قراءتان متناقضتان للحركة السورية ـ السعودية على الخط الأمريكي
تابع المراقبون باهتمام تسارع نبض التحركات الدبلوماسية في المنطقة، خاصة المبادرتين السعودية والسورية تجاه الأزمات في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية.وقد فسر البعض الحركة السورية النشطة على أنها مسعى خاص، أرادت منه دمشق طرح نفسها من جديد كمركز قرار إقليمي، حيث استضافت في أسبوع واحد، لاعبين مؤثرين على رقعة شطرنج المنطقة، وهما الرئيس العراقي جلال الطالباني ، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس .وبالمقابل، تحركت الرياض على الخط نفسه، ودخلت بقوة على مسار التسويات الدبلوماسية.
فقد دعا العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز الأحد الماضي القادة الفلسطينيين إلى قمة خاصة في مكة ، وأوفد إلى طهران الأمير بندر بن سلطان لمناقشة آفاق تسوية لبنانية ممكنة، إلى جانب ما أكدته السعودية مراراً عن دورها في العراق
وقد اختلف تقييم المراقبين لهذه الخطوات السعودية والسورية، خاصة وأنهما تزامنتا ، من حيث التوقيت، رغم أن العلاقات بين الدولتين تمر اليوم بمرحلة من الفتور غير المسبوق، خاصة بعد الخطاب الشهير للرئيس السوري بشار الأسد، إثر حرب يوليو/ تموز بين حزب الله وإسرائيل، والذي وصف فيه منتقدي حزب الله بأنهم "أشباه رجال."
وفي هذا السياق، ربط حسن حردان، كاتب ومحلل سياسي فلسطيني، بين التحركات الحاصلة على المسار السوري، وبين تطورات الموقف الأمريكي.
واعتبر حردان أن "فشل بوش في العراق خارجيا،ً وفوز الديمقراطيين وتقرير بيكر - هاملتون داخلياً "، شكلت أهم العوامل التي أدت إلى فك العزلة عن دمشق، واستعادتها لدورها الإقليمي.
وقال حردان: " إن أمريكا سعت بعد احتلال العراق لعزل سوريا وإيران، لاعتبارها من الدول التي تقف عثرة في وجه تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر مساندتهما للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق."
وأضاف:" أما الآن، فقد تداركت بعض قيادات المنطقة الوضع، خاصة أولئك الذين مالوا إلى جانب المشروع الأمريكي، ثم شاهدوه يفشل، وسعوا إلى مد الجسور مع سوريا،" في إشارة إلى زيارة الطالباني وعباس إلى دمشق.
وتوقع أن "تشهد الفترة القادمة دوراً أكبر وحضوراً سورياًُ أوسع في كل الملفات."
ونفى حردان وجود أي تدخل سلبي مباشر لسوريا في أزمات المنطقة، معتبراً أن دمشق تلتقي مع بعض القوى "موضوعيا" من باب رفض المشروع الأمريكي، واضعاً العلاقة بين المعارضة اللبنانية والإدارة السورية في هذا السياق.
ووضع حردان المبادرة السعودية في سياق الرد الأمريكي على الدور السوري، معتبراً أن أمريكا "وضعت خطة تحركها الجديدة في المنطقة، واستنفرت حلفائها، وهي تعطيهم الدور في مفاوضة سوريا وإيران لانتزاع ما يمكن انتزاعه منهما، تحت الترغيب والترهيب."
أما نصير الأسعد، المحلل السياسي في صحيفة المستقبل اللبنانية، فقال إن الحركة السورية تنطوي على بعدين، أحدهما فوق الطاولة، بإظهار أن في قدرة النظام السوري لعب دور إيجابي في كل من فلسطين والعراق، وإشعار من يعنيهم الأمر في المجتمع الدولي "بفائدة"، والثاني تحت الطاولة، عبر الاستمرار في ممارسة سياسة التخريب في المنطقة."
واعتبر الأسعد أن النظام السوري "يحاول استدراج عروض تفاوض عربية ودولية، سعياً للتوصل إلى تسوية، شرطها الأساسي يكمن في لبنان، عبر إسقاط المحكمة الدولية ( بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005)، والتي يعتبرها النظام السوري خطراً على مصيره."
ولفت الأسعد، الذي يعمل في صحيفة مملوكة للحريري، إلى أن الرياض باتت تتوجه بشكل مباشر إلى طهران، لسحب فتيل التفجير في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية.
وقال إن السعودية "لديها شعور وقناعة أن الملفات مترابطة، وأن دمشق مستتبعة لمشروع إيراني في المنطقة، لهذا فالتحرك السعودي يحاول التوجه إلى المصدر المباشر."
ولمّح الأسعد إلى وجود تبادل أدوار في المساعي الدبلوماسية السورية الإيرانية، معتبراً أن العرب، وعلى رأسهم السعودية، "يطلبون من طهران التدخل لحل عُقد المنطقة، فترد طهران بأنها لا تمانع بإيجاد حلول، إذا ما تم الإصغاء لشروط سوريا،" الأمر الذي اعتبره المحلل اللبناني "يعيد الأمور إلى حلقة مفرغة."
ورفض الأسعد ما يتردد عن تغيير في موازين القوى بعد فوز الديمقراطيين وتقرير بيكر هاملتون، وقال إن هذا التقرير "يتضمن فرض شروط على سوريا قبل التحاور معها، ولا يقترح على واشنطن التسليم لرغبات دمشق."
وذكر بأن الإدارة الأمريكية لا تزال ترفض حتى اللحظة التفاوض مع سوريا، قبل تغيير سلوكها، خاصة في لبنان والعراق.
وميّز الأسعد بين أهداف وحركة المبادرتين السورية والسعودية بالقول، إن دمشق "تتحرك لاستدراج تسويات معها، بعكس السعودية الباحثة عن استقرار المنطقة، والتي غالباً ما تصطدم مساعيها بالتناغم السوري الإيراني."
وحول فرص نجاح تلك المبادرات، أبدى الأسعد عدم تفاؤله، مستدلاً على ذلك بعرض العاهل السعودي على الفلسطينيين الاجتماع في مكة "بعيداً عن الضغوط الخارجية" مما يؤكد وجود تلك الضغوط.
أما المحلل السياسي الفلسطيني حردان، فقد أبدى الموقف المتشائم عينه، عازياً سبب تشاؤمه إلى أن الولايات المتحدة "مازالت ترفض التسويات، وتوغل في استعمال القوة،" رافضاً اعتبار الخطوات السورية محاولة للفت الأنظار، مؤكداً بالمقابل أن "تطور الأحداث فرض على الجميع الذهاب إلى دمشق."
وتوقع حردان تصعيداً في الأشهر القليلة المقبلة، متهماً الإدارة الأمريكية "بالمراهنة على ضرب وتفتيت المقاومة العراقية، من خلال خلق صراع داخلي في المنطقة بين السّنة والشيعة، أو بين العرب وإيران."
من جهة أخرى اعتبر الأسعد أن هناك تناقض رئيسي بين السوريين والإيرانيين يكمن في إمكانية مساهمة طهران في إيجاد تسوية للمنطقة "إذا شملت التسوية اعتراف دولي بدورها الإقليمي" في حين أن النظام في سوريا، "ليس مطروحاً عليه أن يحظى بهذا الدور،" على حد قوله.
ورغم التناقض الجوهري في رؤية كل من المحللين السياسيين للوضع في المنطقة، كل من زاويته، إلا أنهما توافقها على أن أفق الحل مأزوم ومقفل حالياً، بانتظار تطورات جديدة تكسر "الستاتيكو" الموجود.
وبانتظار تلك اللحظة، تبقى المنطقة تحاول جاهدة معرفة حقيقة من يشعل الحرائق فيها، ومن يطفئها!
تقرير: مصطفى العرب
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد