فؤاد شربجي مدير عام فضائية "الدنيا" في حوارٍ مع "الجمل":

14-11-2007

فؤاد شربجي مدير عام فضائية "الدنيا" في حوارٍ مع "الجمل":

الجمل– نضال حيدر:  يُمايز ما بين إعلامٍ وظيفته "الترويج" لسياسات الحكومة، وآخر اتخذ لنفسهِ وظيفةَ السعي لتلبية احتياجات الشعب الإعلامية... ينحاز إلى النمط الثاني، بل يتبناه ويسعى – من موقعه – لبلورته بصورة فعالة أكثر على أرض الواقع....وهو الإعلامي صاحب التجربة المميزة على أكثر من صعيد..إنه الإعلامي السوري د.فؤاد شربجي مدير عام قناة "الدنيا" الذي التقيناه في هذا الحوار:
- "الدنيا" أول تلفزيون سوري خاص...ماذا يثير لديك هذا الشعور؟!...
* هي في الحقيقة أول محطة عربية تنطلق من المنطقة الحرة في سورية...وهذا يثيرُ لديَّ شعوراً بأننا سنبدأ في تقديم إعلامٍ مرئي مستقل "غير حكومي" يعتمد البحث عن المعلومة وعن الخبر..وعن الحقيقة، دون التزامٍ بمقتضيات الحكومة أو موانعها..لأن وظيفة الإعلام الحكومي الترويج للسياسات الحكومية.. ونحن في واقع الأمر تتاح لنا الفرصة لنقدِّمَ إعلاماً بعيداً عن الترويج لأي سياسة محددة... ونحن بدأنا بالفعل نتلمسُ أسلوبيتنا الخاصة بنا، وإعداد الكوادر الكفؤة ، وأن نبتعد عن المخاوف التي قد يثيرها البعض...
- ولكن إلى أي حدٍّ ستكون "الدنيا" مستقلة؟!... ومن ثمَّ ما مفهوم الاستقلالية لديكم في إدارة القناة؟!...
* الاستقلالية في مفهومنا تعني أننا سنعمل على إنجاز رؤيةٍ إعلامية ترتبط بالحدث...بالخبر...بتقديم كل احتياجات المواطن العربي؛ سواء تلك المتعلقة بالمعرفة أو بمتابعة الأخبار ومتابعة الحقيقة بكل تجلياتها...الاستقلالية بالنسبة لنا هي أننا نمثل الجمهور العربي.. الشعب العربي..في حين أن الإعلام الحكومي يمثل الحكومة...
- لكن الملاحظ أن الإعلام الحكومي يصر على تقديم نفسه كممثلٍ للناس أيضاً!!...
* أحد اللبوسات التي يرتديها أي إعلامٍ حكومي في أي بلدٍ عربي هو الحديث عن الناس.. فالحكومة في مصر تتكلم عن الناس؛ وهي تعتبر نفسها ممثلةً لهم، والحكومة في الأردن كذلك...وهي على هذا النمط في أي مكان...لكن الحقيقة غير ذلك!!... الإعلام الحكومي يمثل الحكومة أينما وجِدْ....
- أنت إذاً تمايز ما بينَ إعلامٍ "مستقل" ولن أقول "خاص"..و"إعلامٍ حكومي" موسوم بأنه "عام"؟!....
* أمايز ما بين إعلامٍ وظيفته "الترويج" لسياسات الحكومة، وإعلامٍ اتخذ لنفسهِ وظيفةَ السعي لتلبية احتياجات الشعب الإعلامية...والإعلام "المستقل" كما أراه هو الإعلام القادر على تلبية الاحتياجات الإعلامية للشعب، من حيث المعرفة ومتابعة الحدث وكشف الفساد؛ والاطلاع على الثقافات الحديثة والعصرية، ومن حيث عدم تلقيه للغش الثقافي والإعلامي...
- عند الحديث عن الإعلام، يجري ذلك وكأن هذا الإعلام "كتلة واحدة متجانسة" على عكس ما هو موجود في الواقع...هل أنت مثلاً مع مصطلح "الإعلام الخاص"؟!... ألا يمكن أن نقول "إعلام مستقل"؟!..سيما أنكم في "الدنيا" طرحتم شعار القناة " صوت الناس...وصورة الحياة"...واستمراراً...إلى أي مدى تتوقعون أن يتطابق هذا الشعار ، مع واقع العمل اليومي"المتعب كما يبدو" لديكم؟!...
* حتى الآن..لكي تكون "صوت الناس" فهو موضوعٌ جوهري.. فاليوم قضايا الشعب العربي؛ في كل البلاد العربية، تتمثل في الوقوف ضد ما يتهدد حاضر ومستقبل هذا الشعب.. وبرأيي نحن في "الدنيا" سنكون "صوت الناس" عندما نقدم الحقيقة التي تواجه كل ما يتهدد حاضرنا ومستقبلنا.. ومن المخاطر التي تتهددنا الفساد والهدر وقلة الحرية، أو بعبارة أدق "التضييق على الحرية"...ومن المخاطر التي تتهددنا بشكل كبيرٍ جداً: إسرائيل وسياسة الهيمنة الأمريكية، وكذلك الكثير من الأنظمة العربية السائرة في رِكاب السياسة الأمريكية..من هنا ولكي نكون "صوت الناس"...سنعمل على بلورة إعلامٍ يلبي توقَ الناس لمعرفة آلية الفساد ليتسنى لهم محاربته...لمعرفة آلية السياسة الأمريكية المهيمنة للوقوف ضدها...لمعرفة آلية السيطرة الاستعمارية المرتدية أرديةً كثيرة من أجل ممانعتها...سنكون "صوت الناس" عندما ندافع عن الحاضر والمستقبل، وعندما نقف ضد الفساد، وضد منع الحريات وتقييدها، وضد السياسة الأمريكية وبالطبع ضد إسرائيل... من هنا سنكون "صوت الناس"...ولن نحابي أحداً..ولن نمالئ أحداً...وهذا الهدف ليس سهلاً..ويلزمه "دربة" وكوادر وشجاعة...وذلك ليس بالأمر السهل في هذا العالم...ونحن حقيقةً ومنذ أن بدأنا الطريق، اتجهنا إلى التأهيل، وهناك كوادر تستجيب وهي "غير مغلقة على الرأي الآخر" وسياستنا في المحطة يمكن وصفها بـ"الاصطفاء الطبيعي" فمن يستطيع أن يثبت قدرةً على أن يكون فعالاً ومساهماً في إعلامٍ مستقلٍ ينتمي للناس، فهو سيكون جزءاً من المؤسسة وسيستمر معنا، ومن يفشل سيرحل....
- فيما يخص تأهيل الكوادر، إلى أين وصلتم في التأهيل؟!....
* في مجال الكوادر البرامجية؛ لدينا كوادر معقولة بل جيدة، وفي مجالات الثقافة والمجتمع والاقتصاد والصحة؛ لدينا كوادر محترمة، وفي مجال التغطيات الميدانية لدينا كوادر أصبحت بمستوى جيد...وفي الشأن الإخباري والسياسي قطعنا شوطاً هاماً في تلمُّس أسلوبية خاصة بنا للوصول إلى الخبر المستقل وإلى التقرير المستقل... وأستطيع القول إننا قطعنا شوطاً متميزاً ومتقدماً بكل المقاييس....كما استفدنا من خبرات متعددة ومتنوعة، لكنّ أية خبرة حاولت أن تؤطرنا في إطار مؤسسة ما، تفلّتنا منها وتحررنا من وصايتها، فنحن لن نكون "العربية" أو "الجزيرة" أو "التلفزيون السوري" ولن نكون كذلك مزيجاً منها... نحن نحاول أن نقدم أسلوبيتنا التي ستوصلنا بالضرورة إلى الناس، ومن هنا المعيار الأساسي في استمرار أي من الكوادر أو عدم استمرارها، لأننا مصرون على تقديم إعلامٍ شعبي صادق مستقل متحرر وغير خاضع لأي سياسات...
- بالنظر إلى هذا الواقع، هل أنت راضٍ عما وصلتم إليه؟!...
* أعتقد أننا في الظرف الذي نمر به، استطعنا أن نحقق شيئاً معقولاً جداً، وأنا مرتاح للقادم...
- متى نطمئن محبي "الدنيا" الذين رأوا أنها كسرت ذلك النمط التقليدي، ودعنا نسميه "الجمود" أو الحالة الواحدة من النمط الإعلامي السائد... متى سنزف خبر الانتقال إلى مرحلة البث الأساسي وما هي ملامحه؟!...
* البث الأساسي سيكون مع انطلاقة البرامج الإخبارية، وذلك مقدر أن يكون في بداية العام"2008" والسبب في ذلك تقني... فأجهزة الأخبار الحديثة لم تستكمل لدينا، ونحن اعتمدنا نظام أخبار حديث؛ ولم نقبل بأن نأتي بأجهزة مهربة أو مستعملة، بل استقدمنا أجهزة من أحدث طراز، ومن أحدث معايير الأداء، لذلك نحن اضطررنا للتأخر، وسيكون موعد بثنا الأساسي هو انطلاق نشرة الأخبار، حيث سيكون لدينا خمس نشرات إخبارية يومية وفترتين.. وستشكل الأخبار حوالي "35%" من الخارطة البرامجية، إضافةً إلى نصيب وافر من الدراما والأفلام والتغطيات الرياضية، ونحن نطمح لأن نعكس الحراك الشعبي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي، وكذلك توق الشعب إلى التحرر والطمأنينة والأمان..
- تمايز ما بين إعلامٍ حكومي "يبروظ" الحكومة، وما بين إعلامٍ يسعى لنقل الواقع "دون رتوش"...إلى أي حدٍّ تستطيع "الدنيا" اليوم أن تكون أمينةً في نقل الواقع؟!...
* نحن اليوم نفعل ذلك...والمثال الذي سأسوقه هو من مهرجان دمشق السينمائي...هذا المهرجان الذي من أحد أهدافه أن يعكس حالة ثقافية سينمائية...ولكن من أهدافه أيضاً أن يقول إن الحكومة تقوم بفعاليات...نحن انتقدنا كثيراً من جوانب المهرجان في إطار تغطياتنا بشكل واضح وصريح، وفي نفس الوقت سلطنا الضوء على الجوانب الإيجابية، ونحن من كتبنا على الشاشة في لقاء مدير المهرجان الأستاذ محمد الأحمد أنه "يفند آراء الدنيا"....ليس هو من قالها، بل نحن الذين قلناها...وبذلك أوضحنا أننا لسنا معقدين تجاه الحكومة... نحن نريد تقديم الصورة الحقيقية...وعندما تقدم الحكومة شيئاً جيداً سنقول عنه بأنه جيد، ولكن لسنا ملزمين بـ"بروظة" الحكومة أو تلميعها...سنقدم صور الواقع....
- ماذا تعلمت من الماضي على الصعيد المهني؟!..
* في التلفزيون السوري تعلمت الكثير من الأشياء، خاصة في مجال الإدارة...أهمها الصبر، وكذلك رأيت بأم عيني كيف يمكن أن يكون "اللعب الإداري" وكيف من الممكن أن يقوض الكثير من الطموحات والآمال...وأنا أقول أن هذا السلوك هو السبب في تخلف الإعلام السوري، وليس تسلط السلطة كما يزعم البعض... وأنا هنا لا أدافع عن أحد ولا أحابي أحداً..
لقد كانت لدي في التلفزيون السوري الحرية لأن أقدم أشياء كثيرة، لكن "اللعب الإداري" و"المكر الإداري" كان يجهض كل تحرك يقوم به "زيد" أو "عمرو"...
- أراك ذهبتَ إلى تجربتك في التلفزيون السوري، ولم تتطرق إلى تجربتك مع قناة الجزيرة!!...
* أسستُ مكتب الجزيرة في سورية في فترة أصفها بالحرجة جداً، ما قبل اغتيال الحريري إلى سنتين لاحقتين..حينها كانت سورية تتعرض للحصار والضغوط والأحداث المؤلمة، ونحن خلال هاتين السنتين؛ قمنا بتغطيات فعالة جداً للجزيرة،  الجزيرة كانت بالنسبة لي تجربة غنية جداً، لأنها قناة متقدمة وغنية وتمتلك إمكانات كبيرة جداً وتعتمد أسلوبية عصرية، تعلمت منها ومن أخطائها ومن بعض مساراتها التي لا أوافق عليها الشيء الكثير...
- أنت لا توافق عليها..لكنك تستطيع التوافق معها!!...
* نعم...لقد اكتشفت أثناء عملي مع الجزيرة كيف يمكن أن يكون لبعض السياسات الإعلامية أكثر من غطاء...وكيف يمكن أن يكون للإتقان الإعلامي الإمكانية لأن يصل لأي مشاهد في أي فكرة يريدها، وهذا خطير...وفي الحقيقة، تجربتي في الجزيرة أعتز بها وتعلمت منها الشيء الكثير، وهي من الأساسات التي بنيت عليها كثيراً من قناعاتي، والتي أفتخر بها، ذلك أن صدى ما قمنا به في مكتب الجزيرة بدمشق كان ممتازاً، ولا أغالي إذا قلت لك إن المكتب في تلك الفترة كان بمثابة التلفزيون المستقل القائم بكل تفاصيله...
- لو خُيّرتَ اليوم أن تأخذ من "الجزيرة" ثلاثة أشياء فماذا تأخذ؟!...
* نظام الأخبار أولاً، والتنوع العربي للكوادر الموجودة ثانياً، وثالثاً..."الحنكة" الإعلامية أو..."الملعنة"...
* أعرف أنك تكتب يومياً...ولكن دعني أسألك: أين توارى فؤاد شربجي الكاتب؟!.. وما هي الفائدة من كتابة لا تصل إلى الناس؟!...
- الآن تجاوزت منتصف عمل درامي أكتبه، كذلك كتبت عملاً درامياً قدم على شاشة "الدنيا" في رمضان المنصرم، وهو " دعاء أبو درويش"...
* هل أنت راضٍ عن هذا النتاج الذي لقي بعض الانتقادات؟!...
- هذا النتاج كان المطلوب منه تقديم صورة شخص مسكين متضايق، يتوجه لشيء علوي بحسٍّ شعبي...وقد حاولت أن أُخرِجَ الموضوع من "الكهنوت" إلى "النزق الشعبي" فمثلاً: نريد الماء والكهرباء والتعليم، فجاءت هذه المتطلبات المشروعة بمزيج من الدراما والإعلام والحرية والتحرر، فانتقدنا الحكومة وتحدثنا عن الفساد والمازوت، وأمريكا وإسرائيل...وكان الأمر مقبولاً، وما وصلنا من صدى لهذا العمل كان مطمئناً ومحفزاً...وأقول لك: ربما أخرتني المسؤوليات والأعباء الإدارية في "الدنيا" عن التعاطي مع الدراما بشكل أفضل، لكنني أؤكد مرةً أخرى بأنني كاتب في الأساس...كاتب أولاً وأخيراً...
- هل ستُبقي "الدنيا" الباب "موارباً" أو "مفتوحاً" أمام الكوادر التي ترغب بالعمل فيها؟!...
* الباب مفتوحٌ دائماً، سواء لمن يريد أن ينضوي بالداخل، أو لمن يريد أن يتعاون معنا من الخارج، وهي دعوة مفتوحة...نحن منفتحون على كل من يريد أن يساهم بصورة فعالة في "الدنيا"...
- المواقع الإلكترونية السورية باتت تشكّل اليوم حضوراً فعالاً على الساحة الإعلامية السورية. ماذا تقول عن التجربة في هذا المجال؟!...
* دعني أبدأ من موقع "الجمل" فحين أُعبِّر عن إعجابي بهذا الموقع فذلك لأنني أشعر بأنه يشبهني، وأتمنى أن أشبهه....فهو موقعٌ مستقل وغني، يعرف تماماً كيف يخاطب إحساس الناس، ويعجبني كثيراً الزميل نبيل صالح في "شغبه" وأتمنى بل أحرص على أن يتحول الشباب لدينا في "الدنيا" إلى "مشاغبين"...وهناك كثير من نقاط التلاقي الثقافي والفكري بيننا.
وأود الإشارة إلى تميز "الجمل" في جانب الدراسات والترجمات التي يقدمها لقراءه، ونحن نحرص على الاستفادة منها والإشارة إليها في "الدنيا"...
وما أحب قوله أخيراً هو أنه آن لنا أن ننجز في مجالي المواقع الالكترونية ومحطات التلفزة وكذلك الصحف، إعلاماً متقدماً، وأعني بالمتقدم أن يكون ملتزماً بمستقبل الناس والحياة، بطمأنينة الناس والحياة، وسورية تستحق ذلك، وكوادرها قادرة على ذلك بامتياز...

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...