فيليب ماتيرا: عراق ما بعد الحرب: مثال حي عن الخصخصة؟
الجمل: في وقت مبكر هذا الأسبوع ابتكر الموظفون العسكريون الأمريكيون حلا للاضطراب الذي يتعلق بتوزيع الماء إلى المدنيين في الميناء العراقي أم قصر : أن يوفروا الماء مجانا للسكان المحليين بشاحنات صهريج و أن يسمحوا لهم ببيع هذا السائل الثمين في مقابل "معقول" . "زودهم هذا بدافع للعمل و الجد" كما أبلغ قائد عسكري مراسل جريدة نيو يورك تايمز اليومية .
هذا التحويل لسلعة عامة إلى أيدي خاصة قد يكون خطوة أولى صغيرة فيما قد يمكن أن يكون خصخصة واسعة في العراق بعد انتهاء الحرب . مجموعة من المفكرين المحافظين و محللين آخرين كانوا يرددون طوال شهور أن اقتصاد ما بعد صدام حسين يجب أن يعاد بناءه وفق مبادئ ميلتون فريدمان .
فقط في الأسبوع الماضي نشر روبرت ماكفرلن , مستشار الأمن القومي في إدارة ريغان , و ميكايل بليرزر , المدير التنفيذي لشركة إدارة أسهم , في صفحة التحرير في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان "تحويل العراق خاصا" . دافع الرجلان عن أن "الولايات المتحدة و حلفاءها قد تلقوا النصائح بدرجة جيدة لكي ينظموا فريقا من قادة عمل القطاع الخاص "كلجنة قيادية" لتوجيه و مراقبة" إعادة بناء الاقتصاد .
دعوة صريحة للخصخصة عوضا عن أن تكون مجرد استثمار خاص , أطلقت في مؤتمر عقد برعاية مؤسسة هيريتج اليمينية . في ورقة قدمت إلى المؤتمر ( و نقحت في الشهر الماضي ) كتب أريل كوهين و جيرالد أودريسكول :"لإعادة تأهيل و تحديث اقتصادها ستحتاج حكومة ما بعد صدام للتحرك في نفس الوقت في عدد من جبهات السياسة الاقتصادية , الاستفادة من تجربة حملات الخصخصة و الإصلاح الهيكلي في بقية الدول" . ذهب الكاتبان إلى التأكيد على ما يعتبرانه الدرس رقم 1 : "الخصخصة تفيد في كل مكان " .
بالعودة إلى سبتمبر أيلول قدم الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية عرضا كاملا للنقاش في اجتماع مؤسسة هيرتيج , مقتبسا قول كوهين بأنه في رأس قائمة توصياته "بيئة قانونية معاصرة تعترف بحقوق الملكية , التي لا توجد اليوم في العراق , و التي تؤدي إلى الخصخصة " .
كما في بقية أمور العراق , فإن دعوة الولايات المتحدة إلى الخصخصة تردد صداها في بريطانيا . في الشهر المنصرم أصدر معهد آدم سميث المحب للسوق الحرة ورقة بعنوان "نحو أجندة اقتصادية و سياسية للعراق الجديد" . يبدأ أحد أقسام الوثيقة بالإعلان :"إن الخصخصة شرط لا بد منه للإصلاح الناجح في العراق" . و وصل الكتاب إلى أن قالوا :"في العراق هناك الكثير مما يمكن خصخصته , حيث أن قسما كبيرا من الاقتصاد تملكه الدولة" . من بين القطاعات التي يجب انتزاعها كما اقترحوا التعدين و الكيمياويات و البناء .
تخطيط مصلحة أصحاب العمل
منذ بدأت الحرب , تجنبت إدارة بوش الحديث عن فرص العمل التي جرى خلقها في العراق للشركات الأمريكية و الأجنبية الأخرى . لكنها اتخذت خطوات مثل منح عقد لتشغيل الميناء في أم قصر لشركة خاصة , شركة خدمات تحميل السفن في أمريكا . منح عقد آخر للمساعدة التقنية لجهود إعادة البناء لمجموعة المصادر الدولية و التي ستتقاسم العمل مع المقاول الفرعي كراون إيجنتز البريطانية , و التي هي نفسها نتاج خصخصة وكالة مساعدة تطوير بريطانية .
الوكالة الأمريكية للتطوير الدولي و التي تنسق خطط إعادة الإعمار منحت حوالي نصف دزينة من شركات الهندسة الكبرى الموجودة في أمريكا حقا حصريا للمشاركة في المناقصة على العقد الرئيسي لأعمال البنية التحتية . وفقا لعدة تقارير إعلامية فإن المتنافسين الأبرز على هذا العقد هم شركة بيكتيل و شركة بارسونز . يقال أن الأخيرة قد اختارت وحدة كيلوغ براون و روت من هاليبرتون كمقاول من الباطن بعد أن تم استبعاد هاليبرتون كمنافس رئيسي ظاهريا بسبب الجدل الذي أثير عن علاقات الشركة بنائب الرئيس تشيني .
ما يهم عن بيكتيل و بارسونز هو أن كلتا الشركتين , بالإضافة إلى وحدات البناء الرئيسية فيهما , تمتلكان مشاريع متداخلة في نشاطات خصخصة في الولايات المتحدة و في أماكن أخرى . بيكتيل هي اللاعب الأساسي في خصخصة شبكة المياه , و تأتي مباشرة بعد الثلاثة الأوائل – سويز , فينيدي يونفرسال و ر.و.إي. ماء التيمز – في هذا العمل المثير للجدل . أجبرت شركة تابعة لبيكتيل على التخلي عن مشاريعها في كوتشوباما في بوليفيا نتيجة لانتفاضة شعبية جراء الارتفاع الشديد في أسعار المياه . تقاضي اليوم بيكتيل بوليفيا مطالبة ب 25 مليون دولار على سبيل التعويض أمام محكمة سرية تابعة للبنك الدولي .
تقوم بارسونز بدراسات الجدوى الاقتصادية للخصخصة و في بعض الأحيان تتولى إدارة المشاريع نفسها . الشاهد الأردأ سمعة عن هذه الأخيرة هي دور الشركة في خصخصة نظام فحص السيارات في نيو جيرسي . هذا المشروع الذي يساوي أكثر من 500 مليون دولار وجهت إليه تهم بعدم الكفاءة و ارتفاع التكاليف . كانت بارسونز المتنافس الوحيد على الفوز بهذا العقد الذي منحته إياها في أواخر التسعينيات إدارة الحاكم كريستي وايتمان , الذي يخدم اليوم كرئيس للوكالة الأمريكية لحماية البيئة .
من الواضح أنه هناك الكثير من فرص العمل التي يمكن الحصول عليها في العراق . نقلت التقارير أن إدارة بوش منعقدة حول مجموعات العمل العشرة للتخطيط لتحويل كل شيء من الزراعة إلى البنوك . تتوقع الشركات الأمريكية أن تحصل على عقود لإعادة بناء و إدارة مرافق مثل المطارات و المدارس و المستشفيات .
الجائزة الكبرى
الجائزة الكبرى بالطبع هي النفط . لا يوجد أي شك في أنه ستتم دعوة الشركات الأجنبية أيضا لإدارة شبكة نفط العراق بعد الحرب , السؤال هو فيما إذا كانت ستبقى في مكانها إلى أجل غير مسمى و حتى ربما أن تمتلك نصيبا في الملكية . يبدو أن بعض الناس يعتقدون أن الوضع يجب أن يكون كذلك . في ديسمبر كانون الأول نشر كتاب تقرير مؤسسة هيريتج مقالة في النسخة المنشورة على الانترنيت من الناشيونال ريفيو المحافظة بعنوان "خصصوا نفط العراق" . نقلت لوس أنجلوس تايمز في شباط فبراير أن الهيئة الاستشارية لوزارة الخارجية من مختصي النفط العراقي المنفيين قد أوصت بخصخصة مصادر النفط في البلد , لكن فقط بعد أن يجري استبدال الإدارة العسكرية الأمريكية بحكومة جديدة ذات سيادة .
اتجهت إدارة بوش للحديث عبر ملاحظات صغيرة عن استخدام إيرادات النفط لفائدة الشعب العراقي , لكن مما يجب أخذه بعين الاعتبار أن الشخص الذي نقلت التقارير أنه قد اختير ليشرف على إنتاج النفط بعد الحرب هو الموظف التنفيذي الرئيسي السابق لشركة نفط شل . عمل فيليب كارول أيضا كمدير تنفيذي لشركة فلور , إحدى شركات الهندسة الكبرى التي دعيت للتنافس على عقد إعادة الإعمار الرئيسي .
النزاعات المحتملة بين المصالح بالنسبة لكارول ليست هي المشكلة الأكبر لإدارة بوش في خططها لاستغلال النفط بعد الحرب . نقلت الواشنطن بوست اليوم أن الأمم المتحدة و الموظفين البريطانيين قد طالبوا ألا تملك الولايات المتحدة السلطة القانونية للسيطرة على عمليات النفط العراقي حتى على أساس مؤقت من دون الحصول على تفويض جديد من مجلس الأمن , اعتمادا على واقع أن هذه العمليات كانت تحت إشراف نظام الأمم المتحدة النفط مقابل الغذاء .
في يناير كانون الثاني نقلت بلات أويلغرام أنه في تقرير وزارة الخارجية عن القانون , الذي كتب بعد أن استولت إسرائيل على حقول النفط في سيناء التي طورتها مصر أصلا , توصل إلى أن القانون الدولي لا يدعم حق القوة المحتلة في الحصول على امتياز تطوير حقول النفط . ليس من المستغرب أن نعرف أن وزارة الخارجية تبحث اليوم عن رأي قانوني جديد .
تذهب الغنائم إلى المنتصر كما يقال . في حالة هذه الحرب ستذهب الغنائم إلى أصحاب العمل حلفاء المنتصر حيث يجلبون شكل يقوم على كبرى الشركات بكل وضوح لتحرير شعب العراق .
ترجمة : مازن كم الماز
بقلم : فيليب ماتيرا
نقلا عن www.corp-research.org/extra_040303.htm#Top
إضافة تعليق جديد