تحذير أمريكي من فقدان تركيا
الجمل: بدأت العديد من الأطراف الأمريكية تنظر بالكثير من اللايقين إلى مصداقية استمرار الروابط الاستراتيجية التركية – الأمريكية وعلى وجه الخصوص بعد تزايد الرفض التركي لاعتماد توجهات السياسة الخارجية الأمريكية كأساس لتوجهات السياسة الخارجية التركية، وفي هذا الصدد نشر معهد هدسون الأمريكي التابع لمنظمات اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد دراسة بحثية حاولت تقديم رؤية أعمق لمستقبل العلاقات التركية – الأمريكية.
* توصيف الدراسة:
أولاً: على أساس الاعتبارات الشكلية:
• عنوان الدراسة: «هل تضيع الولايات المتحدة تركيا؟».
• الباحث: تم إعداد الدراسة بواسطة كل من الخبير راجان مينون والخبير إس إينديدس ويميوش.
• حجم الدراسة: 38 صفحة من القطع المتوسط.
ثانياً: على أساس الاعتبارات التحليلية:
• طرحت الدراسة المؤشرات الجارية التي تفيد بأن تركيا قد بدأت تضيع من قبضة الولايات المتحدة.
• أشارت الدراسة إلى ما يمكن أن يترتب على المصالح الأمريكية من ضرر في حالة ضياع تركيا.
• قدمت الدراسة بعض التوصيات اللازمة لجهة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاج سياسة تتيح لها الحفاظ والإبقاء على تركيا تحت السيطرة.
* استعراض وتحليل المضمون:
تطرق مضمون ومحتوى الدراسة إلى طرح مسألة تركيا ضمن ثلاثة محاور رئيسية يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
المحور الأول: أهمية تركيا بالنسبة للمصالح الأمريكية: وتضمن هذا المحور النقاط الآتية:
• تقع تركيا في منتصف قوس المصالح الأمريكية الذي يبدأ غرباً من إسرائيل والأردن ثم لبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى تركيا ويبدأ شرقاً من دول آسيا الوسطى الخمسة ثم أذربيجان وإيران وأرمينيا وجورجيا وبالتالي فإن التمركز في تركيا يتيح لأمريكا إمكانية السيطرة على هذه المناطق.
• تقع تركيا في وسط مثلث تتكون أطرافه من ثلاثة بحار تتميز بأهميتها القصوى لمستقبل الاستراتيجية الأمريكية وهي البحر الأسود (لإعاقة روسيا)، وبحر قزوين (للسيطرة على النفط والغاز)، البحر الأبيض المتوسط (لضبط حركة النقل العالمي).
• بسبب التقاطعات الديمغرافية والسكانية فإن أي اضطراب داخلي أو حرب أهلية تركية داخلية يمكن أن تنتقل عدواها بكل سهولة إلى المناطق الإقليمية المجاورة لتركيا، وبالتالي سيطرة الولايات المتحدة على تركيا ستتيح لواشنطن ضبط استقرار المنطقة.
• موقع تركيا الجغرافي المطل على البحر المتوسط والبحر الأسود يتيح للولايات المتحدة تحويل تركيا للقيام بدورين هامين الأول يتمثل في دور أكبر ممر عالمي لأنابيب النفط والغاز، والثاني يتمثل في دور أكبر منصة تصدير للنفط والغاز في العالم.
• موقع تركيا الجغرافي المرتبط بالقارة الآسيوية يتيح تمديد أضخم شبكة خطوط سكة حديد في العالم بحيث تتدفق حركة النقل البري من تركيا إلى سائر أنحاء القارة الآسيوية.
المحور الثاني: الأوضاع الجارية في العلاقات التركية – الأمريكية: وتضمن المحور النقاط الآتية:
• بالنسبة لأمريكا: تركز الاهتمامات الأمريكية المتعلقة بتركيا على ضرورة الحصول على الآتي من أنقرة:
- تقديم المزيد من التسهيلات العسكرية – الأمنية التركية لأمريكا.
- احتكار الأطراف الأمريكية لأنابيب نقل النفط والغاز وموانئ التصدير.
- دعم جهود أمن إسرائيل.
- دعم جهود تطويق روسيا واستهداف إيران.
- دعم الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
- تنسيق العلاقات التركية – الأوروبية بما ينسجم مع منظور السياسة الأمريكية إزاء أوروبا.
- دعم جهود إعاقة الصين.
- دعم السياسة الأمريكية إزاء مناطق الشرقين الأوسط والأدنى.
• بالنسبة لتركيا: تركز الاهتمامات التركية المتعلقة بأمريكا على ضرورة الحصول على الآتي من واشنطن:
- دعم جهود تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
- تعديل التوجهات الأمريكية إزاء المنطقة بما يتماشى مع وجهة النظر التركية.
- دعم جهود تركيا إزاء ملف الأزمة القبرصية.
- دعم جهود تركيا إزاء ملف جزر وممرات بحر إيجة.
- تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لتركيا.
- عدم الضغط على تركيا لتوريطها في النزاعات الإقليمية.
- تعزيز أمن تركيا وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالحركات الكردية المسلحة.
- دعم الموقف التركي فيما يتعلق بملف المذبحة الأرمنية.
- إفساح المجال أمام استقلالية السياسة الداخلية والخارجية التركية.
وبمقارنة المنظور التركي مع المنظور الأمريكي تتضح لنا العديد من نقاط التصادم في مسارات توجهات السياسة التركية وتوجهات السياسة الأمريكية وقد أدت نقاط التصادم هذه إلى نشوء العديد من النقاط الساخنة في مسار العلاقات التركية – الأمريكية وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد وقفت واشنطن إلى جانب اليونان في الأزمة القبرصية ووقفت إلى جانب إسرائيل في ملفات استقرار الشرق الأوسط وملف استهداف إيران، إضافة إلى دعم واشنطن للحركات الكردية الانفصالية ويضاف إلى ذلك عدم اهتمام واشنطن بالضغط على حلفائها الأوروبيين بالقدر الكافي لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
المحور الثالث: التوصيات: وأشارت الدراسة إلى التوصيات الآتية لجهة أنها ضرورية من أجل إعطاء واشنطن المزيد من القدرة في الحيلولة دون ضياع وفقدان تحالفها مع تركيا:
• تعميق الدراسات والبحوث لجهة تحقيق المزيد من الفهم المتجدد للواقع التركي.
• تعزيز شبكة المصالح الاقتصادية والنفعية مع تركيا.
• إضعاف خصوم أمريكا في الساحة التركية.
• تعزيز الحوار التركي – الأمريكي بما يتيح المزيد من التوافق حول المصالح.
• استخدام إما دبلوماسية إبعاد تركيا عن سوريا وإيران وروسيا، أو توظيف تركيا للقيام بالضغط على هذه الأطراف.
سيظل الملف التركي يشكل هاجساً رئيسياً لكافة مراكز الدراسات الأمريكية وبرغم اختلاف وجهات النظر فإن أنصار المدرسة المثالية في السياسة الخارجية الأمريكية ومنهم معهد هدسون ما زالوا يراهنون أكثر فأكثر على فعالية استخدام الضغوط الخارجية والداخلية لضبط وتقويم وترويض تركيا، أما أنصار المدرسة الواعية في السياسة الخارجية الأمريكية فيراهنون على ضرورة التعامل مع المعطيات التركية الجارية وتوظيف الوسائل التدخلية المناسبة لضبط وتقويم وترويض تركيا، بكلمات أخرى فإن سياسة إدارة أوباما تتفق مع سياسة إدارة بوش حول ضرورة الاحتفاظ بالتحالف مع تركيا أما الفرق بين الإدارتين فيكمن في الإجابة على السؤال القائل: كيف يمكن أن يتم ذلك؟ وحالياً فمن المتوقع أن نشهد قيام الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية بالمزيد من التفاهم والحوار المشترك مع تركيا إضافة إلى محاولات ربط المصالح الاقتصادية والنفطية وبرغم ذلك فإن عدم ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة المشكلة الرئيسية التي ستعرقل كل المساعي الأمريكية للاحتفاظ بالروابط مع تركيا!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد