عالم الاجتماع مصطفى التير: دور الدين في المجتمع
زار عالم الاجتماع البروفيسور مصطفى عمر التير دمشق مؤخراً وشارك في ندوة عن«دور الدين في المجتمع» بدعوة من دار الفكر والمركز الثقافي الألماني ويذكر ان التير هو من أهم علماء الاجتماع في الوطن العربي يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة مينسوتا- امريكا وكان استاذاً زائراً في جامعة بتسبرج 1976-1977 وفي جامعة يوتا امريكا-1981 واستاذاً زائراً في جامعة تكساس لعدة سنوات وهو اليوم رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، له عدد كبير من الكتب الصادرة بالعربية والانكليزية والمترجمة لعدة لغات..التقته البعث وكان الحوار التالي:
> كيف تجد واقع علم الاجتماع العربي..؟
>> اعتقد ان علم الاجتماع في الوطن العربي بخير وهو موجود في كل الجامعات العربية حيث يدرس على مستويات عالية وهناك نشاط بحثي جيد في هذا المجال ومدارس متعددة في هذا العلم وأنا لست مع مقولة وجود علم اجتماع عربي لان علم الاجتماع برأيي واحد وتطبيقاته موجودة في كل منطقة على حدة.
إذاً نشاط علم الاجتماع في الوطن العربي متميز ولكن بالمقابل مساهماتنا نحن علماء الاجتماع العرب في النشاط الدوري لهذا العلم قد يخضع لوجهات نظر مختلفة.
> كثيراً ما يقال ان هناك فجوة حقيقية بين هذا العلم كعلم نظري وبين تطبيقاته العملية على أرض الواقع..؟
>> اعتقد ان علماء الاجتماع العرب يعملون باجتهاد ويقدمون أبحاثاً ميدانية مهمة لها علاقة بما يجري في مجتمعاتنا العربية والقضايا والهموم والظواهر الموجودة فيها..والفجوة برأيي موجودة ما بين نتائج البحث العلمي في علم الاجتماع والقرارات التي يتخذها المسؤولون فالتخطيط للمستقبل في كثير من البلدان غير العربية يتم بناء على نتائج أبحاث العلوم الاجتماعية فعلماء الاجتماع في هذه البلدان يقدمون أبحاثهم مع النتائج التي توصلوا اليها لأصحاب القرار وهؤلاء يضعون برامج على أساسها في حين ان هذه الحلقة مفقودة في الوطن العربي لان المسؤولين في كثير من الأحيان لا يهتمون بالابحاث المقدمة ولا بنتائجها التي غالباً لا ترى النور من خلال تجسيدها بسياسات خاصة وان المسؤولين ما زالوا لا يؤمنون إيماناً كافياً بنتائج البحث العلمي في العلوم الاجتماعية لأنهم يعتقدون انهم على معرفة بما يجب ان تكون عليه الأمور دون الحاجة الى علماء الاجتماع.
> وهل أنت متفائل بمستقبل علم الاجتماع..؟
>> نعم أنا متفائل كثيراً والى حد كبير خاصة وان علماء الاجتماع في بعض الدول العربية موجودين في أماكن صنع القرار وبالتالي هم ليسوا مهمشين بالكامل ومكانتهم تختلف بالدرجة من بلد لآخر وفي اعتقادي ان الاهتمام به في المستقبل سيكون أكبر نتيجة التغيير السريع الذي يفتك في مجتمعاتنا العربية والحاجة الى المتخصصين ليساهموا في التنبؤ بما سيطرأ عليها من تبدلات.
> وما هو المطلوب من علم الاجتماع حالياً..؟
>> المطلوب بالدرجة الأولى الاهتمام به كعلم وكتطبيق من قبل أصحاب القرار فلماذا لا يكون مثلاً من بين منشدي الحاكم أو المسؤول متخصصين بعلم الاجتماع الذين يهتمون بعلاقات الناس الاجتماعية واتجاهات التغيير الموجودة، أما ما هو مطلوب من هذا العلم بالتحديد فأنا أرى ان ما يقوم به كاف فعلم الاجتماع عادة يتابع ما يجري في المجتمع يرصده ويحلله وهذه وظيفته باستمرار وهو يدرس سلوك الناس وهو يفعل ذلك ضمن التخصصات الكثيرة التي يضمها.
> هل تعتقدون ان المجتمعات العربية تعيش انقلابات اجتماعية حقيقية؟
>>المجتمعات العربية تعيش حالياً انقلابات اجتماعية كبيرة، وحقيقية ولكن رغم ان طبيعة مجتمعاتنا العربية واحدة الا انه توجد اختلافات فما يحدث في لبنان يختلف عما يحدث في تونس وسورية والسعودية..الخ حيث لكل بلد ظروفه الخاصة ولكن بالعموم من الملفت للانتباه ان درجة الوعي عندالناس قد ازدادت كثيراً وبالتالي فإن تطلعاتهم المادية والمعنوية قد ارتفع سقفها.
> أنت رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع فماذا تحدثنا عنها..؟
>> تأسست الجمعية وبمبادرة من مجموعة من المهتمين في تونس عام 1985 وهي تجتمع في جمعية عمومية كل فترة وعادة تنتخب الجمعية العمومية مجلس الامناء المؤلف من 15 شخصاً وهؤلاء ينتخبون جمعية صغيرة ادارية تؤمّن الجمعية لعلماء الاجتماع اللقاء الدائم عبر النشاطات والندوات التي تقيمها حيث يتبادل هؤلاء النقاش والحوار والأبحاث التي غالباً ما تقوم الجمعية بنشرها ليطلع عليها أكبر عدد ممكن من علماءالاجتماع وتعقد الجمعية ندوتها السنوية في كل مرة في بلد.
> لنتحدث عن العلاقة بين علم الاجتماع والثقافة بصفة عامة..؟
>> الثقافة هي الوعاء الواسع والكبير وعلم الاجتماع في داخل هذا الوعاء لان الثقافة تشكل الفكر بأنواعه والفنون والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ اذاً النشاط الاجتماعي في داخل هذه الدائرة الواسعة، ونحن في علم الاجتماع نهتم بكل شيء له علاقة بالمجتمع والانسان جزء من هذا النشاط الداخل ضمن نطاق النشاط الثقافي وفي علم الاجتماع مدارس منها ما تهتم بالتحليل والتنظير ومنها ما تهتم بالدراسات (الامبيريقية الميدانية) والتي تعد نتائجها معرفة علمية، وجزء كبير منها يدخل في برامج الثقافة بصفه عامة وبالتالي العلاقة بينهما مترابطة لان ما تنتجه الأبحاث الاجتماعية من معرفة يدخل ضمن المنتوج الثقافي لهذا المجتمع أو ذاك...والواقع الثقافي هو مرآة عاكسة للواقع الاجتماعي فلا يمكن ان تكون هناك ثقافة نشيطة وحياة ثقافية غنية في مجتمع متخلف.
-ولكن أليس مطلوباً ان تكون الثقافة فائدة للمجتمع..؟
--تكون الثقافة فائدة للمجتمع عندما يكون للمثقف مكانة عالية ومحترمة وللأسف فإن النخبة المثقفة في مجتمعاتنا العربية مهمشة في أغلب الأحيان وليس لها صوت في اتخاذ القرارات رغم اختلاف درجة التقدير لها بين بلد وآخر.
> ولكن ألا تعتقد أن المثقف العربي يتحمل مسؤولية تهميشه في بعض الأحيان؟
>> نعم في ظل وجود أنواع لهذا المثقف والمثقف هو شخص لا يرتبط بالسلطة واذا ارتبط بها تخلى فيها عن صفته كمثقف وبالتالي هناك مثقفون يخدمون لدى السلطة ويجتهدون في تلميع صورة الحاكم بغض النظر عما يكون في الوقت الذي يجب ان يكون فيه المثقف الحقيقي مستقلاً حراً وان كان كذلك فهو غير مرحب به فيترك ويهمش وأحياناً يعاقب ويضطهد وقد يكفر دينياً أو سياسياً وقد يوضع في السجن وهذا ما يجعل هذه النوعية تهرب الى الخارج.
> وبرأيك لماذا لاتستوعب السلطة العربية المثقف الحر..؟
>> لانها سلطة ديكتاتورية في معظم الأحيان وهي تعتقد أنها تملك الحقيقة فتقفل باب الاجتهاد وتضيق الخناق على النشاط الذهني والفكري وهذا ما ينعكس سلباً على كل مجالات الحياة الثقافية التي تحتاج للحرية والانفتاح والآراء المتعددة والتنافس مع الآخر.
> وما عيب مثقفنا العربي...؟
>> يخاف المثقف العربي في بعض الأحيان أكثر من اللازم من السلطة ويتوهم العقاب لأي رأي مخالف له في حين لاتكون هذه المخاوف في محلها على أرض الواقع..فأنا مثلاً أصرح في بعض الأحيان ببعض الآراء المخالفة للسلطة ويكون زملائي المثقفون أول من ينتقدني على ذلك خوفا علي من العقاب لكنني مع ذلك لم أتعرض لأي عقاب من السلطة من هنا أرى ان المثقف العربي قد يعيش وهم الخوف أكثر من اللازم.
> وكما هو موجود نمط تقليدي للحياة الاجتماعية هناك نمط تقليدي للثقافة أليس كذلك..؟
>> نعم فالحياة الثقافية إما ان تكون نشيطة وهذا يعني ان المجتمع لا يعيش حالة سكون وانما حالة حراك أو ان يكون في حالة سكون وهذا يعني غياباً للحركة النشيطة للثقافة وبالتالي فإن الحياة الثقافية في حالتها الأولى تطرح قضايا ساخنة والكتّاب يكتبون موضوعات قد لا تخطر على بال ولا تخضع لسيف الرقيب والرقابة فتسود الآراء المتعددة والمختلفة ليبقى الاحتكام لما يقدمه كل واحد من براهين بعيداً عن الحساسيات والاصطدام مع الرأي الآخر.
> ولكن على أرض الواقع ماهو سائد هو تغيب الرأي الآخر والاصطدام مع كل ما يختلف معه فكيف تبرر ذلك...؟
>> للأسف السبب يكمن في طبيعة التربية التي يتلقاها الانسان العربي وطبيعة التنشئة الاجتماعية القائمة على أحادية السلطة فالأب في الأسرة هو صاحب السلطة وكل أفراد أسرة يجب ان يخضعوا لهذه السلطة ولا مجال للاختلاف معه وبالتالي لايربى طفلنا على ان يكون له رأيه المستقل فرأيه دائماً يجب ان يكون تابعاً للكبار في حين لو ربينا طفلنا على ان يكون له رأي مستقل وخاص يستخدم في المستقبل حينما يكبر الآراء الخاصة لمن حوله وبالتالي أرى ان احترام رأي الذي اختلف معه يحتاج لتربية منذ الصغر وهذا يندرج بصورة أخرى في مجال السياسة ومجالات أخرى.
> هذه الأسباب قد تقودنا أيضاً الى ما يسمى بالتطرف الديني..؟
>> نعم ولكن هذا التطرف الذي نشاهده في وقتنا الحالي وبهذه القوة أمر جديد وأحد أهم أسبابه ضيق الحريات الفكرية فعندما تصبح مساحة الحركة ضيقة يلجأ الانسان الى الدين الذي يفسره وفق المزاج وهنا يحدث التطرف خاصة وان نصوص الدين تحتمل تفسيرات متعددة وفي ظل عدم وجود حرية الرأي يجتهد المتطرفون لتطوير التفسيرات حسب أمزجتهم والحقيقة الوحيدة هي التي يقرونها ويصبح كل من يخالفها شخصاً يجب ان يحارب.
> تكثر الأصوات التي تنادي بالحفاظ علىالهوية العربية بالعموم والهوية الثقافية بشكل خاص فهل هناك خطر حقيقي يتهدد هويتنا..؟
>> لا أعتقد بوجود خطر حقيقي على الهوية العربية لأنها هوية قوية لها جذورها التاريخية الطويلة والأصوات التي تظهر محذرة من خطر يهدد الهوية العربية انما ترتفع بناء على ملاحظات محددة، على بعض الأمور الصغيرة والمحدودة..وخاصة ما يتعلق منها بثقافة الشباب السائدة وهي ثقافة يخاف كبار السن منا ان ينجروا وراء الشباب وأعتقد أنها ثقافة مادية وليس لها علاقة بالعمق حيث لا أرى تفريطاً في انتمائنا العربي فالهوية العربية ما زالت هي السائدة وما زالت العادات والتقاليد تحكمنا وبالتالي لا أرى مبرراً للمخاوف فالثقافات تخدم بعضها وتستعير من بعضها ولا أؤمن بأن ثقافة من ثقافات العالم هي التي ستسود وربما الكثيرون يخالفونني الرأي.
> برأيك ما هي التطورات التي خضع لها التفكير العربي..؟
>> خضع التفكير العربي للعديد من التطورات ومر بمراحل متعددة عبر التاريخ الحديث وبالتالي فإن هذا التفكير في مرحلة الاستعمار وما بعده كانت تعوزه العقلانية والايمان الشديد بالعلم لذلك كانت التفسيرات التي تطرح بعيدة عن الواقع الذي يحياه العرب في تلك المرحلة ولكن شيئاً فشيئاً ومع انتشار التعليم أدى ذلك الى إحداث تغيير ولكن تبقى الاشكالية في نمط التفكير العربي في ذلك الصراع الدائم بين الاصالة والحداثة فالاصالة مطلب وحاجة ويجب السعي لتحقيقها في كل المجالات ومن يخالف ذلك يتهم بأنه صار غربي التفكير وتابعاً للفكر الآخر وبالتالي هذا الصراع أثر في نمط التفكير العربي الذي بحث عن كل ما جعله يرتد الى الماضي وهذا ما جعل مكتباتنا تعج بالكتب التي تتناول موضوعات بعيدة عن العصر الحالي وهي كتب تلقى رواجاً كبيراً وهي غالباً كتب تافهة تسطح التفكير العربي.
> وكيف تفسر انجذاب الناس الى هذه النوعية من الكتب؟
>> لان نمط التفكير العربي يقدم على استسهال كل ما يقع بين الايادي والبحث عما لا يحتاج لتفكير وبحث وتدقيق ولا تثير مشاكل في حين يبتعد عن القضايا التي تحتاج لفهم وتحليل، وهذا سببه التخلف الذي عاشه الانسان العربي عبر عصور متعددة مع الاشارة الى ان العرب عرفوا ازدهاراً للفكر والتفكير والنشاط العلمي ولكن مراحل السبات والتخلف كثيرة وطيلة نتيجة الاستعمار وبعد خروجه دخلت مجتمعاتنا مرحلة الاستقلال بكم ضعيف من المتعلمين وعندما انتشرالتعليم الحديث والمدارس والجامعات لم يبنِ السياسيون العرب نظماً مفتوحة تبحث عن العقل البحثي.
أمينة عباس
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد