ضباط العراق الجدد أميون يعانون إعاقات جسدية
لم يخطر في بال النقيب علي من مديرية شرطة النجف أن يكون الساعي العامل في خدمته، والواقف دائماً أمام باب مكتبه، مسؤولاً عنه ويحمل رتبة عسكرية عالية فقط لانتمائه الى أحد الأحزاب المتنفذة في الدولة.
وهذه الحال لم تحصل مع النقيب علي فقط بل مع عشرات الضباط الذين يحملون شهادات عسكرية في النجف، وفوجئوا بقرار دمج الميليشيات مع أجهزة الأمن، الذي أصدره مجلس الوزراء أخيراً وضم غالبية من عناصر الشرطة والمدنيين الذين ينتمون إلى قوات «بدر» و «حزب الله» و «المؤتمر الوطني» بزعامة الدكتور أحمد الجلبي.
يقول النقيب علي إن «المقدم ر.ع. كان يعمل ساعياً عندي يقدم الشاي إلى الضيوف، وينظف حذائي ويهتم بأمور أخرى، لكنه أصبح اليوم يحمل رتبة مقدم لأنه ينتسب إلى قوات بدر». ويضيف أن «عشرات ضباط الشرطة في النجف لا يحملون شهادات دراسية ويفتقرون إلى العلوم العسكرية بسبب عدم انتسابهم إلى الكليات العسكرية والشرطة».
ويؤكد النقيب علي أن «من يسمون في قوات الشرطة والجيش بـ «ضباط الدمج»، تسببوا بكثير من المشاكل وحالات ارتباك في صفوف قوات الأمن، لا سيما في محافظات تسلمت فيها القوات العراقية الملف الأمني». ويتابع أن افتقار هؤلاء الضباط إلى العلوم العسكرية بسبب عدم انتسابهم إلى الكليات العسكرية جعل منهم عبئاً على قوات يفترض بها أن تبسط الأمن في محافظات تتنازعها تيارات إسلامية تحاول الاستئثار بالسلطة والنفوذ والثروات.
ويتهم «النقيب علي» رئيس وزراء سابق بدمج حوالي 15 ألفاً من عناصر الأحزاب والميليشيات في شرطة بغداد ومحافظات الفرات الاوسط والجنوب. ويشير الى أن الغالبية العظمى منهم لا تنطبق عليهم شروط اللياقة البدنية التي تفرضها المؤسسات العسكرية في العالم، فضلاً عن أنهم لا يجيدون القراءة والكتابة ومُنحوا رتباً عسكرية كبيرة.
وتسبب دمج هؤلاء الضباط بتوتر بينهم وبين ضباط حصلوا على شهادات عسكرية، إذ أكد مصدر في مديرية شرطة الطوارئ في النجف لـ «الحياة» أن هنالك ضابطاً برتبة مقدم في المديرية ينتمي الى «حزب الله» بزعامة الشيخ عبدالكريم ماهود، «لا يقرأ ولا يكتب».
وفي هذا السياق، يؤكد النائب مخلص الزاملي عضو كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» أن «بعض القوى السياسية دمج الميليشيات ضمن أجهزة الدولة من دون أن يستوعب من كانوا خارج العراق أو من نفذ عمليات عسكرية ضد نظام البعث»، لافتاً الى أنهم «لجأوا إلى البقال وجعلوه ضابطاً في الشرطة أو الجيش أو من كان يمارس مهنة البناء أو من لا يعرف القراءة أو الكتابة، وليس له أي خلفية عسكرية ويعتلي مناصب عسكرية وقيادية».
وشدد الزاملي على أن «ذلك لا يعني أننا ضد دمج الميليشيات، بل بالعكس فإن قوات البيشمركة أو فيلق بدر أو كثيراً من التشكيلات العسكرية التابعة لأحزاب إسلامية أو غيرها، مارست أعمالاً مشرفة من أجل رفع كف النظام الظالم عن هذا البلد»، لكن «للأسف فإن البديل الذي جاء بعد هذا النظام، قدم نموذجاً سيئاً عندما سلطوا الأميين والجهلة على رقاب الناس». وتابع أن «لدينا ملفاً عن قمع التظاهرات في محافظة ذي قار وغيرها وكيف دهست (قوات الدمج) المتظاهرين بالسيارات، وهذه حوادث موثقة».
وكشف أن «هناك مناصب حكومية وادارية ومهنية حُجزت بأسماء موجودة خارج العراق، وجرى انتظارهم حتى أنهوا أعمالهم هناك، ومن ثم جاءوا كي يتسلموا مناصب حُجزت بأسمائهم». وتساءل النائب الزاملي: «هل يصلح أن يتولى شخص كان يمارس مهنة البقالة في الدنمارك، مهمات منصب وكيل إداري أو المسؤول الاداري في وزارة الداخلية. فهل هذا هو الانصاف والعدل؟».
وقال إن «هناك في محافظة ذي قار ضابطاً في الشرطة أخرساً لا يقوى على الكلام، فيما هناك ضابط آخر في ناحية قلعة سكر لا يتجاوز طوله الـ80 سنتمتراً»، لافتاً الى أن «مدير ناحية قلعة سكر جاء ذات مرة للتفتيش، فسأل عن الضابط المسؤول وطلب رؤيته، فرد عليه أحد أفراد الشرطة: هل تريد أن نحمله اليك على أيدينا كي تتمكن من رؤيته؟».
في المقابل، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية عبدالكريم خلف إن جميع الضباط الذين دُمجوا بحسب قرار الحاكم المدني بول بريمر، مُنحوا رتباً صغيرة، فيما أُعيد بعض الضباط الذين كانوا خارج الخدمة لأسباب سياسية اليها وحصلوا على استحقاقاتهم القانونية.
وشدد خلف على أن وزارة الداخلية تملك قاعدة بيانات يمكن لكل من يشك بالشهادة التي يحملها الضابط أن يراجع هذا الارشيف. وقدم مثلاً على ذلك بما يحمله شخصياً من شهادات، وقال: «تخرجت من الدورة 64 للكلية العسكرية ودورة كلية القيادة وكلية الاركان، وكل ضابط في وزارة الداخلية أُعيد إلى الخدمة، نقارن ما يقدمه من شهادات بالأرشيف الموجود سواء لضباط الشرطة أو الجيش. وهذا الارشيف موجود ويتضمن كل المعلومات الرسمية والصحيحة، ولا يمكن لأي كان أن يأتي بشهادة عسكرية مزيفة أو مزورة».
ورد على انتقادات بعض النواب بقوله إن «على كل من يشك في الشهادات العسكرية التي يحملها ضباط الداخلية أن يحدد الاسماء، لا أن نطلق الاتهامات في شكل عام، لأن قاعدة البيانات متكاملة عندنا، ونستطيع أن نبرز لأي كان ما يحمله من شهادات عسكرية ومصدرها».
وأبدى خلف استغرابه من هذه الاتهامات، وقال إن «كل من دُمج وفقاً لقرار بريمر، مُنح رتباً صغيرة لا تتجاوز ملازم أو ملازم أول. أما الضباط الذين كانوا خارج الخدمة لأسباب سياسية، فوضعهم يختلف، وأُعـــيدوا إلى الخدمة باستحقاقاتهم الوظيفية الكاملة».
فاضل رشاد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد