سيناريو التخلص من نوري المالكي وآليات تنفيذه
الجمل: تطورات الأحداث والوقائع الجارية حالياً في الساحة العراقية تقول مؤشراتها بأن نوري المالكي باتت أيامه معدودة على كرسي رئاسة الوزارة، خاصة وأن إدارة بوش قد تعودت على استخدام لعبة سيناريو التغييرات الشكلية كمخرج مؤقت لأزماتها المستفحلة، وكسباً للمزيد من الوقت، على أمل أن تلوح في الأفق بارقة النجاح المستحيل.
·العراق ولعبة الديمقراطية:
يعرف جميع سكان الكرة الأرضية، بما فيهم جورج بوش وديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد أن الاحتلال والديمقراطية لا يلتقيان طالما أن الإدارة الحرة لا تنسجم ولا تتحقق في حالة السجن، وتشير خبرة التاريخ إلى أن الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور وحليفه البريطاني ونستون تشرشل رفضا بشكل قاطع الحكومة الفرنسية التي تم انتخابها في ظل الاحتلال النازي الألماني لفرنسا، وبرغم ذلك ظل نوري المالكي يتعامل ويتصرف ويصرح كأنما هو رئيس وزراء حقيقي، يمثل الإدارة الحرة للشعب العراقي، متجاهلاً أن كل العالم يعرف تماماً أنه مجرد ورقة صغيرة لا قيمة لها في جيب السفير الأمريكي في بغداد.
كتب الحاكم العسكري اليهودي الأمريكي الجنرال غاردنر الدستور العراقي، وتم تنقيحه ومراجعته بواسطة السفارة الأمريكية في بغداد، وعندما أقامت سلطات الاحتلال الأمريكي الانتخابات وتم إعلان نتائجها توقع الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض حصول ثورة ملونة ديمقراطية جديدة عراقية، سوف تؤدي إلى استكمال تحرير العراق، وأضافت موسوعة الوكيبيديا الأمريكية تاريخ إعلان نتائج الانتخابات العراقية إلى صفحة العراق بالموسوعة، تحت اسم تاريخ استقلال العراق.. وهكذا أصبح للعراق تاريخين للاستقلال، الأول من الاحتلال البريطاني والثاني من الاحتلال الأمريكي الذي لم ينته بعد.
·سيناريو التخلص من نوري المالكي:
التدقيق في خطاب بوش الذي ألقاه في مطلع كانون الثاني الماضي يكشف أن بعض فقرات الخطاب تضمنت آليات التخلص من المالكي، وكانت هذه الآليات (مزروعة) بعناية فائقة ضمن بعض العبارات التي رددها بوش وشدد عليها، مثل (إعطاء العراقيين الفرصة)، (ومشاركة العراقيين في تحقيق استقرار العراق)، (تسليم بعض المهام إلى العراقيين)، وغيرها.
كان واضحاً أن الرئيس بوش يريد إفهام الجميع أن ما سوف يحدث مستقبلاً في العراق سيكون جزء كبير منه، معتمداً على مستوى وجودة الأداء العراقي.. ولما كان بوش قد نجح في زيادة القوات وتمرير الميزانية الكافية لتمويل العمليات العسكرية والأمنية في العراق، فإن الجانب الآخر الذي سيقوم به العراقيون لابد من أن يكون هو السبب المباشر للفشل والكوارث الميدانية، وبالتالي تكون الحكومة العراقية هي المسؤولة عن كل ذلك، ولن يكون بعيداً اليوم الذي سيتحدث فيه الرئيس بوش للأمريكيين قائلاً بأن المالكي تم تغييره لأنه لم يقم بتنفيذ المهام الموكلة إليه في استراتيجية استقرار العراق، وبأن الإدارة الأمريكية ستؤيد البديل الجديد، وتعطيه الفرصة الكافية من الوقت، وهكذا يكون جورج بوش قد (ضرب عصفورين بحجر واحد) فقد حمل مسؤولية الفشل لنوري المالكي، ووجد الذريعة الجديدة لكي يطالب الأمريكيين والديمقراطيين بإعطائه الوقت الكافي ريثما تقوم الحكومة العراقية الجديدة بتنفيذ الواجبات التي فشل نوري المالكي في القيام بها.
· من البديل:
برغم كثرة عدد الزبائن الـ(متعاملين) مع سلطات الاحتلال الأمريكي من الساسة العراقيين في فترة ما بعد الرئيس الراحل صدام حسين، فإن السفارة الأمريكية، والجنرال بترواس قائد القوات الأمريكية، ومدير محطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العراق، مايزالوا يقومون بإجراء (المفاضلة) لاختيار السياسي العراقي (المناسب) لوضعه في الوقت (المناسب) ليحل محل نوري المالكي لحظة التخلص منه.
تقول المعلومات: إن (المفاضلة) انحصرت بين أربعة خيارات، أو بالأحرى أربعة (زبائن)، هم:
- إياد علاوي: سبق أن عمل رئيساً لمجلس الوزراء في عام 2004م، ويتميز بعلاقاته وروابطه الوثيقة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والعقبة الوحيدة التي قد تقف أمامه في اجتياز (المفاضلة) تتمثل في خلفيته العلمانية، وهي خلفية لن تجد القبول لا من زعماء السنة ولا من زعماء الشيعة.
- مهدي الحافظ: كان وزيراً للنفط في الفترة من عام 1975 وحتى عام 1979م، وعندما تمت تنحية الرئيس أحمد حسن البكر وتولية صدام حسين رئاسة الجمهورية بدلاً عنه، تم تعيين مهدي الحافظ سفيراً للعراق في واشنطن، ثم عمل بعد ذلك رئيساً لجمعية البحوث الاقتصادية العربية في القاهرة، وعاد للعراق في عام 2003م بعد الاحتلال، لا لينضم إلى صفوف المقاومة إلى جانب رفاقه البعثيين وحزب البعث العراقي الذي عينه في منصب الوزارة والسفارة، وإنما كحليف للسياسي العراقي عدنان الباججي- الزعيم السني الذي بذل قصارى جهده لإقناع سلطات الاحتلال بجدواه وقدرته على خدمة أجندتها في حالة توليه منصب رئاسة الوزارة، ويحاول مهدي الحافظ التسويق لنفسه من أجل إقناع الأمريكيين بقبوله وتعيينه، باعتبار أنه سيكون أفضل من الذين سبق أن جربتهم سلطات الاحتلال الأمريكي، ولم ينجحوا في تحقيق ما هو مطلوب منهم، كإياد علاوي على سبيل المثال.
- ابراهيم الجعفري: هو الزعيم المؤسس لحزب الدعوة الشيعي العراقي، والذي يضم بين صفوف عضويته رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.
كذلك يجد ابراهيم الجعفري بعض التأييد من الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر، وبرغم انتماء الجعفري الشيعي، فمن المعروف أن روابطه مع الزعماء السنة أكثر قوة من روابط نوري المالكي، وحالياً يقوم ابراهيم الجعفري بالتسويق لنفسه أمام سلطات الاحتلال الأمريكي على أساس اعتبارات أنه الأكثر قدرة وكفاءة لتحقيق المصالحة الوطنية العراقية التي ظلت حلماً طويلاً يراود خيال الرئيس بوش وجماعة المحافظين الجدد، إضافة إلى أنها ستكون أول سابقة في التاريخ، لتصالح المعارضين والمؤيدين للاحتلال الأجنبي، في ظل الاحتلال الأجنبي!!!
- عادل عبد المهدي: يتولى حالياً منصب نائب الرئيس العراقي والزعيم الكردي جلال الطالباني. ويعتبر عادل عبد المهدي عضواً بارزاً في المجلس الأعلى للشورى الإسلامية، التابع لعبد العزيز الحكيم، ومن أبرز العقبات التي سوف تقف أمامه في (المفاضلة) ميوله الإيرانية الشديدة، وهناك رأي آخر يقول بأن التفاهمات الإيرانية- الأمريكية الجارية حالياً في أروقة المنطقة الخضراء، إن كتب لها النجاح، فإن رئاسة الوزارة سوف تأتي طائعة مختارة لعادل عبد المهدي.
وعموماً، برغم وضوح نوايا سلطات الاحتلال الأمريكي، وبرغم علم ومعرفة نوري المالكي بما يدور حوله، فإنه على ما يبدو غير قادر على الوقوف ومواجهة مصيره بشجاعة كما فعل الرئيس الراحل صدام حسن الذي وقّع نوري المالكي نيابة عن جورج بوش على قرار إعدامه شنقاً حتى الموت، وحالياً يحاول نوري المالكي الشيعي الانتماء البحث عن حبل النجاة لإطالة أمد وزارته لدى الزعماء السنة، بعد أن فقد الأمل في تأييد البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية وجماعة المحافظين الجدد.. هكذا تقول سخرية القدر.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد