تحوّل الإعلام الغربي: الثورة السورية بيد «القاعدة»
قبل بضعة أشهر فقط لم يكن المتابع لأخبار سوريا في الإعلام الغربي، والأميركي تحديداً، ليتخيّل أنه سيقع على مقال صحافي في مجلة أميركية شهيرة عنوانه: «لا تَدَعوا المتمردين السوريين ينتصرون»، أو مقال آخر يسأل «هل يستطيع الجيش السوري الحرّ المفكك أن يلجم جبهة النصرة؟»، أو عنوان تحليل ينبّه من «صعود تنظيم القاعدة في سوريا».
اسم «القاعدة» بدأ يتكرر في التحقيقات الصحافية حول سوريا خلال الصيف الماضي، بعدما كان أي ذكر لها أو لوجود «مقاتلين متطرفين» تسبقه دائماً عبارة «كما يدّعي النظام السوري». ففي البدء تبنّى معظم الصحافيين الغربيين رأي المعارضة السورية التي رأت في «جبهة النصرة» «فبركة من النظام»، وفي وجود «المتطرفين الإسلاميين» «مجرد تهويل» من النظام أيضاً، فظهر هذا الرأي في التغطيات الصحافية الأميركية والبريطانية والفرنسية منذ تفجيرات دمشق بداية العام الماضي.
لكن بعد أشهر قليلة، بدأ المراسلون الصحافيون في إدلب وحمص وحلب ودير الزور وغيرها نشر تحقيقات تتحدّث عن «وجود ما» لتنظيم «القاعدة» على الجبهات السورية. حينها وصفت معظم المقالات دور «القاعدة» بـ «المحدود» وعديدها بالـ «ضئيل»، ووضعها بأنه «مسيطر عليه من قبل مقاتلي الجيش الحرّ».
لكن منذ شهر تشرين الأول الماضي، تكثفت المقالات والتقارير الصحافية الغربية، والأميركية بشكل خاص، حول «تطرّف الثورة السورية» و«تصاعد دور القاعدة في المعارك»، وصولاً الى تحقيقات تحذرّ من «اختطاف المتطرفين للثورة»، وتشكّك في قدرة «الجيش السوري الحرّ» على مواجهتهم والسيطرة عليهم. جزء من تلك المقالات، وخصوصاً تلك الموقعة بأقلام محافظين متطرفين، قد يكون هدفه الحثّ على التدخل العسكري في سوريا تحت راية «القضاء على تنظيم القاعدة». لكن جزءاً آخر كبيراً من التحقيقات الميدانية بني على وقائع ومشاهدات من الجبهات السورية وشهادات من المقاتلين أنفسهم.
بداية مع مقال غلين روبنسن في مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «لا تدَعوا المتمردين السوريين ينتصرون... الانتصار التام لأعداء الأسد سيكون كارثياً». في هذا المقال، يقول روبنسن إن «معظم الدول الغربية ستحتفل بسقوط نظام الأسد، لكن رهان هؤلاء على المعارضة السورية في المهجر، التي حظيت بدعم إدارة باراك أوباما وغيرها، هو رهان خاسر». لماذا؟ يرى روبنسن أن معارضة المهجر لن تنجح في الحكم ولا حتى لفترة قصيرة من الزمن، لأن «من سيحكم سوريا فعلياً بعد سقوط النظام هم الرجال المسلحون الذين يسيطرون على الشوارع والقرى والمدن السورية حالياً... وهؤلاء لا يتكلمون اللغة ذاتها». أما عن «الجيش السوري الحرّ» فيقول روبنسن أنه «لا يُعدّ جيشاً بأي شكل من الأشكال لناحية امتلاكه أي سلطة أو سيطرة على وحداته». الكاتب لا يولي أي أهمية لـ«الجهاديين الأجانب وأتباع القاعدة» المقاتلين في سوريا لأنهم «لا يشكلون سوى جزء صغير من المقاتلين ضد الأسد». لكنه يبرر ذلك بالقول إن «سوريا لا تحتاج الى جهاديين أجانب وإسلاميين متطرفين، فهي لديها ما يكفي في بيئتها الداخلية». وهنا يشير روبنسن الى «الاخوان المسلمين في سوريا الذين يُعدّون القوة الأكثر تنظيماً في المعارضة السورية الحالية والذين يعملون في سرية وغموض». كما يشرح أنهم «مختلفون عن إخوان مصر وتونس لأنهم لم ينخرطوا في الحياة السياسية منذ عقود».
وانطلاقاً من ذلك، يحذّر الكاتب «المتحمسين لانتصار الثورة السورية من أن العناصر الأقوى في المعارضة المسلحة ليسوا أصدقاءً للديموقراطية الليبيرالية»... «ما سيذهب بسوريا نحو الانزلاق الى الديكتاتورية والظلمات مجدداً في حال انتصر هؤلاء بشكل كامل
صحيفة «ذي نيويورك تايمز» بدأت، من جهتها، منذ شهر تموز الفائت بالإشارة الى «بدء اندساس القاعدة في سوريا»، ثم نشرت خلال شهر تشرين الأول الفائت تحقيقاً ميدايناً بعنوان «الثوار يقولون إن عدم تحرّك الغرب يدفع بالسوريين الى التطرّف»، وآخر من واشنطن بعنوان «تدفق الأسلحة للثوار قد يصبّ في مصلحة الجهاديين»، وهو أمر أكّده مسؤولون رسميون واستخباريون ودبلوماسيون في المقال. الصحيفة نفسها نشرت أيضاً منذ أيام مقالاً مطوّلاً من مراسليها في العراق ولبنان يشرح كيف يلعب «مقاتلو تنظيم القاعدة في سوريا دوراً محورياً في الحرب السورية». «هم أكثر المقاتلين فعالية»، يصف مقال الـ «تايمز» شباب «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» في العراق. المقال يشير الى أنه «في حين يخشى بعض الثوار من تعاظم قوة «جبهة النصرة»، يبدي ثوار آخرون إعجاباً كبيراً بها ويعملون معها عن قرب». وهنا، ينقل المراسلون عن أحد المتحدثين باسم الثوار القول إن «جبهة النصرة تحمي السوريين بينما الولايات المتحدة لا تفعل شيئاً بهذا الخصوص». المقال يشرح كيف أن «النصرة» تنجح بجذب المقاتلين السوريين الذين ينقصهم المال والسلاح والتدريب، كما يبيّن وجود مجموعات مقاتلة اخرى ممن «يطبّقون التعاليم الدينية بشكل صارم»، وآخرون «ممن حاربوا في العراق تحت راية القاعدة لسنوات».
التحقيق ينقل عن أحد المقاتلين المعارضين في سوريا قوله إن «هدفنا هو إقامة دولة إسلامية سنيّة في سوريا»، وإنهم «سيحاربون أي حكومة علمانية في المستقبل». «مهمتنا لن تنتهي بعد سقوط نظام الأسد» يردف المقاتل.
بدوره، كتب آرون زيلين، في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى»، مقالاً بداية الشهر الحالي بعنوان «صعود تنظيم القاعدة في سوريا»، يقول فيه إن «جبهة النصرة» أصبحت جزءاً متنامياً من المعارضة المسلحة بسبب «براعتها القتالية» وأن واشنطن تمتلك بالتأكيد أدلة غير مباشرة بأن «جبهة النصرة» تعمل كفرع لـ «دولة العراق الإسلامية». زيلين يضيف أن «الظروف الخاصة في سوريا قد تكون السبب» وراء تصنيف واشنطن لجبهة النصرة بالمنظمة الإرهابية قبل أن تعتدي هذه الأخيرة على المصالح الاميركيm. فالسوريون، يتابع الكاتب، «يتظاهرون ويقاتلون منذ أكثر من 21 شهراً، وبمرور الوقت شهدت الثورة تحولاً إلى الراديكالية بسبب اتباع النظام تكتيكات وحشية، ما أدى إلى إيجاد قوة قتالية أكثر إسلامية». لكن جعل الثوار يتبرأون من «جبهة النصرة» «قد لا يكون مهمة سهلة»، يرى زيلين. ويتابع «الجهاديون هم من أكثر المقاتلين فعالية وجرأة ضد نظام الأسد، واكتسبوا لذلك احترام جماعات الثوار الأخرى».
هذه النقطة طرحت في أكثر من مقال وتقرير إعلامي، ونقل بعض الصحافيين عن بعض «القادة العلمانيين» قولهم «إن الحرب المقبلة ستكون ضد الإسلاميين... فإن استطعنا هزم نظام الأسد ألن نتمكن من التخلص من المجموعات الإسلامية؟».
ضابط الاستخبارات الأميركية السابق، فيليب جيرالدي، شكك على موقع «ذي أميركن كونسيرفاتيف» في أن يتمكن «الجيش الحرّ» من السيطرة على تنامي عديد تنظيم «القاعدة» «إذ هو لم يتسطع السيطرة على الوحدات المنضوية تحت لوائه حتى الآن». «أضف أن هناك تقارير تفيد بأن الجهاديين يحصلون على معظم الأسلحة المتوفرة»، يردف جيرالدي.
أما الصحافي ديفيد إغناتيوس فكتب سلسلة مقالات في «ذي واشنطن بوست» معظمها بعد زياراته لسوريا ولقائه بمقاتلين. في تشرين الاول، كتب إغناتيوس محذراً من «خطر التطرّف» الذي يتربص بالثورة. إغناتيوس نبّه، في مقاله، من الدور المتزايد لـ«جبهة النصرة» ولشبكة مقاتلين سلفيين على الجبهات السورية وحصولهم على السلاح والدعم من دول الخليج، وخصوصاً من المملكة السعودية. الصحافي كرر، حينها، ما قاله له أديب الشيشكلي في سوريا أن «ليس كل الجهاديين السلفيين مرتبطين بالقاعدة، بعضهم متدينون سنّة يستخدمون بطاقة الجهاديين للحصول على المال والدعم».
لكن في أواخر شهر تشرين الثاني، انتقل إغناتيوس للحديث، في مقالين متتاليين، عن حوالي ١٠ آلاف مقاتل في صفوف «جبهة النصرة» وعن تمددها الى مختلف المدن والأحياء في ظل الفوضى التنظيمية في صفوف «الجيش الحرّ». إغناتيوس نقل رسائل من «الجيش الحرّ» تظهر خوفهم من تنامي الحركة وازدياد دورها في العمليات النوعية مثل إسقاط الطائرات واحتلال المراكز العسكرية. وختم الكاتب محذراً من «حرب مميتة بين المدافعين عن الأسد والجهاديين المتطرفين ستمزّق سوريا في حال لم يتمّ تشكيل جيش (معارض) متناسق وغير متطرف».
مؤسسة «ماكلاتشي» الإعلامية الأميركية نشرت تحقيقاً ميدانياً من سوريا يشرح دور «القاعدة» المفتاح في المعارك السورية، «بعدما نفى الجميع ذلك». الصحافي ديفيد انديرز يشير إلى أن «البعض يقول إن صعود دور جبهة النصرة هو نتيجة لغياب دعم الغرب الفعلي للثورة السورية».
لكنه يضيف «إن عمل بعض الثوار اللصيق مع الجبهة وتنسيقهم معها يجعل من الصعب تقديم الدعم لهم بشكل منفصل عنها».
المقال يشرح أن «مقاتلي جبهة النصرة والجهاديين لم يكتفوا بالتفجيرات الانتحارية، بل يلعبون دوراً أساسياً في تقدم الثوار العسكري على الجبهات. إذ يقود الجهاديون القتال على الجبهات الامامية وبعد أن يسقطوا منطقة ما، تنتقل اليها عناصر تابعة للجيش الحر».
صباح أيوب: الأخبار
إضافة تعليق جديد