تدويل حرب اليمن ودخول تنظيم القاعدة على الخط
الجمل: تصاعدت وتائر الصراع في اليمن بشكل حثيث, فقد بدأ الصراع كصراع يمني-يمني, ثم تحول بعد تدخل السعودية إلى صراع إقليمي, والآن وبقيام الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ غاراتها الجوية, ودعوة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون لمؤتمر حول اليمن, فقد تحول الأمر في اليمن إلى صراع دولي: فما هي يا ترى طبيعة الصراع الدولي في اليمن, وما هو شكل السيناريو القادم في المنطقة؟
تدويل الملف اليمني: معطيات وحملة بناء الذرائع؟
تشير المعطيات والوقائع الجارية, إلى حدوث المزيد من التطورات المتسارعة, التي تفيد لجهة دخول ملف أزمة الصراع اليمني في نفق التدويل, والذي على الأغلب أن يكون تدويلا مفتوحا, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• زيارة الجنرال ديفيد بترابوس قائد القيادة الوسطى الأميركية لليمن, وإعلانه رسميا عن زيادة المساعدات القادمة لليمن من أجل الحرب ضد الإرهاب.
• تصريحات الرئيس الأميركي أوباما, وبقية رموز الإدارة الأميركية التي تتحدث عن ضرورة محاربة أميركا والمجتمع الدولي للإرهاب في اليمن.
• قيام الطائرات بلا طيار الأميركية بتنفيذ المزيد من عمليات القصف ضد بعض الأهداف الجديدة داخل اليمن.
وبالمقابل كذلك, فقد برزت توجهات الحركات الأصولية الإسلامية التي تتحدث عن الاستعداد للجهاد في اليمن, وفي هذا الخصوص أعلن تنظيم حركة الشباب المؤمن الصومالي عن رغبته واستعداده لإرسال المزيد من المقاتلين من أجل نصرة إخوة الإسلام في اليمن, وتقول المعلومات والتسريبات بأن تنظيم القاعدة قد أعلن حالة الاستنفار بين أعضائه وخلاياه المنتشرة في المنطقة لجهة احتمالات القيام بتنفيذ العمليات الجهادية ضد أميركا وحلفاءها الدوليين والعرب في المنطقة.
تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية: الهدف الجديد؟
تحدثت التقارير التي أوردتها أجهزة الإعلام العربية والدولية, عن مقتل زعيم القاعدة في الجزيرة العربية (اليمني الجنسية) ونائبه (السعودي الجنسية) في إحدى الغارات التي نفذتها أول أمس الطائرات بدون طيار الأميركية, وبالمقابل فقد أعلن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية عن نفي هذه المعلومات.
بغض النظر عن صحة أو عدم صحة مقتل زعماء القاعدة, فما هو لافت للنظر يتمثل في بروز اسم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, والذي يفيد لجهة تمدد شبكة تنظيم القاعدة, فهناك تنظيم القاعدة "الأم" الذي يتمركز في أفغانستان وباكستان, وهناك تنظيم القاعدة في بلاد ما بين النهرين والذي يتمركز في العراق, وهناك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي, والذي يتمركز في البلدان المغاربية الخمسة (ليبيا-تونس-الجزائر-المغرب-موريتانيا) والآن يوجد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, وعلى الأغلب أن يكون تنظيم القاعدة يسعى "إن لم يكن قد أنجز بالفعل" لبناء تنظيم القاعدة في بلاد الشام بما يغطي نشاطه لبلدانها الأربعة: (سوريا-لبنان-فلسطين-الأردن).
أكدت بعض تحليلات خبراء مكافحة شبكات الحركات المسلحة, بان تنظيم القاعدة, قد تحول إلى كيان مسلح فضفاض, يتميز بقدر كبير من "السيولة" التنظيمية, بحيث أصبحت فروعه تتصرف باستقلالية كبيرة عن الفرع الأم, وبالتالي فقد أصبحت هذه الفروع لا ترتبط بالفرع الأم, أو بالأحرى بقيادة زعيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري, إلا بالمواثيق والروابط العامة, مثل "البيعة" والالتزام بالعمل ضمن الخط العام, وما شابه ذلك, وبالتالي فإن هذه الفروع تمارس نشاطاتها بشكل مستقل, فيما يتعلق بالحصول على التمويل والإمداد, والقدرات التسليحية والتدريبية, إضافة إلى تخطيط وتنفيذ العمليات واختيار الأهداف.
أشارت بعض المعلومات قبل حوالي ثلاث سنوات تقريبا, إلى وجود تنظيم القاعدة في منطقة الجزيرة العربية, وتحدثت هذه المعلومات عن مخطط كبير يتضمن قيام هذا التنظيم بالتخطيط لتنفيذ عملية كبرى تتضمن شن هجوم واسع النطاق ضد الأهداف الآتية:
• المنشآت النفطية الموجودة في السعودية وبلدان الخليج.
• المنشآت الاقتصادية الأميركية والغربية.
• استهداف الرموز السياسية المرتبطة بأميركا والغرب.
• استهداف البنيات التحتية الرئيسية مثل المطارات والجسور وما شابه ذلك من المنشآت الرئيسية.
حدثت بعض المواجهات المحدودة المتقطعة في السعودية واليمن خلال الثلاثة أعوام الماضية, والتي برغم نجاح قوات أمن البلدين في احتوائها, إلا أن هذه الأحداث ظلت تلعب دور المؤشر الذي يفيد لجهة ترجيح احتمالات المزيد من المواجهات الأكبر حجما والأوسع نطاقا, ولكن, برغم ذلك فقد تأخرت عملية توسيع المواجهات, وعلى ما يبدو أن انخراط عناصر تنظيم القاعدة في الصراع العراقي خلال العامين الماضيين, قد أدى إلى تأجيل تنفيذ مخطط توسيع المواجهات في منطقة الجزيرة العربية, ومن أبرز الدلائل على ذلك, إن المئات من السياسيين السعوديين والخليجيين قد تم رصدهم كناشطين إلى جانب تنظيم القاعدة, في بلاد ما بين النهرين (العراق) خلال هذه الفترة, الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء الشباب قد اكتسبوا المزيد من الخبرات الميدانية في المسرح العراقي, والآن, كما هو واضح, فمن الممكن أن يكون الدور قد حان لجهة تفعيل مسرح الجزيرة العربية الأساسي بالنسبة لتنظيم القاعدة.
هل من أبعاد غير معلنة في ملف الساحة اليمنية؟
توجد العديد من المؤشرات المثيرة للانتباه, وهي مؤشرات بدأت تبرز في شكل تساؤلات مثيرة تفتقر إلى الإجابة الواضحة:
• درجت جامعة الدول العربية على التدخل بحل النزاعات والصراعات العربية, ولكن الجامعة لم تتدخل هذه المرة, في صراعات الأزمة اليمنية, أو حتى في حرب السعودية مع الحوثيين اليمنيين, فلماذا لم تتدخل الجامعة العربية, أو بالأحرى من الذي عطل دور الجامعة العربية؟
• درجت منظمة المؤتمر الإسلامي على التدخل بحل الأزمات والصراعات التي تدور في البلدان والمناطق الإسلامية, وهذه المرة لم تتدخل لتقديم أي مبادرة لحل الصراع, لا في الصراعات اليمنية-اليمنية, ولا في صراع السعودية ضد الحوثيين اليمنيين, فلماذا لم تتدخل المنظمة, أو بالأحرى من الذي عطل دورها أيضا؟
• تحدثت التقارير قبل بضعة أيام عن إلقاء القبض على مواطن كيني سعى لتفجير إحدى الطائرات المتوجهة من لندن إلى أميركا, وأنه قد فشل في تنفيذ العملية, وأشارت التقارير إلى أن هذا الكيني كان موجودا في اليمن قبل مغادرته إلى بريطانيا, ثم عبر المتوسط إلى أميركا, ومالم تتحدث عنه التقارير, لماذا لم ينفذ هذا الكيني عملية التفجير برغم أنه كان يحمل الحزام الناسف, وكيف استطاع أن يتجاوز ويتغلب على أنظمة الرصد والمراقبة الاليكترونية الدقيقة في الطائرات والمطارات البريطانية؟
تحدث اليوم أحد المحللين السياسيين اليمنيين المعنيين بشؤون القاعدة والحرب ضد الإرهاب, مشيرا إلى النقاط الآتية:
• يوجد المئات من عناصر تنظيم القاعدة في اليمن, وهم موجودون بعلم السلطات اليمنية.
• درجت السلطات اليمنية على تنفيذ حملات الاعتقال ضد عناصر القاعدة, وقبض المساعدات من أميركا, ثم إطلاق سراحهم, وقبض المساعدات, ثم اعتقالهم مرة أخرى, وقد ظل هذا السيناريو يتكرر لعدة سنوات.
• ظلت السلطات السعودية تشدد الضغوط على عناصر القاعدة السعوديين وغير السعوديين الموجودين داخل المملكة, ولكن, ما هو جدير بالانتباه والملاحظة أن السلطات السعودية تتجاهل أو بالأحرى تتغافل عن تسلل هذه العناصر إلى اليمن, بشكل يوحي بان السلطات السعودية تسعى إلى دفع هؤلاء من أجل البقاء في اليمن كملاذ آمن.
• تورطت جهات المخابرات الباكستانية في العديد من عمليات ترحيل عناصر تنظيم القاعدة ذوي الأصول العربية السعودية والخليجية إلى اليمن, بما خلق انطباعا بأن اليمن سوف تقوم بدور الملاذ الآمن الجديد الذي يساعد في تقليل خطر تمركز هذه العناصر في باكستان.
تشير هذه النقاط, ليس إلى احتمالات قيام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لعملياته المحتملة وحسب, وإنما أيضا إلى احتمالات أن تكون هذه التحركات قد نمت تحت غطاء برامج وكالة المخابرات المركزية الأميركية, وتحديدا الفرع المختص بالعمليات السريه, بما يتيح استخدام تنظيم القاعدة, لجهة إشعال الساحة اليمنية, وبتشديد الضغوط على الساحة اليمنية فإن العدوى سوف تنتقل تلقائيا إلى المناطق السعودية والخليجية, وذلك على النحو الذي يقدم المزيد من الذرائع والمبررات الجديدة التي تتيح لأميركا التمركز والتدخل أكثر فأكثر في السعودية والخليج, وعلى الأغلب أن يتم استخدام هذه التصعيدات لجهة قبول السعودية وبلدان الخليج بمبدأ التعاون مع إسرائيل في عمليات مكافحة التمرد, والعمليات العسكرية التي تمت مؤخرا ضد الحوثيين في محافظة صعدة اليمنية, على خلفية اجتماع عمان المخابراتي الأخير ليست سوى مؤشرا يفيد لجهة احتمالات توظيف فعاليات تنظيم القاعدة كمدخل تبرير التعاون والتطبيع مع إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد