسكري، الحرب في لبنان، مع ضحاياها الكثيرة، إخفاقاً لا حاجة إليه وفظيعاً.
ولا يرى بيرتس أن الإخفاق سياسي وحسب، بل إن أكبر أزماتنا هي الضربة الشديدة التي تلقاها الردع الإسرائيلي. من يدّعي أن الأمر ليس كذلك، يواصل ثقافة الكذب على الذات، الذي عبر عنه، مثلاً، باحتفال الانسحاب من لبنان، الذي صحبه ترفّع إلى أي حد أخطأ الجيش الإسرائيلي في تقديراته؟، وكم من القتلى وفّرنا على أنفسنا (هؤلاء أنفسهم يطالبون الآن بتشكيل لجنة تحقيق). الواقع وأقوال العدو لا لبس فيهما: لقد لحظ الضعف، وبدأ العد التنازلي استعداداً للحرب المقبلة، فالحرب الحالية مقدمة صغيرة لها فقط. يجب أن يكون من الواضح تماماً للجمهور، وللساسة وللجيش أن الحرب المقبلة على الباب، والأسوأ من كل شيء أننا غير مستعدين لها، وأننا بَدونا كذلك. هذا هو وقت الخلاص من ذلك والاستعداد سريعاً.
ربما لهذا السبب تتردّد على كل لسان عبارة لجنة التحقيق. فالأغلبية الساحقة من الإسرائيليين الذين تربوا على ثقافة الانتصار لا يفهمون كيف أن الجيش الأقوى في المنطقة عجز طوال أكثر من شهر عن وقف سقوط الصواريخ على المدن والمستوطنات الشمالية. وكيف أن هذا الجيش عجز عن إلحاق هزيمة واضحة بحزب الله. والأهم كيف أن المؤسسة السياسية والعسكرية خدعتهم منذ بدء الحرب وأعلنت لهم أن كل معاناتهم لن تكون هباء، فسوف يُعاد الجنود الأسرى من دون قيد أو شرط وسوف يتمّ القضاء على حزب الله.
في داخل الحكومة والجيش على حد سواء ليس هناك مَن يعترض على وجوب التحقيق. ومع ذلك فإن الجميع لا يريدون أن يكونوا في الجانب الذي صنع الخلل أو الهزيمة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد