جوزف سماحة: سقوط الاعتدال العربي إلى قعر أدنى
جورج بوش عن نوري المالكي «إنه غير ناضج». نوري المالكي إلى جورج بوش «أنت ضعيف جداً وفي مأزق كبير وشارفت على النهاية» (عاد فأوضح كلامه). الناطق باسم بوش طوني سنو يرى في شتيمة المالكي للرئيس الأميركي «دليلاً مؤكداً على أنه ينوي تحمّل مسؤولياته جدياً». حوار على مستوى عالٍ لا نعود نعرف معه تعريف بوش لـ«النضج السياسي» في العراق ونعتقد معه أن المالكي يهدّد بوش بسحب ثقته به. إلا أن سنو يعود فيخرجنا من المأزق عندما يرى أن تحمّل المالكي لمسؤولياته يعني «أنه سيقوم بما يريد السياسيون الأميركيون والشعب الأميركي أن يقوم به». علاقة كولونيالية نموذجية من وجهة نظر واشنطن.
- ينصح الأمير تركي الفيصل الكونغرس الأميركي بعدم التصويت على قرار ذي مفعول رمزي يعترض على خطة جورج بوش الجديدة في العراق. من قال إن المسؤولين السعوديين يخشون أي خلاف مع الولايات المتحدة؟ ها هو الأمير يوجّه نقداً غير مباشر إلى الذين انتخبهم الشعب الأميركي. أكثر من ذلك، ها هو الأمير يتدخل، ومرة واحدة، في الشؤون الداخلية لبلدين ما دام التباين الأميركي الداخلي هو على كيفية التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.
سبب النصيحة السعودية هو أن التصويت «يبعث برسالة خاطئة إلى الشرق الأوسط ويجعل الناس يتصوّرون أن سلطة الرئيس الأميركي ضعفت». لا ندري لماذا يخشى تركي الفيصل ضعف سلطة بوش وهو ضعف لاحظه المالكي مثلاً. قد تكون مشكلة الأمير هي في عدم قدرته على تصوّر سلطة الحاكم، أي حاكم، ضعيفة بسبب انتخابات ديموقراطية ألحقت به هزيمة. ولعلّ هذا هو السبب الذي دعا حكاماً عرباً إلى إصدار بيان مع كوندوليزا رايس يدعم الخطة العتيدة التي بات مؤكداً أن الأميركيين في غالبيتهم يرفضونها.
لا يكتفي الفيصل بما تقدّم. يستطرد محذراً من أن «أي عمل عسكري ضد إيران ستكون له نتائج مأساوية». لم يدر في خلده، مثلاً، أن النتائج المأساوية قائمة فعلاً في العراق نتيجة «العمل العسكري». ولم يخطر في باله أن تجنب المزيد من «النتائج المأساوية» قد يمر، تحديداً، بإضعاف الرئيس بوش.
- طمأن وزير الدفاع الأميركي المعيّن حديثاً روبرت غيتس القادة السعوديين إلى أن العراق، بالمنظور الأميركي، «سيكون سداً في وجه التوسّع الإيراني». لقد غلبته وقائع الجيو ـــ استراتيجيا التي جرى الاستناد إليها في مرحلة ماضية. تناسى تماماً أن العراق ـــ السدّ هو العراق الذي أراده صدام حسين. إلا أن ما تناساه، فعلاً، هو أنه كان عضواً في لجنة بيكر ـــ هاملتون قبل أن يصبح ركناً في إدارة تعامل تقرير اللجنة المذكورة بتجاهل كامل وتشكل سداً أمام سياسة أخرى في العراق وحيال إيران.
- الصهيونية تعني سرقة أراضي العرب وهي تقود غُلاتها إلى أعلى المناصب في الدولة. ما بعد الصهيونية تعني سرقة أموال اليهود وتقود أصحابها إلى العزلة وربما السجن.
- لم يكن مؤتمر باريس ـــ 3 ليكون وارداً، بهذا الإلحاح، لو أن الدول التي ستحضره فعلت بعض ما عليها من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. وعشية انعقاد المؤتمر يتبارى لبنانيون في أنه يخدم لبنان كله وأنه منزّه عن الشروط السياسية. ربما كان عليهم التنسيق بعض الشيء مع «أصدقائهم» الفرنسيين. أحد هؤلاء صرّح للزميلة «الحياة» أمس بأن الأهمية السياسية للمؤتمر توازي أهميته الاقتصادية وأن نتائجه «قد تثمر موازين قوى لمصلحة حكومة السنيورة». كلام عاقل وصادق. للمؤتمر دور لبناني داخلي سياسي أما الشروط التي يطلبها فهي، فقط، «حكومة السنيورة».
- «الأردن دولة نووية». هذا ما لوّح به الملك عبد الله الثاني. سبقه إلى ذلك جمال مبارك الذي أوحى للمصريين أنهم إذا ورّثوه رئيساً فسيرثون معه الطاقة النووية. كذلك سبق إلى ذلك مجلس التعاون الخليجي حين أصدرت دوله بياناً مفاده أنها تفكر في زيادة الاعتماد على الطاقة النووية.
القصد مما تقدّم هو التالي: تحتاج واشنطن، في مواجهتها مع إيران، إلى التحذير من خطر الانتشار النووي. وها هم «المعتدلون العرب» يقدّمون إليها ورقة الضغط هذه. والعبرة هي أن التلويح الكاذب من جانب هؤلاء بأنهم مستقلّون ويسعون إلى امتلاك عناصر القوة قد يخدم السياسة الأميركية في إضعافهم! لا بأس من توقّع سقوط الاعتدال العربي إلى قعر أدنى مستوى مما نشاهد.
جوزف سماحة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد