صواريخ «تاو»: التحرش الأول بالعاصفة الروسية
ارتفع عدد الغارات الروسية في إطار «عاصفة السوخوي» الى مستوى قياسي في يوم واحد منذ بداية الضربات في 30 تموز الماضي، حيث وصلت الى 86 غارة خلال 24 ساعة، وذلك بالتزامن مع ظهور ما يمكن تسميته الترجمة الاولى، للمواقف الاميركية التي تحدثت مؤخراً عن قرب بدء تعرّض الروس الى خسائر، وتحول الخطط الاميركية من تدريب «المعارضة المعتدلة»، الى خيار إلقاء السلاح الى فصائل مختارة وفق معايير مجهولة، وظهرت تجلياتها بانتشار صواريخ «تاو» الاميركية المضادة للمدرعات بكثافة غير معهودة عبّر عنها احد قادة المسلحين بالقول، مشيراً الى واشنطن والرياض وأنقرة، «لدينا شيك مفتوح بها».
صحيح أن صواريخ «تاو» لا يمكنها تعطيل حركة مقاتلات «السوخوي» في السماء السورية، لكنها كتحرّش أولي بإمكانها التشويش على مفاعيله الميدانية على الأرض السوري، من خلال استهداف تحركات القوات السورية والحلفاء وهجماتهم خصوصاً في ظل المعارك الدائرة حالياً في ارياف حماه وادلب واللاذقية وحلب.
وبدا واضحا ان هذه النقطة اصبحت تحظى باهتمام روسي كبير عبّر عنها بالامس كل من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وهما بالاضافة الى اتهامهما الولايات المتحدة بتسليح فصائل مشبوهة الولاء والعقيدة، حمّلا الإدارة الاميركية مسؤولية تعثّر التنسيق المشترك لمكافحة الإرهاب بالتأكيد على ان واشنطن تلقت العديد من المقترحات التفصيلية من جانب موسكو للتعاون في مكافحة الارهاب في سوريا، او البحث عن مسارات سياسية، لكن الاميركيين لم يظهروا تعاونا حتى الان.
وجاء ذلك غداة اعلان واشنطن عن قيام الطائرات الأميركية بإلقاء 50 طناً من الذخيرة والأسلحة إلى فصائل مسلحة في سوريا، فيما كانت طائرات «السوخوي» تشن أعنف الغارات على مواقع «داعش»، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أن الطيران قصف 86 «هدفا إرهابيا» في الساعات الـ24 الماضية، ما يشكل رقما قياسيا للضربات في يوم واحد منذ بدء التدخل العسكري الروسي في 30 أيلول.
وقال المتحدث باسم الوزارة الجنرال أيغور كوناشينكوف إن «طائرات سوخوي نفذت 88 طلعة جوية لضرب أهداف في محافظات الرقة وحماه وادلب واللاذقية وحلب»، مضيفاً أن الطائرات دمرت بشكل خاص مراكز قيادة ومخازن ذخيرة وأسلحة وآليات عسكرية ومشاغل لصنع متفجرات ومعسكرات تدريب تابعة لتنظيم «داعش».
وتواصلت الاشتباكات في قرية سلمى في ريف اللاذقية، والتي تحولت إلى حرب شوارع، بعد نجاح الجيش السوري في السيطرة على كتل أبنية في طرفها الجنوبي والتثبيت فيها، كما أفشل هجوما مضادا ضد قرية دورين. وأعلن «جيش الفتح»، الذي تشكل «جبهة النصرة» عموده الفقري، في بيان «بدء غزوة تحرير حماه»، داعيا المسلحين إلى أن «يشعلوا الجبهات من داخل محاورهم».
وبعد يوم من كشف صحيفة «واشنطن بوست» عن أن واشنطن والرياض زودتا المسلحين بصواريخ «تاو»، وان برنامج تزويد المقاتلين بصواريخ «تاو» هو أحد البرامج السرّية التي تديرها وكالة الاستخبارات الأميركية في سوريا منذ نحو عامين، ويقضي بإرسال شحنات، معظمها يخرج من مخازن السعودية، عبر الحدود التركية إلى سوريا، قال مسلحون و»المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن المجموعات تنشر المزيد من الرجال والأسلحة، بما في ذلك عدد كبير من صواريخ «تاو» الأميركية المضادة للدبابات، للتصدي لهجمات الجيش السوري في ريف حماه.
وقال احمد السعود، المتحدث باسم «الفرقة 13»، إحدى الفصائل في ريف حماه الشمالي، لوكالة «فرانس برس»، إن «صواريخ تاو تصل إلى الفرقة منذ سنة»، مؤكداً أن «ما نريده يعطوننا إياه» في إشارة إلى الدول الداعمة للمسلحين.
وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن «تلقت الفصائل المقاتلة وبينها الفرقة 13، صواريخ تاو بكثافة خلال الأيام الأربعة الماضية». ونقل عن احد قادة الفصائل قوله للمسلحين «إذا ظهر عليكم أي عسكري اضربوه بصاروخ تاو، فلدينا شيك مفتوح بها»، فيما أشار المتحدث باسم لواء «فرسان الحق» احمد الشهوب إلى أن مجموعته تحصل على «هذه الصواريخ من ألموك» في إشارة إلى غرفة العمليات في عمان.
وأحجم اثنان من قادة المجموعات المسلحة، اتصلت بهما وكالة «رويترز»، عن تأكيد ما إذا كانوا قد تلقوا صواريخ إضافية منذ بدء الضربات الجوية الروسية، لكنهما ذكرا أن لدى الفصائل إمدادات «ممتازة»، وتنشرها على امتداد جبهة تمتد لمسافة 30 كيلومترا لصد الهجوم البري. لكن نشطاء قالوا إن الإمدادات زادت منذ بدء الضربات الجوية الروسية في 30 أيلول.
وقال الناشط ابراهيم الادلبي إن «صواريخ تاو دمرت عشرات من مركبات الجيش في الأيام الأخيرة»، مضيفاً أن «كمياتها زادت في الفترة الأخيرة».
وعلمنا أن «كتيبة الأتراك» في «جبهة النصرة» دخلت على خط المعارك في سهل الغاب، كجزء من التعزيزات التي أرسلها «جيش الفتح» لوقف انهيار قواته في المنطقة بعد تقدم الجيش السوري وسيطرته على البحصة وتهديده بالتقدم على محور المنصورة ـ تل واسط ـ الزيارة.
وفي الرياض، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس، أن موقف السعودية بشأن سوريا لم يتغير، وإنه لا مستقبل للرئيس بشار الأسد فيها. وقال «في ما يتعلق بموقف السعودية تجاه سوريا وتجاه وضع الأسد بالتحديد، ما في تغير. من بداية الأزمة موقف المملكة أن بشار هو سبب المشكلة في سوريا، وقتل مئات الآلاف من شعبه وشرد الملايين من الشعب السوري الشقيق ودمر البلد بأكمله، وأنه لا مستقبل له في هذا البلد وهذا الموقف لم يتغير».
من جانبه، دعا فابيوس روسيا إلى استخدام نفوذها لإيقاف استخدام القوات السورية لـ»البراميل المتفجرة»، معلناً أن باريس تريد ضمان أن تظل المؤسسات السورية قوية وعدم حدوث مزيد من الفوضى في سوريا.
وكان مصدر سعودي اعتبر، أمس الأول، أن «التدخل الروسي في سوريا سيدخلهم في حرب طائفية»، مضيفاً «سيواصل السعوديون تعزيز ودعم المعارضة المعتدلة في سوريا».
بوتين
وقال بوتين، أمام منتدى للاستثمار في موسكو، «أريد أن أشدد على أننا لا نسعى للزعامة في سوريا بأي شكل من الأشكال. ويمكن أن يكون في سوريا زعيم واحد فقط، وهو الشعب السوري. نحن نسعى إلى المساهمة بقسطنا في مكافحة الإرهاب الذي يهدد الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية والعالم برمته».
وشدد على أن «الجانب الروسي يواصل بذل جهوده بإصرار من أجل توحيد الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، لكي تكون نتائج تلك الجهود واضحة، ولكي تساهم فعلا في تحقيق الهدف وهو القضاء على الإرهاب الدولي».
ودعا بوتين إلى «رفع الجهود على المسار السوري إلى مستوى أكثر موضوعية مع التركيز على العملية السياسية»، مؤكداً «استعداد روسيا لمثل هذا العمل»، لكنه أشار إلى أن «موسكو لم تتلق حتى الآن ردا أميركياً على اقتراحاتها بهذا الشأن». وكشف أنه «سبق أن عرض على الأميركيين إرسال وفد رفيع المستوى، برئاسة رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، إلى واشنطن لبحث تحديات الأزمة السورية، ويجب أن يضم مثل هذا الوفد نواباً لرئيس هيئة الأركان الروسية وممثلي وكالات الاستخبارات».
وأقر بأن «الاتصالات بين موسكو وواشنطن حول مكافحة الإرهاب تجري حاليا على مستوى العسكريين، وهذا النطاق غير كاف». وأعلن أنه «اقترح على الأميركيين والأوروبيين عقد لقاء خاص لسوريا في موسكو على مستوى عسكري وسياسي رفيع المستوى، لكن لم أتلقَ حتى الآن ردا». وقال «إذا كنا نريد من جهودنا أن تكون فعالة، فعلينا ألا نكتفي بتوجيه الضربات الصاروخية، بل يجب التوصل إلى تسوية سياسية، وهو هدف يتطلب منا تشجيع القوى الموجودة داخل البلاد على العمل المشترك».
واعتبر بوتين أن «عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والذي يشن غارات على أراضي سوريا منذ أكثر من عام، لم تحقق نتائج تذكر». وقال «لقد نفذوا أكثر من 500 ضربة في أراضي سوريا، وأنفقوا، حسب البيانات الرسمية فقط، نصف مليار دولار على تدريب الجيش السوري الحر. كما أنهم أعلنوا مؤخرا عن إلقاء كميات من الذخيرة والعتاد من طائرات لدعم الجيش الحر. لكن أين هذا الجيش الحر؟ أين الضمانات بأن هذه الذخيرة والعتاد لن تقع مجدداً في أيدي إرهابيي داعش، كما حدث أثناء تدريب قوات أخرى للمعارضة السورية؟».
ونفى بوتين الاتهامات الغربية الموجهة إلى روسيا بأن عمليتها العسكرية تستهدف «المعارضة المعتدلة» وليس «داعش». وأوضح أن «الجانب الروسي طلب من شركائه تسليمه إحداثيات الأهداف الإرهابية في سوريا، لكن الدول الغربية رفضت بذريعة أنها غير مستعدة لذلك. ولذلك طلبت موسكو من واشنطن مؤخرا تزويدها بالمعلومات عن الأهداف التي لا يجوز أن تضربها الطائرات الروسية، لكن الأميركيين رفضوا مرة أخرى».
وندد بوتين بعدم تعاون الولايات المتحدة مع روسيا في النزاع السوري، مشيرا إلى أن تفكيرها مضطرب. وقال «اعتقد أن بعض شركائنا مصابون بتشوش ذهني، ليس لديهم أي فهم واضح عما يجري حقيقة وما هي الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها».
لافروف ودي ميستورا
وقال لافروف، خلال لقاء مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو، «أكدنا أكثر من مرة أن حملتنا، التي جاءت رداً على طلب الحكومة السورية، لا تعني جعل العملية السياسية تدخل طي النسيان. على العكس، إننا نلاحظ أن دعم جهودكم يصبح أمرا أكثر إلحاحا». وأضاف «في الوقت الراهن، حين أصبح هناك توافق (حول تمثيل المعارضة في المفاوضات مع دمشق) يلوح في الأفق من يقول إن عملية سلاح الجو الروسي تعرقل العمل السياسي. لكنني واثق من أن المراقبين الموضوعيين يرون بوضوح أن مثل هذا الربط يحمل طابعا اصطناعيا».
وتابع «في النهاية تعتمد عملية سياسية على كيفية تنسيقنا على الأرض في وجه الإرهاب. وفي العملية السياسية ندعم دي ميستورا ونواصل المحاولة لدفع الأميركيين وغيرهم من الشركاء في المنطقة لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها».
وأكد لافروف أن موسكو لا تشكك في أن جزءا كبيرا من الأسلحة التي تقدمها واشنطن للمسلحين يقع في أيدي الإرهابيين. ولفت إلى أن وقوع سيارات من طراز «تويوتا» في قبضة «داعش» يعد قضية خطيرة جدا. وقال «أعلنت الولايات المتحدة أنها غيرت رؤيتها لدعم المعارضين، وقررت إسقاط الذخيرة لهم بدلا من تدريبهم. لكن إلى أين ستذهب كل هذه الذخيرة: ألا ستلحق بسيارات الجيب التي وقعت في أيدي داعش؟».
وقال «تطلب موسكو منذ أيام من شركائنا الغربيين المساعدة في فتح قوات الاتصال بالمعارضة السورية المعتدلة، لكنها لم تتلق حتى الآن أية معلومات دقيقة بهذا الشأن. وعدونا بالمساعدة، وفي البداية تحدثوا عن الجيش السوري الحر لكنهم لم يقولوا من يمثله. أما الآن، فيتحدثون عن تحالف قوى سوريا الديموقراطية. درسنا قائمة المشاركين في هذا التحالف ولاحظنا فيه تنظيمات سبق لها أن تعاونت مع الدولة الإسلامية».
واعتبر لافروف أن قصف السفارة الروسية في دمشق بقذائف هاون، أثناء مسيرة تأييد لعمليات سلاح الجو الروسي، «عملاً إرهابياً يرمي إلى تخويف المناضلين ضد الإرهاب الدولي».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد