فوكوياما: هل تعلّم المحافظون الجدد شيئاً من فشل السنوات الخمس؟

06-02-2007

فوكوياما: هل تعلّم المحافظون الجدد شيئاً من فشل السنوات الخمس؟

الجمل:   كتب المفكر الأمريكي البارز فرانسيس فوكوياما مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية عنوانه الرئيسي: (المحافظون الجدد لم يتعلموا شيئاً من سنوات الكارثة الخمس)، وعنوانه الثانوي (دفاعهم المتحمس لغزو العراق قد يكون كارثة، ولكنهم الآن يريدون أن يفعلوا ذلك بالكامل مرة أخرى.. في إيران).
يقول فرانسيس فوكوياما في مقاله:
تنفق الولايات المتحدة اليوم تقريباً ما يعادل ما ينفقه العالم مجتمعاً على مسعاه ومشروعاته العسكرية. ومن ثم، فمن المفيد أن نفكر ونتأمل في: لماذا يحدث ذلك؟ بعد ما يقارب الأربع سنوات من الجهد، وخسارة آلاف أرواح الأمريكيين، وإنفاق ربما نصف تريلون من الدولارات، فإن الولايات المتحدة لم تنجح في تهدئة بلد صغير عدد سكانه نحواً من 24 مليون شخص، وأقل قدرة في قيادته إلى شيء يمكن أن يبدو.. ولو بشكل ضئيل- شبه ديمقراطية ناجحة.
إجابة واحدة تتمثل في أن طبيعة السياسات العالمية في الحقبة الأولى من القرن الواحد وعشرين قد تغيرت في الجوانب الهامة.
وعالم اليوم، على الأقل في تلك الباقة من عدم الاستقرار الممتدة من شمال افريقيا، عبر الشرق الأوسط، افريقيا جنوب الصحراء، وآسيا الوسطى، -هو عالم- يتسم ويتميز بالدول الضعيفة المتعددة والفاشلة في بعض الأحيان، -ويتسم أيضاً- بالفاعلين المتعددي الجنسيات والعابرين للقوميات، القادرين على التحرك بحرية وسيولة عبر الحدود الدولية، بدافع إغراء نفس القرارات التكنولوجية التي أنتجت العولمة. ودولاً مثل أفغانستان، باكستان، العراق، لبنان، الصومال، فلسطين، وحشد من غيرها لم تعد قادرة على ممارسة السيطرة السيادية على رقعتها، وتخلت عن القوة والنفوذ إلى جماعات إرهابية مثل القاعدة، والأحزاب السياسية التي تنتظم وتأخذ شكل الميليشيا مثل حزب الله اللبناني، أو الفصائل الاثنية والطائفية المنتشرة في سائر الأنحاء.
شددت العقيدة العسكرية الأمريكية على استخدام القوة الساحقة المفرطة، وتطبيقها مرة واحدة بفجائية وحسم وحزم، من أجل هزيمة العدو. ولكن في عالم ينتشر فيه المتمردون والميليشيات بشكل خفي بين السكان المدنيين، فإن القوة الساحقة المفرطة دائماً لا تؤدي إلى نتيجة مثمرة: فهي تبعد وتعيق أولئك الذين يتوجب عليهم كسر المقاتلين الأشداء، وتحرمهم من القدرة على العمل بحرية.. فنوع ونمط حملة مكافحة التمرد المطلوبة لهزيمة الميليشيات والإرهابيين العابرين للحدود تضع أهدافاً وغايات سياسية أمام العسكريين، وتحض القلوب والعقول على الضرب والترهيب والإفزاع.
الدرس الثاني الذي يتوجب اشتقاقه من السنوات الخمس الماضية يتمثل في أن الحرب الوقائية لا يمكن أن تشكل وتكون الأساس لاستراتيجية أمريكا الطويلة المدى –المتعلقة- بعدم السماح بانتشار أسلحة الدمار الشامل. وقد سعى وهدف مبدأ بوش إلى استخدام الحرب الوقائية ضد العراق باعتبارها من وسائل الإدراك والفهم المتزايد لكل من يسعون ويقفون على عتبة امتلاك أسلحة الدمار الشامل بالتكلفة المترتبة عليهم –ولكن- لسوء الحظ فقد كانت تكلفة الولايات المتحدة نفسها عالية جداً على النحو الذي قدم فيه على وجه الدقة درساً عكسياً تاماً، حيث أصبح التأثير الرادع للقوة التقليدية الأمريكية منخفضاً، واحتمال ترجيح نجاح الحرب الوقائية، يكون منخفضاً ومتناقضاً تماماً بالنسبة للبلد الذي يرتب أموره ويقرر تجاوز عتبة البداية- من أجل امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
درساً نهائياً يتوجب اشتقاقه من حرب العراق يتمثل في أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد أظهرت عدم كفاءة وعدم قدرة كبيرين في الإدارة اليومية للشؤون السياسية، وواحداً من الأشياء المثيرة للدهشة والصدمة حول أداء إدارة بوش يتمثل في كيف أنها تبعت بشكل سيئ عملية إنجاز وتحقيق الأهداف الطموحة التي حددتها –إدارة بوش- لنفسها، ففي العراق، تصرفت – الإدارة الأمريكية- كمريض يعاني من اضطراب نقص الانتباه وتشتت الإدراك، فالإدارة الأمريكية نجحت بكفاءة في التنظيم والترتيب للأحداث والوقائع الرئيسة، مثل تسلمي السيادة في 30 حزيران 2004م، أو انتخابات 30 كانون الثاني 2005م. ولكنها فشلت في تدريب وإعداد القوات العراقية، وفشلت في تعيين السفراء، وفشلت في الأداء بسبب اجتهاد أصحاب العقود وفوق كل شيء، فشلت في محاسبة أولئك الذين يعتبرون مسؤولين عن الإخفاقات المتعددة المزدوجة.
هذا الافتقار إلى الكفاءة والملاءة العملياتية يمكن من الناحية النظرية التثبت منه على مر الزمن، ولكنه يتضمن مضاعفات وتداعيات هامة في المدى القصير الأجل على الاستراتيجية الأمريكية العظمى. فمنظّري المحافظين الجدد ينظرون إلى أمريكا باعتبارها تمارس هيمنة خيّرة كريمة فاضلة على العالم، مستخدمة قوتها الهائلة بعقل وحكمة وبحزم لمواجهة مشاكل مثل الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والدول المارقة، وانتهاكات حقوق الإنسان.
ولكن، حتى إذا انصرف الأصدقاء والحلفاء عن الثقة في نوايا ومقاصد أمريكا الخيرة، فسوف يكون صعباً عليهم ألا يفزعوا من جراء التنفيذ الفعلي- الذي يقتل السياسة نفسها- وحجم ما يترتب على القضاء على الصين، الذي تم التبجح به –ولكن- تم التخلي عنه جانباً.
إن الفشل في امتصاص –وهضم- دروس العراق، أصبح شاخصاً وماثلاً في نقاش المحافظين الجدد المتعلق بكيفية التعامل مع قوة إيران الإقليمية المتزايدة المتنامية، وبرنامجها النووي، فإيران اليوم تمثل وتشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وبنفس القدر –أيضاً- لأصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط.
وخلافاً للقاعدة، فإن إيران تمثل دولة، متجذرة في العمق التاريخي (بخلاف العراق)، وتمتلئ بحيوية بالموارد بفعل وتأثير ارتفاع أسعار الطاقة، ويحكمها نظام إسلامي راديكالي، والذي (على وجه الخصوص، منذ لحظة انتخاب أحمدي نجاد في حزيران 2005م) تحول في اتجاه متشدد لا يطاق.
لقد وقعت الولايات المتحدة عن غير قصد تحت إغراء ارتفاع وصعود قوة إيران الإقليمية بعد غزو أمريكا للعراق، وقضائها على النظام البعثي –العراقي- الذي كان قوة موازنة –إقليمية- لإيران، ما أدى إلى تعزيز وتقوية الأطراف والأحزاب الشيعية الوثيقة الصلة بطهران. وقد بدا معقولاً أن إيران ترغب بوضوح الحصول على الأسلحة النووية، برغم المظاهر والآراء القائلة بأن برنامجها النووي هو فقط من أجل الأغراض المدنية، فالطاقة النووية أهميتها قليلة بالنسبة لبلد يجلس على واحد من أكبر الاحتياطيات النفطية العالمية، وإنما يكون للطاقة النووية المعنى والمضمون –في مثل هذه الحالة- على أساس اعتبارات برنامج الأسلحة النووية.. وسوف يكون معقولاً ومبرراً بالنسبة للإيرانيين أن يتوصلوا إلى أنهم سوف يكونوا أكثر أمناً وسلاماً في حالة امتلاكهم للقنبلة عنه في حالة عدم امتلاكها.
من السهل أن نحدد المعوقات التي تحول دون التوصل إلى نتيجة تفاوضية متفق عليها –لإنهاء البرنامج الإيراني- ولكن ما هو أصعب هو التوصل إلى استراتيجية بديلة. فاستخدام القوة أصبح يبدو فاقداً لجاذبيته. فالولايات المتحدة في موقف صعب لا يمكنها من غزو واحتلال بلد آخر الآن، وبالذات إذا كان من النوع الذي يعادل ثلاثة أضعاف حجم العراق. والهجوم سوف يتوجب القيام به جواً، وبالتالي سوف لن يؤدي إلى تغيير النظام، وفقط يمثل –الهجوم- وسيلة طويلة الأجل لإيقاف برنامج أسلحة الدمار الشامل. ومن الصعب توافر ثقة أكبر بأن المعلومات الاستخبارية الأمريكية حول المنشآت الإيرانية هي في وضع أفضل من –المعلومات- التي كانت حول موضوع العراق، والهجوم الجوي على الأرجح سوف يؤدي إلى حشد التأييد للنظام –الإيراني- بدلاً من الإطاحة به وإسقاطه، وسوف يحرض ويحفز الإرهاب والهجمات ضد المنشآت الأمريكية وأصدقاء أمريكا في كل العالم، والولايات المتحدة سوف تكون معزولة بقدر أكبر في هذه الحرب، عن عزلتها خلال حرب العراق، فقط إسرائيل سوف تكون هي الحليف الوحيد بالتأكيد.
لا أي من هذه الاعتبارات، ولا كارثة العراق، سوف تمنع المحافظين الجدد الواثقين، من الدفاع عن القيام بالعمل العسكري ضد إيران. فالبعض منهم يلح متشدداً بأن إيران تفرض خطراً وتهديداً أكبر من خطر وتهديد العراق، ويتجنبون حقيقة أن دفاعهم الحماسي من أجل غزو العراق هو –وحده- الذي دمر مصداقية وموثوقية أمريكا وقطع خاصرة قدرتها على اتخاذ الإجراءات القوية ضد إيران.
كل هذا يمكن تصحيحه وتصويبه تماماً، فأحمدي نجاد يمكن أن يكون هتلر الجديد، والمفاوضات الجارية حالياً يمكن أن تكون بمثابة معاهدات ميونخ بالنسبة لنا، وإيران يمكن أن تكون في قبضة متشددين لا يرتدعون ولا يخافون من شيء.. والغرب يمكن أن يكون مواجهاً لـ(خطر حضاري). وأعتقد أن هناك أسباباً لكي نكون أقل إثارة للمخاوف، فإيران هي، بعد كل شيء، دولة لها أسباب عادلة وقدرات لكي تدافع عن نفسها، يتوجب أن تكون قابلة للردع بواسطة الدول الأخرى التي تمتلك الأسلحة النووية، فهي قوة إقليمية وليست قوة عالمية، وقد أعلنت في الماضي عن أهداف وغايات أيديولوجية مذهبية متطرفة، ولكنها نادراً ما عملت من أجل تحقيقها عندما كانت مصالحها الوطنية الهامة موضوعاً للرهان، وعملية صنع القرار فيها تبدو لا هي عملية موحدة ولا تحت سيطرة أو قبضة القوى الأكثر تطرفاً.
ما أجده جدير بالملاحظة في خط ومسار المحافظين الجدد حول براهينهم وأدلتهم المتعلقة بإيران، وعلى أية حال،يمكننا القول: كم هو صغير وضئيل التغير الذي حدث في افتراضات و(نغمات) هذه الجماعة، عن افتراضاتها ونغماتها السابقة في عام 2002م إزاء العراق، برغم زخم الأحداث التي مرت في الأعوام الخمسة الماضية والفشل الواضح الشاخص لسياسات المحافظين الجدد التي دافعوا عنها بأنفسهم.. والذي يمكن أن يتغير هو الرغبة العامة للأمريكيين في أن يستمعوا –مرة أخرى- لهذه الجماعة.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...