سنيّة صالح لماذا نسيها النقد والنقاد؟

02-09-2007

سنيّة صالح لماذا نسيها النقد والنقاد؟

يتابع الإعلامي والناقد عبد الرحمن الحلبي رحلته الثقافية في برنامجه الإذاعي «كاتب وموقف» وهذه المرة اختار عنواناً لافتاً، «قراءة في عطاء سنية صالح الشعري» أقيمت الندوة في قاعة المركز الثقافي العربي «أبو رمانة» مساء الثلاثاء 28/آب/2007 واستضاف فيها الحلبي للنقاش. 
 د .ابراهيم الجرادي ـ أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن في جامعة صنعاء في اليمن ـ ود. لطفية برهم ـ أستاذة النقد العربي الحديث في جامعة تشرين ـ والأستاذ الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى. ‏

الحلبي كتب في الثورة تمهيداً لندوته هذه فعرّفنا أن سنية صالح ولدت شعرياً في مطالع ستينيات القرن العشرين، وولدت قصصياً في مطالع ثمانينياته، وانتقلت إلى رحمة ربها منتصف تلك الثمانينيات، أتيح لسنية أن تشهر ثلاث مجموعات شعرية منشورة لها هي على التوالي: (الزمان الضيّق)1963 (حبر الإعدام) 1970 (قصائد) 1980 ومجموعة قصصية واحدة هي (الغبار) 1982. ‏

وبعد رحيلها بثلاث سنوات صدرت مجموعتها الشعرية الرابعة بعنوان (ذكر الورد) 1988، وحين أصدرت وزارة الثقافة السورية، الأعمال الكاملة لها ضمّنتها قصائد غير منشورة، وقصصاً غير منشورة هي الأخرى. إضافة الى كتابات نقدية وحوارات صحفية. وبدورنا نذكّر بأن «كتاب في جريدة» قد أفرد لها عام 2004 (عدد 73)، عدداً خاصاًَ وطبع لها مختارات شعرية. وفي المقدمة كتب الراحل ممدوح عدوان يقول: «سنية صالح تجعلك تتمنى لو تحيط كتفيها بذراعيك لتقيها البرد والوحشة، وربما لتمنع جسدها الضعيف من التهاوي، فهي جزء منك.. إنها تكتب منطلقة من نبع إنساني تكتشفه فيك وأنت تقرأ. وتأتي الكتابة مشبعة بالأنوثة، الأنوثة بما هي حنان ومرارة واقتراب من الاختناق. والأنوثة بما هي أمومة ناضحة وناضجة في آن، والأنوثة بما هي طراوة وهشاشة أمام قسوة عالم، لا تملك ما تجابهه به إلا الشهادة ضدّه، بشجاعة لاتتوقعها منها». ‏

وبعد طرحه للأسئلة المفتاحية عرّج الحلبي الى عام 1984 حيث لم يوفق آنذاك في عقد هذه الندوة لأسباب تعلقت بوضع سنية الصحي، وسفرها للعلاج ثم وفاتها بعد ذلك . 
 ‏ د. ابراهيم الجرادي، رأى أن سنية صالح من الأسماء التي تقع في منطقة الظل، عُتّم عليها، أو نحن تجاهلناها، ثم اكتشافناها فجأة وجئنا الى هذه الندوة لنعيد لهذه الكاتبة العربية السورية موقعها في حياتنا الثقافية. ‏

وتساءل الجرادي: هل تقع تجربة سنية صالح في منطقة الاستثناء الذي يشترط حضور الناس لتقويم هذه التجربة؟.. ‏

ما هي الإضافات التي قدّمتها الى الشعر العربي عموماً والسوري خصوصاً؟ بعد ذلك رأى الناقد انها شاعرة رائدة، حيث لايمكن قراءتها خارج إطار فهم مرحلة الستينيات، حيث البلاغة الشعرية ممثلة بأسماء، من عيار: نزار قباني ـ عمر أبو ريشة، قصيدة التفعيلة ممثلة بأسماء مثل محمد عمران ـ ممدوح عدوان. ‏
هل هي شاعرة كبيرة في وطن صغير كما قال زوجها محمد الماغوط أم أنها ظلمت كما يقول عبد الرحمن الحلبي نتيجة تجاهل الثقافة لموصّفيها الكبار؟
 ويرى الجرادي ان هذه الشاعرة اتجهت الى شأن مغاير، شعرها جوّاني يستبطن المخفي في عالم الانسان الداخلي المكسور الضعيف، وهذا جديد في الشعر السوري عموماً حيث كان الشعر ذكورياًَ، هجّاء للواقع هجّاء للهزائم.. هي لا تكتفي بعدم اللقاء مع القائم الشعري، إنما تتنافس مع هذا القائم. وفي وقت يسيطر الذكر على الأعراف النقدية حصّلت الجائزة الأولى من دار النهار. ‏

لقد اتسم شعرها بالمكابرة الانسانية. شعرها شفوي، ولها ألفاظ معينة: الموت، الوحدة، ضعف المرأة. الحب الذي يكسر المرأة ويجعلها شاعرة الألم. الحب عند سنية كما تقول ـ خالدة سعيد ـ بلا ورود أو قُبََل. هي تعتمد على الحلم لتأكيد الجوهر. ورغم أنها تأتلف مع الماغوط لكنها اختلفت معه شعرياً. ‏

ففي لغتها وضوح، لا أساطير مثقلة في نصّها ولا أسماء. إنما دفق من المشاعر الانسانية والحنو.. هذا هو محمولها. يقابله صيغ بسيطة، كانت امرأة أصلية، فيها شيء من التأصيل، لأن تجربتها تنبع من الحياة. ‏

وذكر الجرادي أن سنية التقت مع الماغوط شعرياً في بدايات كتابتها لكنه لقاء القادر «أيها الرجل الشامخ كالتاريخ، رحلت كأمير مهزوم». لكنها في «ذكر الورد» استقلت كلياً عنه، فبرز التأمل لديها؛ حيث الحزن شفيف وتساؤلات عن المصير الإنساني. 
 ‏ كما أن سنية في شعرها كانت مقاومة للموت ومتحدّية له بالحلم الذي هو شعرها إضافة الى ابنتيها «شام وسلاف» هذا الحلم جسّد حياتها بما قدّمته للناس من تجربة أصلية مهمة، أخذت موقعها في صيرورة تاريخ الشعرية العربية السورية، والعربية عموماًَ. ‏

ورأت برهم أن لغتها جاءت من مختبر النص الشعري الحداثي، فقد استخدمت مفردات غريبة: « الزرنيخ، الفشل الكلوي» وحوّلت هذه المفردات الى كلمات شعرية بعد أن أخضعتها لمختبرها. ‏

إن سنية صالح هي الحالة الأكثر نضجاً والأشد جوهرية في الشعر السوري الحديث. وتساءلت برهم: لماذا ابتعد النقد عن هذه التجربة الأصيلة؟ يقول الماغوط: إنها شاعرة كبيرة لم تأخذ حقّها نقدياً. ربما آذاها اسمي؛ فقد طغى على اسمها. ‏

لقد امتلكت منذ البداية حساسيتها الخاصة بها. وبرز ذلك منذ إعجابها بقصيدة سان جون بيرس «ضيّقة هي المراكب» وقد حصلت على جائزة النهار عن قصيدة (جسد السماء)عام 1961 وضمّت لجنة المسابقة آنذاك: صلاح ستيتية، شوقي أبي شقرا، أدونيس، أنسي الحاج، فؤاد رفقة، هذه اللجنة بقيمها الفنية الشعرية المسيطرة على الحداثة الشعرية، اختارت هذه القصيدة لتعطيها الجائزة الأولى. ‏

إذاً هل امتلكت هذه القصيدة قيماً فنيّة تميزها عن غيرها؟، لكن هذا التميّز الشعري لم يقابله احتفاء نقدي؟..هل لأنها اخترقت قيم الفحولة الشعرية؟ ‏

وطرحت برهم رأياً مهماً: إن الخطاب الايديولوجي كان هو المسيطر على المشهد الشعري في الستينيات، وما طرحته سنية كان خطاباً مغايراً لهذا الخطاب الايديولوجي. إن تجربتها كانت الأشد نضجاً للحداثة الشعرية العربية. ‏

الشاعر والناقد محمد علاء الدين عبد المولى الذي اتسم حديثه النقدي بحرارة إلقاء سببها اندماجه وحبّه لما يقرأ ويكتب عنه. ‏

فذكر أن مشروع سنية صالح كان يتناقض مع الحالة الاعلامية والنجومية التي كانت تحيط بالماغوط، لاسيما من خلال نشاطاته، مسرحياً وسينمائياً وتلفزيونياً... الخ ‏

مشروع سنية كان يتأسس في داخل الصمت والعتمة والزهد الروحي والثقافي الذي صاحب حياتها ما جعل منها كائناً غير إعلامي، غير نجومّي. ‏

تكتب وتمضي، تنشر قليلاً، وتصمت كثيراً، تعاني أكثر وتطلب الأقل الأقل. ‏

وحول خيارات سنية صالح الفنية ذكر عبد المولى إن الخيارات الفنيّة والاستراتيجية الجمالية التي اتبعتها واختارتها لا تشكل مادة لانهمار كتابات النقاد عليها، ولاسيما النقاد أو الأدباء المشغولين بالدفاع عن قصيدة النثر كتابة ونقداً وتنظيراً، من حيث إن سنية اختارت فضاء متمايزاً، تذهب فيه نصوصها وتبلور فيه تجربتها. ‏

انحازت سنية الى الكتابة بمفهومها الثقافي العميق، ومن هنا كانت علاقتها عميقة بالتفاصيل اليومية ونثريات الحياة وبلاغة الحياة. علاقة عميقة لم تتخل فيها عن رقيّ اللغة، وأناقة العلاقة فيما بين اللغة والحياة. ولم تتخل سنية عن الرؤيا في مشروعها الإبداعي وظلّت مخلصة للوظيفة الخاصة التي من المنتظر أن يؤديها المبدع. وهي أن تكون تجربة ذات رؤيا معينة. ‏

وفي معرض حديثه عن خصوصية اللغة لدى سنية صالح ذكر عبد المولى أن هذه الشاعرة أطاحت ببلاغة الخنساء وولاّدة، ولكنها أطاحت ببلاغة ما يسمى نثريات الحياة اليومية والتفاصيل الحياتية. كما تتمتع لغة سنية بأنها سليلة البيان العربي من حيث قدرتها على صياغة مقولاتها وأسئلتها وصورها الجميلة في إطار جملة عربية ممتعة. وهي خرجت في لغتها عن النسق التقليدي خروجاً بارزاً، لكنها لم تخرج عن تقاليد الكتابة العربية، وشتّان بين اللغة التقليدية وتقاليد اللغة. بهذا المعنى كتبت سنية نصّها في قلب اللغة العربية. ‏

كما عرّج عبد المولى على خصوصية الإيقاع داخل قصيدة سنية التي وصفتها د. برهم بأن قصيدتها غير منتهية. ‏

وخلص عبد المولى الى القول: «كانت سنية بديلاً نموذجياً لقصيدة نثر سادت وهيمنت لعقود طويلة، فاختلفت بهذا البديل عن تجارت الآخرين. وسبقت مراحل كثيرة جاءت بعدها بسنوات طويلة». ‏

 

 

مصطفى علوش
المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...