سوريا, جهزي نفسك للاغتصاب !
الجمل- آندرو ڤلتشيك- ترجمة: د. مالك سلمان:
سوريا هي التالية! فقد تم تعليمها, ومحاصرتها في الزاوية, وإنهاكها نفسياً, وإرعابها الآن. إنها مقيدة, ومكشوفة, وقيلَ لها أن تتوقعَ الأسوأ. إنها حيث حاولنا أن نضعَها منذ سنوات طويلة, حيث أرادها نظامُنا أن تكون.
في الحقيقة, ليس بعد, ليست هناك بعد, لكن ذلك على وشك أن يحدث. لم تركع على ركبتيها بعد, وهذا ما يوتر حكامَنا بشكل كبير! يريدوننا جميعاً أن نركع على ركبنا, وندفعَ ثمنَ "الخطايا" المفبركة, ثمنَ "عصياننا", ثمنَ رغبتنا في أن نكونَ مانريد حقاً.
تم التحرش بها طيلة سنوات, وضربها. والآن, من المؤكد أنه سيتم اغتصابها, في وضح النهار, أمام العالم كله, أمام كاميرات التلفزيون, بلا رحمة, حيث سيقوم المهاجمون بإلصاق تعابيرَ باردة وأخلاقية على وجوههم.
سيتم تحويل اغتصابها إلى تسلية, وسوف يتم بمثابة إنذار إلى كل أولئك الذين لا يزالون مصرين على السير في دروبهم الخاصة والمستقلة نسبياً على الأقل.
سيكون اغتصاباً تأديبياً, على غرار تلك العقوبات التأديبية المستخدمة في أحلك لحظات التاريخ الإنساني.
سوف يتم ذلك, ولن يكون بمقدور أحد أن يمنع حدوثه. لأن الطبيعة الإجرامية للدكتاتورية الغربية الكونية قد اكتملت الآن, وهي مخيفة جداً, بحيث لا يمكن لأي بلد في العالم أن يتجرأ على التدخل خوفاً من تكسير رجليه, أو تحطيم وجهه, أو قلع عينيه. إنها مقاربة المافيا, أو محاكم التفتيش, أو الحملات الصليبية.
طلب مني العديد من الناس مؤخراً أن أكتبَ "حول سوريا". ووافقت على ذلك, ولكن الآن عندما أجلس أمام كمبيوتري, لا أعرف ما أقول. كل ما أشعر به هو الإنهاك والقرف. وأحاول الابتعاد عن كل تلك الكلمات الانهزامية التي لا تنفك تتسلل إلى رأسي: "لم يعد بالإمكان فعلُ أي شيء ... الإنسانوية الضائعة ... مرة أخرى, الدوغمائيون المتطرفون الكريهون يسيطرون على العالم ..."
لا أريد أن أسقط, أن أستسلمَ لهذه الطريقة في التفكير. فأنا مقاتل, ولست من نوع أولئك المثقفين النواحين الذين يرتادون المقاهي. ولكن في هذه الأيام, على المرء أن يبذلَ جهداً جباراً لكي يبقى متفائلاً, ويؤمنَ بمستقبل إيجابي لكوكبنا هذا.
* * *
إن كنتَ رجل عصابات حقاً, كونياً أم محلياً, فكيف تجبر امرأة على الزواج منك عندما تفشل جميع محاولاتك؟ تدفع لبعض المجرمين, وتغتصبها, بهدف "تليينها". وبعد عدة أسابيع من العذاب والإذلال, تأتي إليها بباقة ضخمة من الورد وتطلب منها أن تتزوجك, بحيث تصبح مرة أخرى سيدة محترمة, "حرة", و "محرَرة". مقرف؟ نعم, أوافقكم الرأي بأن ذلك مقرف, ولكن – بشرفكون – أليست هذه هي الطريقة التي يتم بها حكم العالم في هذه الأيام؟
كيف تربي الطفل, إن كنت تريده أن يكون خادماً مطيعاً, ينظف خراءَك إلى الأبد, ويحترمك, حتى لو كانت شهرتك متأتية فقط من استغلالك لبعض الأوباش, والأجَراء البائسين, في مصنعك الفظيع من العصر ما قبل الصناعي, في بلد قبيح ما؟ الجواب سهل جداً: تقوم بإدخال الدين في رأس طفلك, ثم تبهره بخوف وحشي من جهنم, ومفاهيمَ قديمة عن الفضيلة, ومن ثم تخلط بين العبودية والحب. وبين التمرد والخطيئة المميتة. تغسل دماغ الطفل, وتجعل من رؤيتك للعالم النسخة الوحيدة "الصحيحة", والمسموحة.
هذا هو التعليم و "الثقافة" اللذان ندعمهما في مستعمراتنا. وهذا هو الحب والزواج اللذان نقدمهما للبلدان التي سقطت في مدارنا.
في الغرب, وعلى السطح, نعارض مثل هذه السيناريوهات. حتى أننا نحتقرها؛ نعتبرها مرعبة, ووحشية, وغير ملائمة ﻠ "قيَمنا" و "تطورنا". نحارب من أجل حقوق النساء الفقيرات في "البلدان النامية", في تلك المجتمعات المتخلفة, العجيبة, والمتخلفة عقلياً! نحن فخورون بأنفسنا, لأننا أصبحنا بالتدريج نبلاءَ حقاً, ومشذبينَ, وحساسين, ومستقيمين سياسياً.
هناك أحكام طويلة بالسجن للاغتصاب والتحرش الجنسي, في أوروبا والولايات المتحدة معاً. ومدارسنا علمانية بمعظمها, وفي بعض البلدان مثل فرنسا, المدارس علمانية حتى إلى درجة من التطرف والتعصب الديني. وقيمنا العائلية رخوة, ومن السهل على أي طفل, أي شاب صغير أو شابة صغيرة أن ينجوا من رعب الأهل.
لكن المسألة الحقيقة هي: ما ذا نفعل بالعالم؟ كيف نعامل مليارات الناس في البلدان التي استعبدناها, الفقيرة منها وغير الفقيرة؟
هل تتذكرون تشيلي؟ البلد الذي أحبه من كل قلبي, الذي كان موطني لسنوات طويلة. لم تكن ترغب في أن تحبَنا, أو أن تتزوجَنا. كانت مستقلة, ومبدعة, تعمل على نشر مفاهيم جديدة في التعليم, والفن, والإنسانوية في كافة أنحاء العالم. حاولنا شراءَها, لكنها رفضت. رفضت التعرضَ للإفساد. كانت جميلة, ونقية, وفخورة, وهادئة.
وما ذا حصل لتشيلي التي أحبها؟ دفعنا لأولئك المجرمين الشهيرين؛ اختطفناها, وعذبناها, ثم اغتصبناها, في 9/11/1973. استبَحناها لسنوات, ربطناها بعمود في مرآب قذر, واستخدمنا الكلاب, واستخدمنا الجنودَ المدربين على الاغتصاب, واستخدمنا السياط الرأسمالية التي يتم تصنيعها في "كلية الاقتصاد" في جامعة شيكاغو. وكنا نبث عملية الاغتصاب تلك في كافة أرجاء العالم. "هذه هي الطريقة التي نحب بها", كتبنا في وسائل إعلامنا الجماهيرية. "انظروا, إنها لا تزال تنزف, ولكن سنغطي الآن بعضَ أجزاء جسدها بأوشحة ‘برادا’ أو ‘غوتشي’, ونجعلها تأكل ‘السوشي’ بفمها المحطم النازف!"
أجد نفسي مجبَراً على القول: "إيري فينا عَهيك حُب"! ولن أعتذر على لغتي. فأنا لستُ أحد إعلامييكم الرسميين؛ لقد أقلعت عن ذلك منذ سنوات. قولوا إنني متعجرف, روائي؛ ليست لدي مشكلة, ولكن مع ذلك: إيري في ثقافة الرعب التي خلقناها!
* * *
والآن, بصراحة: ما ذا سنفعل بسوريا, يا شباب؟
هذه المرة, ما هو نوع التعذيب الذي سنستخدمه؟ وأي أساليب سادية سنستخدم؟ دعونا نتكلم عن ذلك بصراحة!
هل سنستخدم اليورانيوم المنضَب, كما فعلنا في العراق؟ هل سنعمل على تجويع مئات الآلاف من الأطفال؟ أم سنستخدم الطائرات الآلية ("درونز") كما نفعل في أفغانستان وباكستان, أو ربما الحرب الكيماوية, احتفاءً بتلك الأيام الجميلة في الهند الصينية؟ أو ربما يمكننا استخدام تلك القنابل الدقيقة والتي ليست دقيقة إلى تلك الدرجة, حيث تميلُ بشكل غريب إلى تفجير المحطات التلفزيونية العامة, والسيارات الخاصة, وحفلات الأعراس, وحتى قرىً بأكملها؟
أو ربما نستخدم شيئاً جديداً, لكي نبررَ "ميزانيتنا الدفاعية" البالغة 1 تريليون دولار؟
هل سيتم استخدام السيناريو الليبي, أو شيئاً أكثر "إبداعية" وأصالة؟ هل هناك "مفهوم سوري" جديد تماماً في خط الأنابيب, أو في التطوير؟ وإن كان الجواب نعم, مماذا سيتكون؟ كيف سنقتل الناس هذه المرة؛ كم منهم سيموتون؟ ليس لأن هذا مهم, بما أنهم ليسوا بيضاً, ولا مسيحيين, ولذلك فإنهم "ليسوا أشخاصاً". أتساءل من باب الفضول فقط!
* * *
إذاً, سوريا تنتظر دورَها, لكي تغتصَب, وتعذب, وتُهان ... لتدَمَر بشكل كامل! وسوف يطلق نظامنا الإجرامي على هذا التدمير اسمَ "التدخل الإنساني". سيتم وصف الجريمة بالإنقاذ.
وسيكون لدينا الكثير من تلك المهازل الخيرية, لاحقاً. فنحن نحب الأعمال الخيرية؛ نحب أن نعطي, أليس كذلك؟ إنه واجبنا المسيحي! نسرق أولاً, وننهب, وندمر بشكل كامل, ومن ثم, وبعد تجويع البلد, نعطي القليل, أو ربما أكثر قليلاً ... إن كنا نشعر بالكرَم في ذلك اليوم. إن الأمر أشبه بما يفعله أحد أصحاب المصانع في مكان ما من هندوراس, الذي يستغل العمال ليلَ نهار, ومن ثم يعطيهم بعض الألبسة القديمة والطعام, حتى أنه يبني المدرسة التي ستساهم في غسيل أدمغتهم!
* * *
كنت هناك, منذ فترة قصيرة؛ كنت في سوريا! زرت مرتفعات الجولان التي لا تزال, تحت القانون الدولي, أرضاً سورية بامتياز. وهي أيضاً أرض تحتلها إسرائيل منذ عدة عقود, حيث توجد عربات مدرعة الآن أكثر مما توجد تركتورات. ونحن نتحدث عن جزء من العالم كان يشتهر سابقاً فقط بكرزه وتفاحه اللذيذ!
آه يانهرَ الأردن! تم إرغام حوالي 90% من السكان على مغادرة مرتفعات الجولان, وتم تدمير القرى ومسحها عن وجه الأرض من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية. وظهر "كيبوتز" وراء "كيبوتز" على أنقاض المساكن الأصلية, حيث أخذوا ينتجون النبيذ ويزرعون وراءَ الأسلاك الشائكة, والأسيجة المكهربَة, وأبراج المراقبة الأمنية!
قدتُ سيارتي إلى قمة إحدى التلال, وتسلقت إلى سطح أحد المواقع العسكرية المهجورة مؤخراً. وأمامي, كان هناك علم سوري ضخم وأسلاك كهربائية إسرائيلية على خلفية هذه الأرض الجميلة القديمة. ومن أجل تنويع المشهد, كانت هناك بعض الدبابات المتداعية والصدئة, ومعسكر ضخم للأمم المتحدة, وكذلك بقايا بلدات وقرىً مدمرة متناثرة هنا وهناك, إضافة إلى وحدات خاصة إسرائيلية تتدرب داخلَ أبنية سورية مهجورة ...
آه يا سوريا! إنهم يخيطون كفَنَك الآن, حتى وأنتِ تتنفسين, حتى وأنت تتشبثينَ بالحياة!
* * *
ذهبت أيضاً إلى الحدود السورية, من الجهة التركية ... ذهبت إلى هناك مرتين خلال سنة واحدة, إلى المناطق المحيطة بمدينة هاتاي, التي كانت من الناحية التاريخية واحدة من أكثر المناطق تسامحاً في العالم, والتي يثير في أرجائها الرعبَ الآن الجهاديون الموالون للغرب والمدعومون من السعودية وقطر, في مهمتهما المدعومة من الغرب لزعزعة الدولة السورية.
أردتُ أن ألقي نظرة على "معسكرات اللاجئين" تلك, التي تبنيها تركيا – العضو المتشدد في الناتو – على طول حدودها مع سوريا. فعلى سبيل المثال, "معسكر أبايدين" ليس منشأة للاجئين, لكنه معسكر تدريبي للمقاتلين مصمم لتحضير وتحريض "قوات المعارضة السورية" الوحشية أصلاً ...
أجريت مقابلات مع الناس على الحدود؛ من المعروف أن مقاتلي المعارضة السورية يتسللون إلى بلدهم من الأراضي التركية, وأنهم يتحركون جيئة وذهاباً, حيث يعود بعضهم مصاباً, ويتلقى المعالجة الطبية, ليعودَ مرة ثانية بمؤونة جديدة من الأسلحة والذخائر, للقتال ضد القوات الحكومية.
تحدثت إلى بعض الأطفال على بعد مئات الأمتار فقط من الحدود السورية. إنه عالم قاسٍ عند تلك الحدود. قالوا إن مقاتلي المعارضة السورية يتسللون ليلاً, ثم يسمع إطلاق النار في كافة أرجاء المنطقة الحدودية. ولا تفعل الحكومة التركية أي شيء لوضع حد لذلك – حيث إن زعزعة سوريا هي الهدف الرئيسي والوحيد.
آخر مرة ذهبت فيها إلى هناك كانت في حزيران/يونيو 2013 للتصوير مع كريستا لشبكة التلفزيون الفنزويللي "تيلي سور", برفقة مترجمي التركي. تم اعتراضنا في عدة مناسبات من قبل القوات الأمنية التركية السرية, والعلنية بزيها الرسمي, حيث تم حذف معظم ما صورناه. كنا محظوظين لأنه لم يتم اعتقالنا, أو لأننا لم نختفِ. لم يكن البعض الآخر محظوظاً إلى هذه الدرجة: هناك الآلاف من الرجال والنساء الأتراك القابعون في السجون الآن لارتكابهم "جرائمَ" أصغر ...
* * *
يبدو أن معظم بلدان العالم تقف بحزم الآن ضد الاغتصاب المعلن لسوريا. موقف روسيا حازم, حيث تحمي سوريا دبلوماسياً, وبطرق عملية كثيرة أخرى. وموقف الصين حازم أيضاً, وكذلك جميع دول أمريكا اللاتينية.
وبالطبع, يقوم النظام الكوني بانتظام بتعريف روسيا والصين ومعظم دول أمريكا اللاتينية على أنها شريرة, و "غير ديمقراطية". هذا لأن الديمقراطية في الغرب ("حكم الشعب", في اللغة اليونانية) تعني فقط "حكم شعبنا نحن", كما أن "كوزان وسترا" ("ملكنا نحن") هو التعريف الرئيسي للمافيا الصقلية.
أخذ مواطنو العالم فجأة يرددون العديد من الكلمات الصريحة, وتقوم بعض الوسائل الإعلامية مثل "روسيا اليوم" و "تيلي سور" و "سي سي تي في" الصينية بنقل هذه الكلمات إلى كافة أرجاء العالم. لكن هذا غير كافٍ, غير كافٍ بعد!
العالم يغلي من الغضب, وكأنه أدرك أن كوكبنا محكوم من قبل مهووسين ساديين, مخلوقات متخلفة عقلياً تجلس على الأسلحة النووية, والسفن الحربية, وقاذفات "ستيلث".
إنه واقع مثير للرعب, ولكن على الأقل استطاع بعضنا الآن أن يقدم توصيفاً له.
الحضارة الغربية وجميع أتباعها في العالم بحاجة ماسة إلى المساعدة العقلية والنفسية, عوضاً عن الاحترام!
* * *
هناك شيء ثقيل و "مسيحي- صليبي" حول الوضع الحالي. الطريقة التي تمت فيها معاملة سوريا, وكيف تم التعامل مع أمريكا اللاتينية, وأفريقيا أيضاً, والشرق الأوسط كله وآسيا!
بغض النظر عن درجة علمانية الخطاب؛ فإنه موروب بشكل طاغٍ بطريقة دينية ...
إن جميع الدعوات إلى مهاجمة سوريا, على غرار الدعوات لمهاجمة العراق, وأفغانستان, وفنزويلا, وكوبا, وفيتنام, والعديد من البلدان الأخرى, هي دينية, بلا أية براهين ولا أي منطق؛ لا يقدمون لنا أي دليل على الإطلاق, وعلينا أن نكتفي بالتصديق. كل هذه الأفعال غير شرعية, ولا تتماشى مع القوانين الدولية! ومرة أخرى, يجعلوننا نصدق, لا أن نفكر, لا أن نعتمدَ على الحكم الأخلاقي الموضوعي, بل مجرد عقيدة مشبوهة ومحددة بشكل ذاتي صرف.
* * *
بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة, ربط العالم السيكولوجي والمعالج النفسي السويسري العظيم غوستاف يونغ جوهرَ المسيحية بكافة جرائم الغزو, والاستعمار, والحروب التي ارتكبها الغرب, في كتابه المغمور "مقالات حول الأحداث المعاصرة":
على الكنيسة المسيحية أن ترش رأسَها بالرماد وتمزقَ عباءاتها بسبب ذنوب أبنائها. فقد سقط خيالُ خطاياهم عليها كما سقط على أوروبا, أمُ الوحوش. يجب على أوروبا أن تحاسبَ نفسَها أمام العالم ...
ومرة أخرى, ومن خلال اختصار ما هو واضح وجلي لأي شخص يدرس التاريخ العالمي بشكل تفصيلي, والذي لا يتم التعبير عنه بشكل علني إلا نادراً في هذه المرحلة الحاضرة من الخضوع الفكري والأخلاقي المطلق:
فهي في نهاية المطاف جزء صغير من الإنسانية, تعيش بشكل رئيس على شبه الجزيرة الآسيوية المكتظة بالسكان تلك, الموجودون في المحيط الأطلسي, والذين يدَعونَ "الثقافة" ... وإذا نظرنا إليهم من مسافة آمنة, لنقل من آسيا الوسطى أو التبت, فمن المؤكد أن هذه الأقلية القليلة سوف تبدو وكأنها فرضت عتهها العقلي اللاواعي على أمم لا تزال تمتلك قدراً من الغريزة الصحية.
ومن الواضح أن الجرائم وأعمال الرعب الحالية التي ترتكبها الولايات المتحدة متجذرة في "الثقافة" الاستعمارية الأوروبية ("أم الوحوش", كما يراها يونغ), وفي العقائدية المسيحية الوحشية الآتية من الماضي, أو في عته وجنون الطوائف والتيارات المتعصبة, الموجودة بشكل أساسي في الولايات المتحدة وفي كافة أرجاء العالم الفقير حيث تنجح الأصولية (المستورَدَة من الولايات المتحدة في معظم الحالات) دوماً في إيجاد أرض خصبة جداً.
* * *
إذا أمعنا النظر, فسوف نرى أن السياسة الخارجية للغرب مليئة فعلاً بالتخلف السيكولوجي والأخلاقي.
تتم إدارة العالم بوحشية تطغى عليها تلك النزعات الجنسية الواضحة للرهبان الكاثوليك والبروتستانت القروسطيين المهووسين ﺑ "خطيئة" و "ذنب" الجسد, والذين يتأجج في داخلهم ذلك الشبقُ الجنسيُ المكبوت. فالعديد من "النخب" في الولايات المتحدة وخدمهم المحليين في البلدان المستعمَرَة طهرانيون على السطح, ومُترَعونَ ﺑ "الخطاب الأخلاقي", لكنهم بحاجة دائمة إلى أكثر الأفعال عنفاً وقمعاً.
هناك هوَسٌ تام ﺑ "المعاقبة", وبمحاربة "الخطيئة". والنتيجة هي امتلاء السجون في الولايات المتحدة, إضافة إلى جرائم القتل الجماعي في الخارج, التي أودت مباشرة بحياة أكثر من 55 مليون إنسان بين هيروشيما ويومنا الحاضر.
ولكن ما هي "الخطيئة"؟ إنه كل ما نرفضه نحن. إذ ليس هناك أية موضوعية في تعريفها.
وهناك بدائية كبيرة في المسألة. على غرار "هل لي أن" في المدارس الخاصة الإنكليزية القديمة, والمسطرة في يد المعلم السادي, المرفوعة فوق يد التلميذ المرتجفة. والخوف, الخوف, الخوف؛ والإذلال ...
يجب أن يحكموا: أولئك الزاهدون الطهرانيون والمسيحيون: لا يمكنهم أن يعيشوا دون أن يحكموا, ببساطة – أن يحكموا أولادَهم, أن يحكموا البلدان, أن يحكموا العالم! لا يمكنهم أن يوجَدوا دون أن يكرروا لأنفسهم وللآخرين, وحتى لضحاياهم, أن كل ما يفعلونه لأسباب أخلاقية, لمصلحة الآخرين. وينطبق ذلك على التعذيب, والاستغلال, والقتل!
"دمرنا القرية لكي ننقذها", هكذا كانوا يقولون في حرب فيتنام.
اذهبوا إلى كامبالا أو مانيلا, لكي تروا كيف تعمل مثل هذه العقائد, التي تم دفعها إلى الحد الأقصى, داخل العائلات, في المجتمعات المقموعة سياسياً وثقافياً. أو اذهبوا إلى الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة نفسها. ثم خذوا تلك البُنية العائلية الاستبدادية, وتخيلوا ما ذا سيحدث لو تمكنت من حكم العالم.
نعم, لقد حزرتم. ستكون النتيجة ما ترونه في كل مكان – الوضع الكوني الحالي القائم على التعصب, والعرقية, وغياب التسامح, والعنف المتطرف!
* * *
النتيجة, المبنية على التجربة, واضحة وصادمة: النظام الكوني الحالي عاجز عن "الحب", فكل ما يستطيع فعله هو الاغتصاب.
آبل بوسيه, الكاتب والدبلوماسي الأرجنتيني العظيم, وصديقي العزيز من الأيام الخوالي, وصفَ عملية استعمار ما يسمى الآن بأمريكا اللاتينية في روايته الرائعة "كلاب الفردوس".
عندما جاء الغزاة الغربيون, كانوا يحملون دروعاً ثقيلة, حتى في الجو الاستوائي الحار. كانوا مهووسينَ بالعقائد المسيحية حول "الذنب" و "الخطيئة". وكانوا مقموعينَ جنسياً, إلى درجة كبيرة, إلى حد الجنون.
كانت النسوة المحليات طيبات وحساسات جداً. نظرنَ إلى إلى تلك المخلوقات البربرية المثيرة للشفقة, إلى أولئك المتعصبين الدينيين والبدائيين المتوحشين, وفتحنَ أذرعهنَ بكل طيبة خاطر, ليحتضنوهم, بدافع الشفقة, لمنحهم بعض المتعة والراحة أخيراً.
لكن الغزاة كانوا يعتنقون "قيَماً" متصلبة, وعقائدَ حول "العائلة والزواج". كانت أجسادهم تغلي, لكن جنونَهم الديني منعهم من المتعة الإنسانية البسيطة. فماذا فعلوا؟
اختطفوا تلك النساء الجميلات اللطيفات. جروهنَ إلى الأدغال وقاموا بتعذيبهنَ لساعات وأيام. وبعد ذلك, وبعد تدمير أولئك النساء الفقيرات اللواتي كن ينزفنَ وهنَ على وشك الموت – قاموا باغتصابهنَ! لأن هذا هو الحب الوحيد الذي يعرفونه, والارتواء الوحيد الذي يفهمونه.
والأمر نفسه الآن. فقد قام العالم كله, المتقدم أكثر من الغرب ومن عقائده الدينية العلنية واللاواعية, والأكثر جمالاً ولطفاً, وفي مناسبات كثيرة, بفتح ذراعيه والهمس: "سامحناكم على كل تلك الحملات الصليبية, وعلى الاستعمار, وعلى الوحشية ... فدعونا نعيش بتناغم أخيراً. دعونا وشأننا, دعونا نكون على طبيعتنا وما نرغب في أن نكونَه."
لكن الغرب, نتيجة عقليته المريضة, أخذ ذلك كعلامة على الضعف. واستمرَ في عربدته واغتصابه! ولا يزال يفعل ذلك حتى الآن!
* * *
وهكذا, سوريا هي التالية!
لقد قرفتُ من المشاهدة, مثل الكثيرين! لا أريد أن أرى الدمَ يسيل على ساقيها. لا أريد أن أرى جسدَها الجميل وهو يُنتهَك. لا أريد أن أسمعَ صرخاتها, وأشهدَ عذابَها.
لا أريد أن أتظاهرَ أن هذا ترتيب عالمي عادي. أن الاغتصاب عادي, أن تدميرَ حياة الملايين من البشر أمر عادي, أنه من أجل مجموعة من البلدان, من أجل عرق من الأعراق, من أجل دين من الأديان, من العادي ارتكاب جرائمَ لا تعد ولا تحصى ضد الإنسانية, دون وجود أية آلية كفيلة بوضع حدٍ لهذا الرعب!
قاتلَ السلطان العظيم صلاح الدين ونجح في إيقاف جحافل الصليبيين المسيحيين عند حلب ودمشق. أما في هذه الأيام فإن مقاومة الغزو الغربي تسمى إرهاباً, في المنطق الملتوي للإمبراطورية ونخبها المحلية الخانعة.
ما أقترحه يمكن أن يكونَ متواضعاً, لكنني أعتقد أنه فعال: دعونا لا نقبل بلغويات و"منطق" أشخاص مجانين ومختلين عقلياً, حتى وهم يحكمون العالم الآن. فهذه ليست المرة الأولى في التاريخ الإنساني: كان لدينا كاليغيولا وهتلر, كالفن وليوبولد الثاني, لنأخذ أمثلة قليلة فقط. دعونا نعود إلى الأساسيات:
الاغتصابُ ليس حباً, وغسيلُ الأدمغة ليس تثقيفاً. الجريمة ليست تحريراً, والتعذيبُ ليس ضرباً من الرحمة. لا يمكن تسمية عمل الخير بعد السرقة "عطاءً". وإنكار المرء لهويته لا يمكن أن يكون له أي تبرير أخلاقي. و "الحرب ليست سلاماً", كما أشارت [الكاتبة الهندية, صاحبة رواية "إله الأشياء الصغيرة"] أرونداتي روي في عدة مناسبات. والأسود ليس أبيضَ. والقطة ليست كلباً!
لا يهمني في شيء سواء كانت سوريا وحكومتها "كاملة", أو حتى جيدة. ليس الآن, ليس الآن بالتأكيد. لدينا قضايا أكثر أهمية, كجنس بشري, يجب أن نتعاطى معها:
لدينا مجانين, ومهووسون بالهيمنة, وأصوليو سوق و "ثقافة" ودين, وصليبيون حقيقيون, يعيثون فساداً في كوكبنا الجميل, مسلحون بالأسلحة النووية, وأساطيل حربية كاملة, وأسراب ضخمة من الطائرات الحربية.
علينا أن نساعدَهم وعلينا أن نساعدَ العالم, بشكل طارىء, على الفور. فهم بحاجة إلى معالجة طبية جدية, وراحة طويلة في عيادة للمجانين, في مركز رعاية مهني!
ويحتاج العالم أخيراً مكاناً للتنفس, إجازة من الخوف, وسلاماً حقيقياً!
http://www.counterpunch.org/2013/09/13/syria-prepare-yourself-for-rape/
تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 13- 15 أيلول/سبتمبر 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد