رسالة إلى حبيبي
الجمل ـ ميس الكريدي:
فكرت أن أكتب رسالة تأخرت عشرين عاما ......
في مراهقتي لم أتجرأ على الحديث في الحب ..وقد يكون هذا هو سبب ولعي بالسياسة .....ولدت في أسرة تخاف الرقابة المجتمعية مسجونة داخل الطائفة التي لا تسمح بالزواج من خارجها ومجبولة بالفكر الأممي الذي يحشوه في رأسي والدي الماركسي وأي نوع من التناقضات يقع على الروح التي سكنتها المشاعر من لحظة التعلم ..وأي وبال عندما تتشبع بروح الأدب ثقافة الموات والحصار الاجتماعي ....
وتطاول الشرق المتواري خلف سواتره .......
تطاول على صدري حين أرسل رسائله في الحياة وكأني الآن أنا أستخدم الفضفاض من ملابسي استدراكا لعار ولادتي النسوية ..وأخرج قميصي من تحت حزام الخصر لأخفي بقيتي المؤنثة .........
الآن أقرأني بجسارة على عمائمهم التي أرعبت أهلي اليساريين .....
الآن أقرأني .....لأكتب ما لم أكتب يوم كان المفروض أن أكتب ..
هكذا أوصلتني دوامة التناقضات إلى فهم العبودية للأصنام ورفض الله اذا كان قاهرا قهار ...وبنيت الخيال قصرا للأمير الذي سأعشق .........وبقيت أنتظر مثل الطفلة أسول بطلة القصة التي قرأتها في عمر عشر سنوات ..
حملت أسول طفلة السنوات الخمس مجسمات السفن التي يصنعها والدها لتوصلها حيث يدفعون له لقاء بيعها ..وذات يوم لم يجد مقصورا أبيض لتركيب الأشرعة ..فاستعان بالأطلس الأحمر ولمعت الأشرعة الحمراء بين يدي الطفلة حتى التقتها العرافة وتركت في آذان الطفلة نبوءتها عن الشاب القادم يحملها من عرض البحر وسفنه بأشرعة حمراء ......
وظلت أسول تنتظر وتنتظر وتترقب الشاطئ حتى لوحت الشمس وجهها الذي تأنث بحريا مفعما بجمال فطري التقطه التاجر الشاب حين لمحها منتظرة ....
وسمع قصتها فعاد بسفينته وأشرعتها حمراء وانتصرت أسول على انتظارها في الحكاية ...
وهكذا نبتت في قلبي الحكايات ....ولكن انتظاري بلا أمل .....لأن العرافة لم .تعرفني ..والأمراء لا يقفون على باب مدرستي ....وضيعتي قاحلة بعيدة لا بحر فيها يرسل لؤلؤة من قعره ولا أمواجه تلفني لأغسل فيها جلدي وأتحسس أنثاي التي كنت أهرب منها في الحمام فأستعجل بالتواري من نفسي كلما مر الصابون المعطر على جسدي ..
أمامي وجهي ..ورسائل الحبيب التي أجلتها ولم أتجرأ أن أتجرعها جرعة وصال عمرها من عمر ولادة المرأة في داخلي .....
فهل هناك متسع من حياة لحكايتي المؤجلة ...وهل زارت العرافة أميرا فارسا وأبلغته أن ربع قرن من الانتظار ستكفي ليعرفني في ازدحام التشابه والتماهي حتى في الملامح ..هل أبلغته أن على رأس قلبي زهرة بنفسج ستحزن إن لم يتبه لحزنها ...
إضافة تعليق جديد