حول كتاب ( هُويّتي.. من أكون؟)
يسلّط قلمه باتجاه ما يرى أنه لابدّ من الحديث عنه، دون مواربة أو خوف من أحد. لا يتوانى في الدفاع عن أحقيته في الوجود, بمنأى عن أي انتماء سياسي أو ديني, مسلّماً أنه بفعله هذا يدافع عن الجميع. هو أُبيّ حسن, وفي كتابه الصادر حديثاً بعنوان (هُويّتي.. من أكون – في الطائفية والإثنية السوريتين). يستمر في تناوله للشأن العام من جوانبه كافة, مبرزاً ما طرأ ويطرأ على بنية المجتمع السوري من تحولات, ومُستشرفاً أبعادها إذا ما استمرت على هذا الحال، مستنداً في هذا إلى رؤية تاريخية تخصّ بعض الوقائع, وتكون –في الوقت نفسه- دليلاً لتثبيت وتأكيد ما يراه في الحاضر.
بالإضافة إلى ماسبق, فإنه في معالجته لبعض الأمور, ينطلق من فرضيات يضعها, وعلى أساسها يناقش فكرته بأبعادها كافة, مقدّماً صورة بانورامية عن جذورها وآفاقها, والآلية التي تحكم مسار تطورها, في بنية مجتمع متخلّف, لا يزال يرث عبء الماضي وقداسته، دون أن يلمس بذور نهضته بعدُ، ويحدُّ من تفاقم أزماته التي لا تختفي حتى تبرز بأشكال أكثر سيطرة, مستندة إلى مرجعيات تمدها بالمال وتيسر لها أمرها لتمد فكرها الظلامي الذي بات يعسفُ في مكونات المجتمعات العربية, وليس خافياً أن نلقى صداه ما بين أطياف المجتمع السوري.
هُويّتي وهُويّتك وهُويّة الأخر الذي لم ينشأ في بيئتنا, أي في بيئة الشرق, وما تأثير ذلك الشرق وثقافته على تكونه، والفرق فيما بيننا نحن أبناء الأمة الواحدة التي لا يزال لدى البعض وهم بقدرتها على التوحد, هذا كله يطرحه المُؤلف في كتابه, مبيّناً الصورة الحقيقية للواقع الذي نعيشه اليوم, وللتناقضات التي باتت سمة مشتركة بين أبناء الأمة الواحدة.وما الأحداث التي مرت على المنطقة من حرب تموز حتى حرب غزة سوى دليل قاطع على تزايد الشرخ فيما بين الدول التي تمثل في كينونتها أطياف مجتمعاتها التي تفرزها وتكون على شاكلتها.
الطائفة العلوية في سوريا, وما تعرضت له عبر التاريخ من اضطهاد, باعتبارها تُمثل أقلية في مجتمع يعتبر متعدد الطوائف والاثنيات, وما وصلت إليه, بعد أن تسلّم السلطة الحاكمة في البلاد بعض من ينحدرون منها, وتعامل بعضهم الآخر مع الأقليات الأخرى التي تتعايش جنباً إلى جنب في هذا الوطن.. الأقليات وحقوقها, وتبدل مواقعها, تبعاً للأكثرية التي تتعايش معها, ومدى تسامح الأخيرة وكيفية التعاطي مع مقدساتها ونُظم حياتها, هذا كلّه, يسلّط الضوء عليه كتاب "هُويّتي.. من أكون؟".
الأحزاب التي تبنت العلمانية في يوم من الأيام, والتي كانت تمتلك رؤية لبناء دولة وطنية, وما ظهر فيها من تشوهات كانت واضحة للعيان في حال الانقسامات التي حدثت فيها, وعجز تلك الأحزاب عن تثبيت جذورها في بنية المجتمع وزرع الأفكار التي تحملها في تربة لا يخفى تمسكها بالموروث والمقدس, والذي يزيد عن ألف وثلاثمائة عام. وحتى أتباع التيارات الإصلاحية الدينية, يرى المؤلف إنها كانت تقف على الحياد في بعض القضايا التي كان من واجبها التصدي لها وتبيان وجهة نظرها فيها. ليخلص إلى أن الأزمة ليست أزمة فرد أو عرق أو نظام أو طائفة, إنها أزمة مجتمع بكامله لم يتمكّن من تجديد بُناه التحتية, وأزمة ثقافة مجتمعية, وفقاً لوجهة نظر أُبيّ حسن.
يلحظ القارئ, تتبع المؤلف للفتاوى, التي كانت تصدر من الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين, ويبيّن أثر ذلك على مجتمعاتنا التي تتلقف هذه الفتاوى, وباقتناعها بها تسقطها على أرض الواقع. ومصدر القلق, في الفترة القادمة, هو من تعاظم تحريض تلك الفتاوى وما ينطوي عليه بعضها من نفي للآخر, لحد تصل فيه أحياناً إلى درجة القتل. وما يثير الخوف أكثر هو تغاضي المؤسسة الرسمية عن النشاط المنظّم لتلك الجمعيات, التي تعمل على جذب بعض شابات وشباب الوطن بغية تجنيدهم وفق معتقداتها, التي يخشى المُؤلّف أن تتطور لترتقي إلى حمل السلاح في المستقبل.
المعارضة والنظام, تلك الثنائية التي عادة ما تكون المادة الخصبة لأي حوار يخصّ الشأن العام في بلادنا, هنا يبيّن مُؤلّف الكتاب موقفه من ذلك, مُوضّحاً إن طرفي المعادلة هما من نسيج هذا المجتمع وبنيته, بمعنى إنهما من إفرازاته, وهما نتاج ثقافته, لذلك يرسم الكاتب خطاً له يتحدد بقوله: "سأبقى أعمل على تنمية هُويّتي, التي لا أبالي مطلقاً إن كانت عربية أم إسلامية, قدر ما يعنيني أن تكون إنسانية، تماماً كما لا يغريني نهائياً أن يكون انتمائي عربياً قدر ما يكون سورياً".
المُؤلّف : أُبيّ حسن
الكتاب: هُويّتي من أكون ؟ في الطائفية والإثنية السوريتين
الناشر: دار بيسان للطباعة والنشر – كانون الثاني 2009
عدد الصفحات: 230 صفحة من القطع المتوسط
سامي أبو عاصي
إضافة تعليق جديد