سوق الحرامية: حكاية المكان الذي يؤمه الفقراء للبيع والشراء
الجمل– نضال حيدر: إنه «سوق البحصة» الواقع خلف جسر الثورة، والشهير بتسمية مجحفة التصقت به دون وجه حق: «سوق الحرامية»... هذه التسمية التي تحيل كل مرتاد لهذا المكان «العجائبي» إلى «مشبوه»!!...
«سوق الحرامية»!!... ومنذ متى وللحرامية سوقهم هكذا جهاراً نهاراً؟!.... وأين؟!. في قلب المدينة!!... ومن الذي أطلق الاسم الذي بات متداولاً دون أدنى خجل أو احترام للمدينة العريقة وسكانها؟!..
في هذا السوق تستطيع أن تجد كل ما تبتغيه؛ وبأسعار معقولة تناسب ذوي الدخل «المهدود» بدءاً من الأثاث المنزلي المستعمل وحتى الجديد، وصولاً إلى الخضار والفواكه وما بينهما من سلع ومواد ضرورية... والعبارة التي ترافقك أينما تجولت «اللي عندو غرض للبيع» والشرط الذي يحكم عملية بيع وشراء الغرض المستعمل هي غالباً «على بردى» أي أن القطعة التي تباع وفق هذا الاتفاق هي غير مكفولة...
في مكان ما من السوق؛ ينتشر العديد من بائعي الأدوات الكهربائية المستعملة والجديدة، وكذلك الموبايلات المستعملة والجديدة، أولئك يتعرضون بين الفينة والأخرى لـ «كبسة مفاجئة» تقوم به دوريات الشرطة، حينها تجد الناس يتراكضون في كل اتجاه لتعود الأمور إلى طبيعتها بعد انصراف الدورية...
لباعة الخضار والفواكه تواجدهم أيضاً في حيز من السوق، الذي يغلب عليه طابع الإهمال وانعدام النظافة. والملفت أن مرتادي السوق هم من مختلف الشرائح الاجتماعية، وإن غلب وجود الشريحة الأكثر فقراً وإدقاعاً في هذا المكان، والسبب كما هو معلوم الأسعار المنخفضة نسبياً ولو على حساب جودة السلعة المشتراة...
عالمٌ آخر....
حين تدخل السوق تشعر كأنك دخلت عالماً آخر لا ينتمي إلى فضاء المدينة الأسطورية «دمشق» التي تضم هذا السوق بين جنباتها.... أحاسيس مختلفة تنتابك كما يقول «أحمد» أحد العاملين في بيع الألبسة المستعملة، والذي بدأت علاقته مع هذه المهنة منذ سنوات.. وهو الذي اضطر لمغادرة مدينته الوادعة؛ قاصداً العاصمة بحثاً عن مورد رزق يكفل له تأمين بناء منزل والاقتران بشريكة العمر... يقول أحمد: لو وجدت عملاً في مدينتي لما أتيت إلى هنا، الظروف هنا مرهقة جداً، وكأننا «رضينا بالهم... والهم ما رضي فينا»... أنا والكثيرين من العاملين في السوق لا نريد سوى تأمين مورد يساعدنا على حياة كريمة... حتى هذا الحلم «البسيط» يقوض أحياناً عبر حملات المصادرة التي تقوم بها دوريات الشرطة!!... ويتساءل أحمد: لماذا لا تنظم المحافظة وضع السوق وتفرض الرسوم التي تريد، بدلاً من ترك الوضع على حاله؟!.... أليس في ذلك حلاً معقولاً للجميع؟!...
لسنا لصوصاً....
فؤاد الذي يعمل في بيع الموبايلات المستعملة يقول: لسنا لصوصاً.. قد يتواجد بعض «ضعاف النفوس» الذين «لا يحللون ولا يحرمون» لكن.. ما هو ذنبنا نحن «المتعيشين على باب الله»؟!... لدينا أسر تنتظر عودتنا بالخبز ومستلزمات العيش!!..لماذا يصر البعض على تقديمنا بهذه الصورة المشوهة وغير المنصفة؟!...
السوق شهد زيادة في عدد العاملين فيه على مساحته الضيقة أصلاً على شاغليها، وذلك بعد أن أتمت المحافظة منذ مدة هدم سوق القرماني ومحيطه وتحويله إلى حديقة، الأمر الذي أدى إلى انتقال كثير من العاملين سابقاً في القرماني وجواره إلى هذا المكان، حيث الفوضى سيدة الموقف، وكذلك القمامة المنتشرة في كل مكان!!...
تغادر المكان وشعور واحد يصاحبك: الإحساس بالقهر وخيبة الأمل، لتواجد هذه المجموعات الكبيرة من العاملين في هذا السوق، الذي يعيشون حياتهم «يوماً بيوم» وإحساس واحد ووحيد يرافقهم في حلهم وترحالهم: الانسحاق!!.. ترى هل من حل يلوح في الآفاق؛ يحيل حياة هؤلاء إلى أمان واطمئنان؟!... أليس بمقدور المحافظة تنظيم وضع هذا السوق بشاغليه وفق أسس معقولة ومقبولة وحضارية؟!.... وبذلك يستطيع المواطن أن يرتاد سوقاً تتوافر فيه الشروط الأقرب إلى المثالية، والتي تبعده عن دائرة الشبهة وحالات النصب والاحتيال والاستغلال؟!... وإن تعذر ذلك...أليس من الممكن إيجاد مساحة أخرى في مكان آخر، تكفل للجميع حياةً أكثر استقراراً؟!....
الجمل
إضافة تعليق جديد