ضباب ميونيخ يلف المشهد السوري والأسد يعلن أن مكافحة الإرهاب والتفاوض مساران منفصلان
لم يبدد لقاء ميونيخ الكثير من الضباب الذي تكثف حول الملف السوري منذ الإجهاض السعودي ـ التركي لمؤتمر «جنيف 3».
وعلى الرغم من الاتفاق على ما سمي «وقف الاعمال العدائية» تدريجيا على أمل الوصول الى وقف لإطلاق النار أكثر شمولا، وفتح الطرق أمام المناطق المحاصرة، وهما أساسا ما طالبت به السعودية والشخصيات المعارضة التي تدعمها خلال الاسبوعين الماضيين، إلا ان ما تبين لاحقا ان المنسق العام لهيئة المعارضة المتمركزة في الرياض رياض حجاب، أعلن رفضه لتفاهمات ميونيخ، فيما تولى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مجددا عملية «التفخيخ»، حيث ربط التسويات والتقدم في الحرب على «الإرهاب»، برحيل الرئيس بشار الاسد.
واذا لم تكن هذه الضبابية كافية، فإن إعلان قادة فصائل مسلحة انهم تلقوا من الدول الداعمة لهم، صواريخ «غراد» متطورة لمواجهة الهجوم السوري لتحرير الشمال الحلبي، يزيد المشهد التباسا، اذ يعني بشكل ما ان مدينة حلب نفسها قد تظل عرضة للهجمات الصاروخية حتى لو نجح الجيش و«وحدات حماية الشعب» السورية الكردية، في إبعاد خطوط انتشار الفصائل المسلحة عن المدينة. لكن من بين الامور الكثيرة التي تحتاج الى انجلاء طبيعتها في الأيام المقبلة، طبيعة «وقف الاعمال العدائية»، خصوصا ان الطرفين الروسي والاميركي، أكدا سوية ان الضربات الجوية على الارهاب، وتحديدا «داعش» و «جبهة النصرة» ستستمر.
الأسد، من جهته، أعلن أن مكافحة الإرهاب والتفاوض مساران منفصلان، مؤكداً تصميمه على استعادة كل الأراضي السورية، لكن ذلك قد يتطلب «وقتاً طويلا» وذلك بسبب «الحالة الراهنة المتمثلة في الإمداد المستمر للإرهابيين عبر تركيا، وعبر الأردن». (تفاصيل صفحة 9)
وأكد الأسد أن المعركة الأساسية في حلب هدفها «قطع الطريق بين حلب وتركيا» وليس السيطرة على المدينة بحد ذاتها، وذلك في الوقت الذي كانت فيه القوات السورية توسع من نطاق حماية نبل والزهراء، عبر سيطرتها على تلتي ضهرة القرعة وضهرة القنديلة ومرتفعات الطامورة جنوب غرب الزهراء في ريف حلب الشمالي. كما سيطرت القوات السورية على قريتي جب السعد ورسم أمون والتلال المحيطة بهما على طريق سلمية ـ إثريا بريف حماه الشرقي.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من ميونيخ، أن على إيران والسعودية تجاوز سنوات من العلاقات المتوترة والعمل من أجل الاستقرار في سوريا والشرق الأوسط. وقال، بعد ساعات من كلمة للجبير، «ينبغي أن نعمل نحن وأشقاؤنا السعوديون معا»، مضيفاً «لا يمكن أن تستبعد أي من إيران والسعودية الأخرى من المنطقة. نحن مستعدون للعمل مع السعودية. أعتقد أنه يمكن أن تكون لإيران والسعودية مصالح مشتركة في سوريا».
واعتبر الجبير، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ الأمني، أنه لا يمكن هزم «داعش» إلا إذا أزيح الأسد عن السلطة، وأن هذا الهدف سيتحقق في نهاية المطاف.
وقال «في سوريا نعمل لإحداث تغيير - تغيير سياسي إذا أمكن - لما يجري في سوريا لإزاحة رجل مسؤول عن قتل نحو 300 ألف شخص وتشريد 12 مليوناً وتدمير دولة. رجل هو أكثر عامل جذب فعال منفرد للمتطرفين والإرهابيين في المنطقة. هذا هدفنا وسوف نحققه».
وأضاف الجبير «لن نستطيع أن نلحق الهزيمة بداعش في سوريا ما لم نغير بشار الأسد. إنه الرجل الذي ساعد في تأسيس داعش بإطلاقه سراح المتطرفين من سجونه. الذي سمح لداعش بالعمل من دون أن يهاجمهم. إنه الرجل الذي أتاح لهم بأن يصبحوا على ما هم عليه الآن. وما لم يحدث، وإلى أن يحدث، تغيير في سوريا لن يُهزم داعش في سوريا».
وكان الجبير قد بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف العلاقات الثنائية بين البلدين والأوضاع في سوريا والمنطقة. وقال لافروف ان اجتماع مجموعة دعم سوريا في ميونيخ لم يتطرق نهائيا الى مسألة دور عسكري سعودي في سوريا. كما قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إن الوزيرين «لم يتطرقا إلى موضوع العملية العسكرية السعودية المخطط لها في سوريا».
وقال اثنان من قادة المسلحين في سوريا، لوكالة «رويترز»، إن «مقاتلي المعارضة حصلوا على كميات جيدة من صواريخ غراد من داعميهم الأجانب خلال الأيام الأخيرة، لمساعدتهم على التصدي لهجوم تنفذه الحكومة السورية شمالي حلب بدعم من روسيا».
وقال أحد القادة «هو قوة نارية جيدة لمصلحتنا»، فيما قال الثاني إن «الصواريخ، ومداها يبلغ 20 كيلومترا، تستخدم في ضرب مواقع للجيش خلف الصفوف الأمامية. هو ذراع أطول للفصائل».
اجتماع ميونيخ
وكانت المجموعة الدولية لدعم سوريا، التي تضم 17 دولة، قد اتفقت على خطة طموحة، لكنها هشة، لوقف الأعمال العدائية في سوريا، في محاولة لإعادة تحريك مفاوضات «جنيف 3» التي توقفت حتى 25 شباط الحالي.
وفي ختام مفاوضات استمرت لأكثر من خمس ساعات، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في مؤتمر صحافي مع لافروف والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إن الدول الـ17 اتفقت على «وقف للمعارك في جميع أنحاء البلاد في غضون أسبوع».
كما اتفقت المجموعة على «بدء تسريع وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية فورا». وقال كيري إن ذلك «سيبدأ هذا الأسبوع أولاً إلى المناطق الأكثر احتياجاً، ثم إلى الذين يحتاجون إليها في البلاد، وخصوصاً في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها». وأشار إلى أن هذه المساعدات ستشمل سلسلة من المدن المحاصرة منها دير الزور حيث يطوقها عناصر تنظيم «داعش»، وأن الأولوية ستكون أيضاً لإيصال المساعدة الإنسانية «إلى الفوعة وكفريا والمناطق المحاصرة في ريف دمشق، مضايا والمعضمية وكفر بطنا». وقال إن «وصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق، حيث الحاجة إليها أشد إلحاحاً، يجب أن يشكل خطوة أولى في اتجاه وصول المساعدة بلا عراقيل إلى كل أنحاء البلاد».
وأعلن كيري أن المفاوضات بين السلطات السورية والمعارضة «ستستأنف في أسرع وقت ممكن»، لكنه حذر من أن «ما لدينا الآن هو حبر على ورق، ونحتاج لان نرى في الأيام المقبلة أفعالاً على الأرض»، فيما أكد لافروف أن المفاوضات حول الحل السياسي «يجب أن تبدأ في أسرع وقت ممكن، من دون إنذارات أو شروط مسبقة».
ودافع كيري عن الاتفاق، موضحاً أن هذا الأمر هو ما تطالب به المعارضة السورية. وقال إن «وقف الأعمال العدائية»، العبارة التي اختيرت عمداً بدلاً من وقف كامل لإطلاق النار، ينطبق على كل المجموعات باستثناء «المنظمات الإرهابية»، مثل تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة».
وأعلن لافروف، من جهته، أن روسيا ستواصل عملياتها في سوريا. وقال «سنستمر، كما التحالف بقيادة أميركية، في محاربة هذه المجموعات». ودعا إلى «اتصالات مباشرة بين العسكريين الروس والأميركيين» في سوريا، فيما سارع المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس لرفض هذا الأمر، موضحاً «نواصل تجنب التصادم في الجو كما فعلنا خلال الأشهر الماضية»، ومؤكداً أن الاتفاق لن يؤثر على العمليات الأميركية ضد «داعش».
واعتبر لافروف أن على الحكومة السورية والمعارضة «اتخاذ الإجراءات الضرورية»، مضيفاً «علينا على الأرجح أن نستخدم نفوذنا على الأطراف». وأوضح أن روسيا والولايات المتحدة ستشرفان على «ترتيبات» تطبيق وقف الأعمال العدائية، مشيرا إلى أن هذه الهدنة «ستشكل خطوة أولى» باتجاه وقف إطلاق نار أكثر استدامة.
وأعلن كيري أن مجموعة عمل خاصة للأمم المتحدة، تترأسها روسيا والولايات المتحدة، ستعمل في الأسابيع المقبلة على «وضع طرق وقف طويل الأمد وشامل ودائم لأعمال العنف». وستشرف مجموعة أخرى على تسليم المساعدات.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي إن دي ميستورا حريص أشد الحرص على عقد جولة جديدة من محادثات «جنيف 3»، لكنه أشار إلى أن خطط استئناف المحادثات لا تزال «غائمة». وأوضح أن المبعوث الأممي سيطلع مجلس الأمن الدولي على أحدث التطورات في 17 شباط.
وعقد ديبلوماسيون من الدول الراعية للمحادثات السورية أول اجتماع أسبوعي عن الشؤون الإنسانية في جنيف، وطالبوا بالسماح بدخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة خلال أيام. وقال يان إيغلاند، الذي رأس الاجتماع، «قدمنا بالفعل طلبات إلى الأطراف التي تطوق المناطق المحاصرة من أجل الدخول. نتوقع الدخول من دون إبطاء».
وقال المنسق العام للهيئة رياض حجاب إن «ما صدر في بيان كيري ولافروف لم نتفق عليه مطلقاً». وأضاف «نرفض وقف إطلاق النار ما بقي الاسد في السلطة وحلفاؤه في سوريا». وتابع «عندما عرض الروس وقفا لإطلاق النار رفضناه فورا أمام كيري والجبير وأبدينا استعدادنا لهدنة مؤقتة شرط موافقة الفصائل على الارض. لكن الروس والاميركيين أعلنوا شيئا مختلفا تماما عما اتفق عليه».
وعاد حجاب وقال، في «تغريدة» على حسابه على «تويتر»، إن «إقرار الهدنة المؤقتة التي تهدف لإيقاف الأعمال العدائية ضد السوريين، مشروطة بموافقة الفصائل الجنوبية والشمالية في الجبهات»، فيما أكد العضو في «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض جورج صبرا انه إذا وافقت الفصائل على الهدنة و «ترافق ذلك مع تنفيذ البندين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي، فإن الباب سيفتح أمام استئناف المفاوضات في جنيف».
ورحبت أنقرة باتفاق القوى الكبرى، معتبرة انه يشكل «خطوة مهمة» على طريق تسوية سياسية للنزاع. واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو أن «الإعلان الذي صدر عن أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا يشكل خطوة مهمة على طريق حل الأزمة السورية». وأضاف «يتعين الآن وقف الغارات الجوية ونقل المساعدات الإنسانية».
واعتبر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، في بيان، أن اتفاق ميونيخ لا يمكن تطبيقه بنجاح إلا إذا حدث «تغيير في سلوك» سوريا وروسيا.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد