تركيا بين هرتزل وبيريز
ليس لتركيا «دور» واحد في المنطقة. بالأمس كان اللقاء على الأرض التركية بين وزيري خارجية باكستان وإسرائيل، واليوم تجمع أنقرة الرئيسين الإسرائيلي شمعون بيريز والفلسطيني محمود عباس تحت قبة البرلمان.
من زاوية دور «الوسيط» حققت تركيا ما لم تحققه أي دولة في المنطقة، فهي صلة الوصل بين الدولة العبرية وكل أعدائها ولا سيما سوريا، وهي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى تواصل مع اللدودين حماس وفتح، وهي على تواصل مع إيران و«خصومها» السعودية ومصر والأردن، وتركيا على مسافة واحدة إلى حدّ كبير من مختلف افرقاء الصراع في لبنان.
هذه، لا شك، ميزة لبلد تتقاطع فيه كل أشكال الصراع الديني والحضاري والاتني والتاريخي والإيديولوجي، بل ربما هذا الدور هو نتيجة لكل هذه التناقضات.
لكن المسعى التركي ملتبس الأهداف في توقيته، فأنقرة تريد بالتأكيد تخفيف حدة التوتر في المنطقة، ومنع انفجار شامل فيها لأنها ستكون من أوائل المتأثرين بنتائجه، تماما كما تأثرت بنتائج غزو العراق.
لكن في ذروة الاستقطاب بين معسكري أميركا وحلفائها وبين معسكر القوى الرافضة، من إيران وسوريا وحماس وحزب الله وغيرهم، يبدو المسعى التركي للجمع بين ركنين من معسكر «الاعتدال» انحيازا له، ولعل مواقف الرئيس التركي عبد الله غول ومجادلته الدفاعية عن إيران مع بيريز ترجح الاعتقاد أن الخطوة التركية قد حصلت تحت ضغط اميركي، لعدم إفشال مؤتمر انابوليس من زاوية المعايير الأميركية ـ الإسرائيلية.
وتركيا تعرف، من جهة أخرى، أكثر من غيرها أن مشروع اتحاد الغرف والبورصات التركية لإقامة منطقة صناعية تركية في الضفة الغربية ليست هي الخطوة المطلوبة في هذه الظروف، وان توقيع بيريز عليها لا يساوي ثمن الحبر الذي صرف، فإسرائيل هي التي دمّرت في حزيران 2006 منطقة ايريز الصناعية التركية بعد اسر الجندي جلعاد شاليت.
وتعرف تركيا أن الشعب الفلسطيني يحتاج في هذه اللحظة، وقبل أي شيء، إلى وقفة حزم من العالم ضد مخططات إسرائيل لتهويد الضفة والقدس وحصار غزة وتجويع أهلها.
جاء بيريز إلى تركيا ليلقي معسول الكلام، وليلوّث الشعر التركي عندما قرأ في خطابه أمام البرلمان التركي أبياتا للشاعر التركي جهيد صدقي تارانجى.
يمكن لتركيا أن تجمع «الزعيمين» في «اللقاء التاريخي» كما وصفته وسائل الإعلام التركية في أي مكان من أنقرة، لكنها لم تكن مضطرة إلى أن تعطي قاتل الأطفال في قانا وفلسطين «شرف» التحدث أمام ممثلي الشعب التركي.
وإذا استفتي الشعب التركي على هذه الخطوة فانه لن يوافق عليها بالتأكيد، وهو الذي يعادي السياسات الأميركية والإسرائيلية بنسبة تفوق الثمانين في المئة، وهو الذي وقف الوقفة الرائعة مع شعب لبنان أثناء عدوان تموز .2006
أدوار كثيرة تقوم بها أنقرة، منها ما هي مقتنعة به ومنها ما هي مرغمة عليه، إلا أن المهم، ربما، في «اللقاء التاريخي» انه لم ينعقد في قصر يلدز، حيث من المؤكد أن السلطان عبد الحميد لن يكون مرتاحا، وهو الذي رفض يوما ما بيع قطعة ارض في فلسطين لليهود برغم محاولات تيودور هرتزل المستميتة وإغراءاته.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد