ثلث السوريين معدمون غذائياً وتسعة ملايين «على الطريق»
قبل أسابيع قليلة فقط، أنهى فريق مشترك من خبراء برنامج الغذاء العالمي والمكتب المركزي للإحصاء معالجة وتحليل البيانات والمعلومات التي قدمتها عينة مؤلفة من 19 ألف عائلة سورية، تعيش في مناطق مختلفة من البلاد (باستثناء محافظتي الرقة ودير الزور)، بعضها خاضعة لسيطرة الحكومة، والبعض الآخر تعيش فيها مجموعات مختلفة من المسلحين.
المسح الميداني، الذي يمثل سابقة هامة منذ بداية الكارثة السورية، حاول رصد أوضاع الأمن الغذائي للسوريين خلال فترة الحرب، وتسليط الضوء على القضايا الرئيسية التي تنذر بالمزيد من المخاطر على المدى القريب والبعيد. ووفقاً لنتائج المسح التي عرضها تقرير لبرنامج الغذاء العالمي في سوريا وزع على نطاق محدود، فإن «حالة الأمن الغذائي في سوريا الآن وصلت إلى مرحلة مقلقة، ليس فقط من حيث حجمها، ولكن أيضاً من حيث حدتها».
تبدأ سوداوية النتائج بالظهور مع الحديث عن معاناة ثلث السوريين من انعدام حالة الأمن الغذائي لديهم، إذ تذهب تقديرات المسح إلى أن 6.3 ملايين مواطن يعانون انعدام حالة الأمن الغذائي، منهم 2.4 مليون شخص يتعرضون لمستوى عال من خطورة انعدام الأمن الغذائي. وتضيف النتائج أن نصف السوريين تقريباً، وتحديداً نحو 9 ملايين شخص، يواجهون خطر الانزلاق، وبسرعة، إلى دائرة انعدام الأمن الغذائي، و«دون حل سياسي للصراع، والمساعدات الإنسانية، والأمن الغذائي الأسري» فمن المتوقع أن يتدهور الوضع أكثر، يضيف التقرير.
جغرافياً، تظهر نتائج المسح تغييرات بسيطة بين المناطق وإن كانت متوقعة، فهناك نحو 35,7% من سكان المناطق الريفية يعانون حالة انعدام الأمن الغذائي لهم، مقابل 30.6% من سكان المناطق الحضرية، كذلك الأمر بالنسبة إلى الشريحة «الهشة» والمهددة بالسقوط في دائرة انعدام الأمن الغذائي، فقد بلغت نسبتها في الريف نحو 53,2%، وفي الحضر نحو 50%، فيما كان الفرق واضحاً بالنسبة إلى الشريحة ذات الأمن الغذائي الجيد. ففي الريف بلغت نسبتها نحو 11.1%، وفي الحضر نحو 19.4%.
وفي السياق نفسه، فإن ترتيب المحافظات وفقاً لنسبة الأسر التي تعاني فقرا غذائيا، يظهر أن دمشق هي الأقل بين المحافظات بنسبة 56% تليها السويداء بنحو 62%، فيما تحتل الحسكة الصدارة بنسبة تصل إلى نحو 90%، فالقنيطرة بنحو 82%، ثم إدلب بنحو 79%، وتلحقها طرطوس بنسبة تصل إلى نحو 78%. أما على المستوى الوطني، فإن نسبة الأسر التي تقع تحت خط الفقر الغذائي تصل لنحو 71%.
النوم جوعاً
وفي إشارة إلى الظروف المعيشية الصعبة التي تختبئ خلف جدران منازل السوريين، يكشف مسح تقييم الأمن الغذائي أن 16% من السوريين غالباً ما يذهبون إلى النوم جائعين، وبمعدل 10 مرات شهرياً، لأنه ليس هناك ما يكفي من الغذاء لتناول الطعام، فيما يؤكد 45% أنهم أحياناً ما يذهبون إلى النوم جائعين، وهذا يحدث بمعدل يراوح ما بين 3 إلى 10 مرات شهرياً، وفقط 38% قالوا إنهم يذهبون أحياناً إلى النوم وهم جائعون، لكن بمعدل مرة أو مرتين شهرياً.
يرتبط تردي وضع الأمن الغذائي للسوريين بحسب التقرير بعدة عوامل أفرزتها سنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، أولها «تشريد» الحرب للعديد من العائلات. ففي عام واحد فقط (2015) جرى «تشريد» نحو مليون شخص، ومنهم كان ذلك يحدث لهم للمرة الثانية أو الثالثة، وهذا ما أفقد النازحين مصدر رزقهم والأصول الإنتاجية. ثاني العوامل يتمثل في البطالة، التي يؤكد التقرير أن معدلها وصل مع بداية عام 2015 إلى نحو 57%، ثم هناك التضخم السريع الذي جعل أسعار المواد الغذائية تفوق حجم الدخل، وغيرها.
في ضوء ذلك، جرى تصنيف العائلات تبعاً لاستراتيجيتها في مواجهة الضغوط المعيشية ونضوب الأصول إلى ثلاث فئات، فنحو 15% من العائلات السورية اتبعت استراتيجية الإجهاد مثل اقتراض المال أو التوفير في الإنفاق، وهذه الشريحة سيكون لديها قدرة منخفضة على مواجهة الصدمات في المستقبل بحكم انخفاض الموارد أو زيادة الديون، الشريحة الثانية وتشمل 11% من السوريين وقد اتبعوا استراتيجية الأزمة كبيع الأصول الإنتاجية، وهذا يقلل بشكل مباشر الإنتاجية في المستقبل، بما في ذلك رأس المال البشري، أما الشريحة الثالثة فتضم السوريين الذين اتبعوا استراتيجيات الطوارئ، مثل بيع الأرض، وبيع إناث الحيوانات الماضية والتسول. وهذا من شأنه أن يؤثر على الإنتاجية في المستقبل أيضاً، وهؤلاء بلغت نسبتهم 37%. الفئة الباقية من السوريين والبالغة نسبتها نحو 37% اتبعت استراتيجيات لا تنطبق على أي من الاستراتيجيات السابقة.
يعاني نحو 67% نقصا في فرص الحصول على مياه الشرب
تزداد حالة انعدام الأمن الغذائي وترتفع نسبه لدى شريحة معينة من الأسر، فنحو 60% من الأسر التي ترأسها الإناث نتيجة غياب الرجل تعاني أكثر من انعدام الامن الغذائي، وتكون عرضة أكثر للمخاطر من الأسر التي يرأسها الرجال، وبالعموم فإن النساء المعيلات للأسر تستخدم معظم ديونها لشراء المواد الغذائية، وهذه الأسر، التي بلغت نسبتها خلال وقت المسح نحو 11% من إجمالي عدد الأسر، أكثر اعتماداً على مصادر الدخل الخارجية مثل التحويلات المالية، الادخار، والهدايا والمساعدات. كذلك هو حال الأسر النازحة عن منازلها ومناطق إقامتها التي فقدت مصدر رزقها ومدخراتها وأصولها الإنتاجية، فالأغلبية الساحقة من هذه الأسر، ونسبتها تحديداً 84%، حصلت على قروض من العائلة والأصدقاء المقيمين الدائمين لتلبية احتياجاتها من الغذاء، فيما لم يتاح لنحو 68% من النازحين فرصة الحصول على قروض مصرفية، لأنهم كانوا غير قادرين على توفير الضمانات والمستندات المطلوبة لتأمين القرض، كما يعاني نحو 67% من نقص فرص الحصول على مياه الشرب العامة، الذي قد يكون نتيجة لترتيبات السكن، فعلى سبيل المثال، فإن العديد من النازحين يعيشون في المباني والمؤسسات العامة، مع الإشارة من جهة أخرى إلى وجود أسر «نازحة» أوضاعها المادية جيدة.
ومن بين الأسر الأخرى التي تعاني تدهوراً في انعدام أمنها الغذائي، تلك الموجودة في المناطق المحاصرة، والتي يكون وصولها إلى الأسواق محدوداً للغاية وغير متوافر، فضلاً عن تدني دخلها وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وهناك أيضاً الأسر التي تعتمد على العمالة المؤقتة وعلى مساعدات وسخاء الأقارب والأصدقاء.
الأقل سوءاً
ولبيان أو قياس السلوكيات وأنماط الاستهلاك التي اعتمدتها الأسر السورية لمواجهة صعوبات تغطية احتياجاتها الغذائية، حاول المسح الوقوف على الخطوات التي اتبعتها الأسر لمواجهة حالة عدم توفر الطعام لديها، أو عدم وجود ما يكفي من المال لشراء الطعام، فكان أن أكدت 88% من الأسر أنها لجأت للحصول على طعام أرخص وأقل، 25% قالوا إنهم اقترضوا الغذاء واعتمدوا على مساعدة الأقارب والأصدقاء، 40% اتجهوا لتقليل حجم وجبات الطعام، 24% كان من بين خياراتهم الحد من استهلاك البالغين لمصلحة المزيد من الغذاء للأطفال، و23% قاموا بتخفيض عدد الوجبات اليومية.
يخلص المسح الذي يتناول واقع قضايا رئيسية أخرى عديدة كتغذية الأطفال وأوضاع قطاعات الزراعة والتجارة ومدى الوصول إلى الخدمات الرئيسية من تعليم ومياه شرب وغيرها، إلى أن «الحصول على الغذاء أصبحت مشكلة تتزايد كلما انتشر الصراع»، وهذا «مقترن بمجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثر على الأمن الغذائي، مثل انخفاض أنشطة كسب الرزق»، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، إذ «وباطراد تم إزالة الدعم عن الوقود منذ منتصف 2014، فمؤشر أسعار المستهلك، وبشكل خاص منذ أكتوبر 2014، يبين تأثير كبير لارتفاع أسعار الوقود على الغذاء، ومنذ عام 2011، ارتفعت أسعار السلع الغذائية الرئيسية إلى حد كبير، فمنذ بداية عام 2015، بدأت أسعار المواد الغذائية تتزايد بشكل حاد، حيث جرى اختصار الدعم الحكومي، كما انخفضت قيمة العملة السورية».
زياد غصن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد