فندق للأوقاف يرمم ويدعّم قبل أن يسقط حفاظاً على مصالح المستثمر
هو من أشهر معالم حلب، وفي أواخر2012 تعرض الفندق السياحي في حلب للتدمير نتيجة تفجيره بثلاث سيارات مفخخة أخرجته من الخدمة.
الفندق لمديرية أوقاف حلب، ومستثمر من قبل شركة خاصة، واليوم تتم أعمال التدعيم الفنية والأساسية من دون تصديق واعتماد من نقابة المهندسين.
بعد تحرير مدينة حلب كان أمام مديرية الأوقاف أن تنفذ القانون خاصة المادة 537 من القانون المدني والتي تنص: «في حال هلاك المأجور فإن العقد يفسخ تلقائياً»، وهذا الأمر شكّل هاجساً كبيراً للمئات من المستأجرين أملاك الأوقاف خوفاً من فسخ عقودهم الموقعة منذ 30-50 عاما..ً ومن ضمن هذه العقارات كان الفندق السياحي، وكانت هناك دراسة واعدة لمشروع تشييد مكان الفندق السياحي بعد إزالته لأن الأرض المشيد عليها الفندق تعود ملكيتها أيضاً للأوقاف، وعليه.. سعت الشركة المستثمرة للحفاظ على حقوقها بإجراء دراسة تدعيمية وتنفيذها على عدة مراحل للفندق وصولاً إلى إعادة ترميمه وانطلاقه من جديد، حتى ولو كان على حساب أرواح المواطنين.
انتظار زاد الطين بلة
بعد انقشاع غبار التفجير الإرهابي قامت لجنة السلامة العامة بالكشف على الفندق في يوم التفجير ولحظت فيه (وجود تصدعات وانهيارات في بعض العناصر الحاملة وأوصت بإجراء التدعيم الفوري والمؤقت للمبنى وقطع السير في محيط الفندق وإزالة الأجزاء المتكسرة وإجراء التدعيم النهائي للعناصر المتصدعة وفق دراسة هندسية) وتمت إحالة تقرير اللجنة أصولاً إلى مديرية الأوقاف لتنفيذ مضمونه بموجب كتاب محافظ حلب في تاريخ 9/10/2012، وبعد مرور خمس سنوات قامت لجنة السلامة العامة بالكشف على المبنى وخرجوا بتقرير رقمه 65، بعدم تنفيذ توصيات تقرير لجنة السلامة العامة الصادر بتاريخ 3/10/2012 بشكل كامل شوهد وجود تصدعات كبيرة في العمود الركني وعدة أعمدة طرفية على الواجهة الجنوبية في الطابق الأرضي، وتصدع في بعض الأعمدة الداخلية والبلاطات في الطابق الأرضي، وظهور حديد التسليح في معظم بلاطات الشرفات على الواجهة الجنوبية، و وجود شق عرضي على الواجهة الحجرية الحاملة الشمالية نتيجة انهيار الجدار الحجري الحامل لها في الأول بشكل كامل وعدم وجود عناصر تدعيمية مؤقتة، وانهيار أجزاء من بلاطات سقف القبو، ومعظم بلاطات سقف الطابق الأرضي، وبعض الجسور في الطابق الأرضي وعلى الواجهة الجنوبية وتصدعات وتشققات متنوعة في الجدران والعناصر الحاملة للبناء، ما أدى إلى تفاقم الأضرار الإنشائية بسبب تأخر التدعيم إضافة إلى تعرض المبنى مدة خمس سنوات للرياح وكل العوامل الجوية ومياه الأمطار.
الهدم والإزالة
وخلص تقرير اللجنة بعد الكشف الثاني على مبنى الفندق إلى إجراء التدعيم الفوري والمؤقت بطريقة فنية، وإزالة الأجزاء العالقة والمتكسرة وترحيل الأنقاض واتخاذ الإجراءات والاحتياطات الفنية وإجراءات السلامة المهنية خلال تنفيذ الأعمال، والتقييم الإنشائي لجميع العناصر الإنشائية للبناء، وإجراء التدعيم الفني اللازم لها أو هدم البناء وإعادة بنائه وفقاً لنتائج التقييم الإنشائي والجدوى الاقتصادية وبما يتوافق مع القوانين والأنظمة النافذة حسب الأصول، وأن تتم جميع الأعمال المذكورة أعلاه وفق دراسة فنية تدعيمية من قبل جهة هندسية مختصة وتعتمد وتصدق أصولاً.
استحالة إجراء الدراسة التدعيمية
في تاريخ 28/5/2017 طلبت مديرية الأوقاف في حلب تشكيل لجنة من المهندسين أصحاب المكاتب الخاصة في شعبة المكاتب بفرع نقابة المهندسين بحلب لإجراء الكشف الفني الهندسي اللازم من أجل تقديم الدراسة التدعيمية الإسعافية اللازمة، ونتيجة الكشف تبين للجنة المشكلة لهذه الغاية: (عدم توافر إضبارة هندسية ووثائق خاصة بالمبنى أو أي مخططات هندسية معمارية أو إنشائية وعدم إمكانية الوصول والكشف على الوضع الإنشائي المتضرر لطابق القبو والأساسات وتحديد شدة الضرر اللاحق بهم حالياً، وعدم كفاية التدعيم المؤقت والمنفذ سابقاً والضعف الظاهر على قدرة تحول الحمولات الواردة على عناصره الحالية، ولوحظت زيادة في شدة الضرر على الجملة الإنشائية والعناصر الإنشائية المتضررة ضمن الطابق الأرضي الناتجة عن شدة الانفجار في حينه، واستمرار وضع هذه العناصر المنهارة عدة سنوات ماضية ما سبب إعادة توزيع الأحمال وتطور الشقوق وزيادة انهيار وتصدع العناصر الحاملة وبدء ظهور التعب والعيوب، وتم لحظ انفصال تام بين الجوائز والأعمدة وانهيار كامل للعقدة البيتونية وانسحاق النواة البيتونية والضرر الأكبر يقع في بلاطات سقف الطابق الأرضي والأول).
وعليه، خلصت اللجنة إلى ما يلي: «ضمن الظروف الحالية وحسب الجملة الإنشائية للتصميم الأساسي له وشدة الضرر اللاحق به، ولأغلب العناصر الإنشائية الحاملة وخاصة في الطابق الأول والأرضي المؤثرة والناتجة عن الأوزان والحمولات الواردة عليها من الطوابق العلوية المتكررة، وكما ورد في التوصيف والتوثيق ضمن التقرير، وعليه نجد صعوبة بالغة في إجراء الدراسة التدعيمية الإسعافية اللازمة للمبنى».
« سوبرمان» يفعلها
بعد اعتذار اللجنة المشكلة من شعبة المكاتب في نقابة المهندسين عن إجراء الدراسة التدعيمية وتالياً عن تنفيذ أعمال التدعيم، باشرت شركة هندسية مع بداية العام 2018 أعمال التدعيم الفني وأنهت المرحلة الأولى من التدعيم، وستستكمل الأعمال خلال العام 2019 وهذا يقودنا إلى السؤال الذي نحاول الحصول على إجابته من خلال سطور هذا التحقيق (على ماذا اعتمدت الشركة الهندسية الدارسة التي قامت مؤخراً بأعمال التدعيم المؤقت والنهائي، إذا لم تكن هناك إمكانية للوصول والكشف عن الوضع الإنشائي المتضرر للقبو والأساسات بسبب عدم إزالة الأنقاض وبسبب الخطورة الظاهرة خاصة بعد تعرض المبنى للعوامل الجوية طوال خمس سنوات؟وهل التدعيم المؤقت الذي تم تنفيذه خلال عام 2018 كافٍ للانتقال إلى مرحلة التدعيم النهائي وإعادة تأهيله ليصار إلى عودة استثمار الفندق)؟، مع العلم أنه لم يجرؤ أي مهندس أو أي جهة على النزول إلى القبو والكشف الفني على الأساسات فهل استعانت الشركة الدارسة بسوبرمان ليقوم بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر؟من دون تدعيم أو تصديقالتقينا رئيس شعبة المكاتب في فرع نقابة المهندسين في حلب- المهندس جمال الدين ناجح للحصول على نسخة من الدراسة الفنية التدعيمية لمبنى الفندق السياحي فأجاب: حسب نظام العمل لا يتم تنفيذ أي دراسة هندسية (تشييد، تدعيم، ترميم…. إلخ) أعدها أي مكتب إلا بعد تدقيق ودراسة من شعبة المكاتب، وفيما يخص الدراسة التدعيمية لمبنى الفندق السياحي التي تم تنفيذها لم تقم الجهة الدارسة بتقديم الدراسة التدعيمية لشعبة المكاتب في النقابة لدراستها وتدقيقها وتصديقها واعتمادها أصولاً.
غض الطرف
بعد الانتهاء من تقرير لجنة السلامة العامة تمت إحالته إلى مجلس مدينة حلب عن طريق المحافظ في تاريخ 9/10/2012 لتنفيذ مضمونه بالتنسيق مع مديرية أوقاف حلب، لكن مجلس مدينة حلب والمتمثل بمديرية خدمات مركز المدينة لم يحرك ساكناً إما بسبب غض النظر أو لجهل بالإجراءات المتبعة في حالة كهذه، وكان على المديرية أن تمنع تنفيذ الدراسة التدعيمية التي تمت من دون تدقيق و دراسة وتصديق أصولاً من نقابة المهندسين.«الأوقاف» لاحول ولا قوةمدير أوقاف حلب الدكتور محمد رامي عبيد أكد أن التفجير الإرهابي أدى إلى أضرار كبيرة في المبنى، ويجب إعادة ترميمه ووضعه في الخدمة بتكلفة تقدر بمئات الملايين وقد قام المستأجرون بالتعدين اللازم للعناصر الإنشائية بتكلفة 70 مليون ليرة وعلى نفقتهم الخاصة وفق توصيات لجنة السلامة العامة بكتابهم المؤرخ في 23/5/2017 وتم التدعيم بخبرات هندسية ذات كفاءة عالية وخبرات جيدة وبإشراف من مديرية الأوقاف، مضيفاً أنه حرصاً من وزارة الأوقاف على حقوق جميع المستأجرين والتخفيف عنهم من آثار الحرب احتفظ المستأجرون بحقوقهم في ترميم عقاراتهم على نفقتهم الخاصة مع احتفاظهم بحق الإيجار الخاضع للتمديد الحكمي لأن الأضرار ناجمة عن أعمال إرهابية، وفسخ عقد الإيجار يكون في حالات الهلاك الكلي الطبيعي للمأجور، وأن جميع الوثائق المتعلقة بالعقارات الوقفية والمستأجرين موجودة لدينا ومنها إضبارة الفندق السياحي.كل هذا يدفع للتساؤل: إذا كانت وزارة الأوقاف حريصة على حقوق المستأجرين.. فلماذا لم تسمح لمستأجري الفندق بهدمه وإعادة تشييد مبنى جديد وبمواصفات عصرية وبدل إيجار مجز؟ ولماذا لم تقم الشركة الهندسية الدارسة بالحصول على تصديق من نقابة المهندسين يؤيد رؤيتها الهندسية السليمة والدقيقة؟ وما الضمانات لدى الشركة الدارسة لعدم حدوث انهيارات أو سقوط المبنى بعد إضافة أوزان الإكساء بشكل كامل؟وفي حال تمت عملية التدعيم والإكساء وقص شريط التدشين وانطلاق الفندق بعمله، فإن هذه التساؤلات نضعها في رسم المسؤولين لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان تنفيذ إعادة تأهيل الفندق ضمن الشروط الفنية والهندسية السليمة بكل دقة ومصداقية حفاظاً على أرواح المواطنين وعدم هدر أموال المستثمرين.
تشرين
إضافة تعليق جديد