تقريرأوروبي وآخرإسرائيلي يؤكدان تصعيدتهويدالقدس في العامين الأخيرين
أكد تقريران جديدان، أحدهما أعده الاتحاد الأوروبي، والثاني اعتمد أرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية، أن إسرائيل صعّدت في العامين الأخيرين حملتها على سكان القدس الشرقية المحتلة من خلال استراتيجية مدروسة وضعت لتغيير الميزان الديموغرافي في المدينة لمصلحة اليهود، سواء من خلال دعم الحركات الاستيطانية الناشطة لتهويد المدينة المحتلة، أو منع تصاريح البناء من السكان الفلسطينيين، بموازاة سحب حق الإقامة لآلاف المقدسيين خلال عام واحد.
وكشفت «مركز الدفاع عن الفرد» أن وزارة الداخلية سحبت خلال عام 2008 من 4577 فلسطينياً «حق الإقامة الدائمة»، وهو رقم قياسي يعادل 21 ضعفاً من المعدل السنوي لسحب المواطنة الذي سجل في الأعوام الـ 40 الأولى للاحتلال (1967-2007) التي تم خلالها سحب المواطنة من 8558 مقدسياً. وسوّغت وزارة الداخلية قرارها سحب المواطنة من هذا الكم الكبير من المقدسيين بعدم إقامتهم في المدينة منذ سنوات، وبأن الدولة تصرف عليهم مخصصات بمئات ملايين الدولارات.
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن الوزارة، وبتعليمات من وزير الداخلية السابق مشير شيتريت (كديما)، بادرت في ربيع العام الماضي إلى إجراء مسح تناول المقدسيين الذين لا يقيمون منذ سنوات في القدس بغرض سحب المواطنة.
ويعتبر القانون الإسرائيلي فلسطينيي القدس المحتلة (أكثر من 250 ألفاً) سكاناً وليسوا مواطنين. ويقول المحامي يوتام بن هيلل من «مركز الدفاع عن الفرد» إن القانون الإسرائيلي ينظر إلى المقدسيين كمهاجرين إلى إسرائيل، لكن ليس بحسب «قانون العودة» (المخصص للمهاجرين اليهود)، على رغم أن «إسرائيل هي التي دخلت إليهم عام 1967». ويضيف أن مكانة المقيم، خلافاً لمكانة المواطن، يمكن سحبها بسهولة نسبياً، ويكفي أن يترك الدولة لسبع سنوات أو أن يحصل على مواطنة أو إقامة ثابتة في دولة أخرى، كي تسحب حق إقامته فوراً. ويعني ذلك منع آلاف الفلسطينيين الذين سحبت إقامتهم من العودة إلى القدس أو حتى زيارتها. ويتابع المحامي أن من الجائز أن يكون عدد من الفلسطينيين الذين سحبت إسرائيل حقهم في الإقامة لا يتمتعون بأي مكانة قانونية في الدولة التي يقيمون فيها، ما يعني عملياً بقاءهم من دون مواطنة إطلاقاً. ويقدم مثالاً على ذلك طلاباً جامعيين يدرسون منذ سنوات في الخارج، ولن تكون بمقدورهم العودة إلى القدس لتغيبهم عنها سبع سنوات.
ووصف «مركز حماية الفرد» التصعيد الإسرائيلي ضد المقدسيين بالمقلق، وأعرب عن خشيته من أن عدداً من الذين سلبوا حق الإقامة في القدس ليسوا على علم بقرار الحكومة الإسرائيلية. وتابع أن السياسة التي تنتهجها وزارة الداخلية هي جزء من سياسة شاملة هدفها تحديد عدد الفلسطينيين في القدس لضمان الغالبية اليهودية فيها.
ودافع شيتريت عن إجراءات وزارة الداخلية ووصفها بـ «اضطرارية»، وقال إن ما كشف عنه مسح الوزارة هو طرف جليد «إذ أن الحكومة تصرف بليون شيكل (نحو 280 مليون دولار سنوياً) كمخصصات تأمين على أناس لا يعيشون فيها. وادعى أن الوزارة أبلغت كل المرشحين إلغاء إقامتهم في المدينة قبل أن تتخذ قرارها، وأتاحت لهم الطعن في القرار. وقالت الوزارة أن 89 مقدسياً استأنفوا قرار سلب حقهم في الإقامة وتمت إعادته إليهم.
إلى ذلك، انتقد تقرير مصنف سرياً أعده قناصل دول الاتحاد الأوروبي في القدس ورام الله المحتلتين الشهر الماضي، بشدة السياسة الإسرائيلية في القدس المحتلة الهادفة أساساً إلى تغيير الميزان الديموغرافي في القدس لمصلحة اليهود. وأفادت صحيفة «هآرتس» أن التقرير عرض قبل أيام في اجتماع مغلق لمؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسيل.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية أعربت عن مخاوفها من نشر تقرير الاتحاد في الإعلام، متوقعة أن يسيء الى إسرائيل في أوساط الرأي العام الأوروبي. ورأت أوساط في الوزارة أن هذا التقرير كان وراء مبادرة السويد في شأن إعلان أوروبي عن أن القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين.
وأوصى التقرير بأن يعمل الاتحاد على تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في القدس، واتخاذ خطوات احتجاجية ضد إسرائيل وفرض عقوبات على الجهات المتورطة في نشاطات استيطانية في القدس وضواحيها.
وأكد التقرير أن الحكومة الإسرائيلية والبلدية الإسرائيلية للقدس «تعملان بتنسيق تام ووفقاً لاستراتيجية ورؤية مدروستين تهدفان إلى تغيير الميزان الديموغرافي في القدس، وفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية»، كما أنهما تعملان على تقديم الدعم لجمعيات استيطانية متطرفة تنشط لتطبيق الرؤية المذكورة وللسيطرة أساساً على «الحوض المقدس» في البلدة القديمة، من خلال قيام جهات يمينية بشراء بيوت في أحياء عربية، «ومحاولة زرع مستوطنات في قلب الحي الإسلامي في المدينة».
وانتقد التقرير بشدة البلدية على تمييزها ضد الفلسطينيين في منح تصاريح بناء وتقديم خدمات صحية وتعليمية وغيرها. وجاء فيه أن البلدية تصادق سنوياً على بناء 200 وحدة سكنية جديدة للفلسطينيين فيما حاجاتهم نتيجة النمو الطبيعي تستوجب بناء 1500 وحدة سكنية. وأعطى مثالاً صارخاً على التمييز، إذ أفاد أنه منذ عام 1967 صادقت البلدية على 20 رخصة بناء فقط في قرية سلوان. وأضاف انه على رغم حقيقة أن 35 في المئة من سكان القدس هم فلسطينيون، لكن فقط 5 الى 10 في المئة من موازنة البلدية مستثمرة في الأحياء الفلسطينية.
كما تناول التقرير قضية الحفريات الأثرية في القدس، خصوصاً في منطقة «جبل الهيكل» (الحرم القدسي الشريف) وجاء فيه أن الحفريات الأثرية في سلوان والبلدة القديمة والحرم ركزت أساساً على تاريخ اليهودي «كما أن علم الآثار تحول إلى وسيلة أيديولوجية تخدم الصراع القومي الديني الذي يدار بطريقة تغيير هوية المدينة وطابعها وتهدد استقرار المدينة».
وتابع التقرير ان الفلسطينيين في القدس الشرقية يعانون مشاكل أمنية صعبة، «وتوسيع الاستيطان أذكى نار عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين في القدس الشرقية». وتابع أن الشرطة الإسرائيلية شاهدة على جرائم يرتكبها المستوطنون «لكنها لا تتدخل كما يجب للجمها». كما هاجم التقرير إسرائيل على مواصلة إغلاق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في القدس الشرقية، وحذر في الوقت ذاته من سيطرة «حماس» على المدينة، «إذ أن الشعور بالإهمال لدى السكان وغياب مؤسسات حكومية فلسطينية يمهدان الطريق أمام منظمات إسلامية لزيادة نفوذها».
ويوصي قناصل دول الاتحاد الأوروبي في التقرير باتخاذ خطوات لتقوية وجود السلطة الفلسطينية في شرق القدس وممارسة ضغط على إسرائيل لتوقف مساسها بالسكان الفلسطينيين في المدينة. ودعوا إلى إعادة فتح الممثليات الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية في المدينة مثل «بيت الشرق»، كما أوصوا بإرسال ديبلوماسيين أوروبيين إلى المحاكم وتشجيعهم على المشاركة في مداولاتها في ملفات إخلاء فلسطينيين من بيوتهم.
كما يتضمن التقرير توصيات رمزية الهدف منها تأكيد كون القدس الشرقية عاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية. ودعا واضعوه إلى استضافة شخصيات رفيعة من السلطة الفلسطينية لوجبات عشاء ولقاءات مع وزراء أوروبيين في دور القنصليات في القدس الشرقية، ورفض قبول مرافقة شرطة إسرائيل لجولات مسؤولين أوروبيين يزورون المنطقة، وتجنب عقد لقاءات مع جهات حكومية إسرائيلية في مكاتب القنصليات في القدس الشرقية. وإلى جانب العقوبات الديبلوماسية والسياسية، يقترح القناصل فرض عقوبات اقتصادية على مستوطنين في القدس والتعاون من أجل تبادل معلومات عن مستوطنين عنيفين وفحص إمكان منع دخولهم إلى دول الاتحاد. كما أوصوا بمنع نقل أموال من جهات حكومية في الاتحاد الأوروبي لجهات تدعم المستوطنات في القدس، وإلى تشريع قوانين ملائمة ووضع تعليمات لجهات سياحية في أوروبا تحول دون دعم مصالح المستوطنين في القدس.
أسعد تلحمي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد