قريباً: حزب الله في ضيافة الأليزيه
الجمل: برغم كل ما يعرفه العالم حول ارتباط الرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي اليهودي الأصل بجماعة المحافظين الجدد، وأمريكا وإسرائيل، وغير ذلك، فإن ساركوزي، على ما يبدو قد قرر البدء في دخول لعبة الشرق الأوسط، وذلك عن طريق إعطاء السياسة الخارجية الفرنسية تجاه المنطقة دوراً ماكراً مزدوجاً.
• السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة- القديمة:
تقوم السياسة الفرنسية القديمة على استخدام المشاورات واللقاءات والتفاهمات والتأني. أما السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة فتقوم على ثنائية الشكل والمضمون، بحيث تلتزم (شكلياً) بالطابع القديم القائم على المشاورات والتفاهمات وغيرها، وفي الوقت نفسه تلتزم بـ(المضمون) الذي يقوم على المسك المطلق بما هو متفق عليه مسبقاً مع إسرائيل وأمريكا حول منطقة الشرق الأوسط.. وبالتالي فإن سيناريو ساركوزي الجديد سوف يركز على تحريك المشاهد ودفعها مهما كان الثمن وصولاً الى (المضمون) المطلوب..
• لبنان: بوابة السياسة الخارجية الفرنسية:
تقول المعلومات الواردة على موقع جيه.تي.إيه الالكتروني الأمريكي بأن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي سوف يقوم بتوجيه الدعوة لحزب الله اللبناني من أجل حضور المؤتمر الذي سوف يتم عقده بالعاصمة الفرنسية باريس خلال نهاية الشهر الجاري، وهو مؤتمر سيهدف إلى محاولة إخماد العنف والتناحر السياسي الجاري حالياً في الساحة اللبنانية.
المشاركة في المؤتمر سوف تشمل كل الأطراف اللبنانية، بما يغطي كل ألوان الطيف الديني والسياسي الموجودة.
وتقول التفسيرات بأن ساركوزي يريد أن يبدأ بدخول الشرق الأوسط عبر البوابة اللبنانية في صورة (السمسار النزيه) القادم للبنان من أجل التوسط بعدالة ونزاهة في حل النزاعات وإطفاء نيران الخصومات.
• سيناريو ساركوزي ولعبة المسار النزيه:
التوقعات تقول بأن ساركوزي سوف يقوم بجمع الأطراف اللبنانية ويتحدث لهم عن أهمية السلام والأمن والاستقرار، وعن إدراك فرنسا (لأهمية لبنان) وإيمان فرنسا العميق بعدم التخلي عن (واجبها) إزاء لبنان، وذلك لأنه واجب تمليه علاقات الصداقة والتعاون والأواصر التاريخية الفرنسية- اللبنانية.
كذلك سوف يطلب ساركوزي من الفرقاء اللبنانيين (التعاون مع جهود المجتمع الدولي الهادفة لحماية سيادة واستقلال وأمن لبنان وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونه وتقويض استقراره..).
القراءة المتأنية لهذه الجملة الافتراضية، تشير إلى أن ساركوزي سوف يلجأ إلى تكتيك الضغط على اللبنانيين من أجل تأمين تأييدهم ومساندتهم للقرارات الدولية، وعندما يتحقق ذلك فإن على حزب الله تلقائياً أن يقوم بنزع سلاحه، والقبول بدعم حكومة السنيورة والتحالف مع قوى 14 آذار، وعدم الاعتراض إن لم يكن التأييد، للدور الجديد للبنان في المنطقة، والذي يهدف إلى تحويل لبنان إلى قاعدة متقدمة في الحرب الأمريكية- الإسرائيلية ضد إيران، وسورية، والعراق، إضافة إلى القبول بـ(اتفاقية السلام الإسرائيلية- اللبنانية) التي تخطط إسرائيل في الخفاء لعقدها.. ولكن ليس الآن، وإنما على الأرجح في المستقبل بعد أن يتسنى لها احتلال وضم جنوب لبنان إن أمكن ذلك.. لا سمح لله.
• ساركوزي وآليات التدخل في المنطقة:
السياسة الخارجية الفرنسية، مثلها مثل أي سياسة خارجية استعمارية، تملك خبرة واسعة في استخدام آليات السيطرة والتبعية، التي تتيح لها التدخل في شؤون دولة مثل لبنان، وتتبيعها بالكامل لفرنسا، وشركائها الآخرين، والذين تأتي في مقدمتهم إسرائيل، الولايات المتحدة، وبريطانيا.. ويمكن استعراض أبرز هذه الآليات على النحو الآتي:
- الآليات الاقتصادية: وتتمثل في القروض والمساعدات والمعونات والمنح، والمعاملات الاقتصادية التي تتم إما بواسطة الحكومة الفرنسية أو بواسطة المؤسسات والشركات الفرنسية، والتي تأتي آخذة شكل تدفقات رأس المال الفرنسي الأوروبي الأمريكي المباشرة وغير المباشرة.
هذا وبرغم جاذبية تدفقات رأس المالي لقوى 14 آذار فإن فرنسا وأمريكا وبقية دول الاتحاد الأوروبي ظلت تكتفي بـ(التلويح للبنانيين بالجزرة) وهو ما أكدته نتائج مؤتمرات (باريس-1)، و(باريس-2)، و(باريس-3).. وسوف لن تختلف نتائج مؤتمرات (باريس) القادمة عن ذلك.. وهكذا سوف تجد قوى 14 آذار وحلفاءها سائرة باندفاع وراء الوعود الفرنسية- الأمريكية على غرار سائق السيارة الذي يندفع بأقصى سرعة بهدف اللحاق بالتمثال المثبت في مقدمة السيارة.
- الآليات السياسية: وتتمثل في التفاهمات والنقاشات والمؤتمرات التي تسبقها الاجتماعات (المغلقة) وتعقبها (القرارات الدولية.. وهي تهدف جميعاً إلى دفع تطورات الوقائع والأحداث مرحلة تلو الاخرى وصولاً إلى المشهد النهائي المطلوب، وهو مشهد كان في الماضي مطلوب فرنسياً، ولكن في الوقت ا لحالي سوف يكون هو المطلوب إسرائيلياً وأمريكياً.
- الآليات الاجتماعية: وتتمثل في الروابط الثقافية والاجتماعية بين الحكومة الفرنسية وبعض الأطراف (الطائفية) اللبنانية، التي مازالت تصدق بأن قصر الأليزيه يمثل الحق المطلق (بالمفهوم الهيغلي) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ويتدرج ضمن هذه الآليات عناصر الجالية اللبنانية في فرنسا، وعلى وجه الخصوص حملة الجنسية الفرنسية من ذوي الأصل اللبناني، والذين ظلوا داخل فرنسا يعملون على أساس اعتبارات الولاء المزدوج ولكن مع إعطاء الأولوية للمصالح الفرنسية.
وعموماً، سوف يبدأ الرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي (الوسيط المحايد النزيه) بمحاولة دفع الملف اللبناني إلى نقطة الانقسام الكامل، بين مؤيد للمشروع الإسرائيلي- الأمريكي، ومعارض مؤيد للاستقلال الوطني اللبناني.. وبعد ذلك سوف يبدأ (الوسيط) ساركوزي في تطبيق الأجندة الحقيقية غير المعلنة لسياسته الخارجية والتي سوف يكون أولها إدراج حزب الله وحركة أمل ضمن قائمة الحركات الإرهابية الفرنسية، بحيث يتسنى له بعد ذلك، الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل اعتماد إدراج حزب الله وحركة أمل ضمن قائمة الإرهاب الخاصة بالاتحاد الأوروبي.
وعندما تتم هذه العملية سوف تبدأ الخطوة التالية والتي سوف تتمثل في التأييد الأوروبي لقيام القوات الدولية بمواجهة حزب الله وحركة أمل.. ومن المتوقع أن يبدأ هذا السيناريو خلال الشهر القادم إذا تم فعلاً عقد المؤتمر خلال نهاية هذا الشهر.
كذلك سوف يسعى ساركوزي بعد هذا المؤتمر إلى دفع السياسة الخارجية الفرنسية بالانخراط بشكل أكثر وضوحاً في توجهات الإدارة الأمريكية إزاء سورية وذلك عن طريق العمل باتجاه إفساد العلاقات الأوروبية- السورية من جهة، وتقديم الدعم اللامحدود لقوى 14 آذار من الجهة الأخرى.
وبرغم كل ما سبق، فقد أكدت معطيات خبرة التاريخ بأن (النماذج العراقية) التي تستند إلى ما هو موجود وقائم فعلاً، قد ظلت دائماً أقوى حضوراً وحسماً من (النماذج المثالية) القائمة على التصورات المستمدة من الأساطير الخيالية الوهمية.. فقدامى الإغريق لم يستطيعوا برغم قوة الاسكندر المقدوني من بناء جمهورية أفلاطون على أرض الواقع، والرومان برغم قوى وجبروت قيصر لم يستطيعوا بناء (دولة المدينة) على أرض الواقع، وريتشارد قلب الأسد برغم الحملات الصليبية لم يستطع بنا (مدنية الله) التي كتب عنها القديس أوغسطين، وأولمرت وغيرهم مازالوا يعتقدون بأن بناء مملكة هرمجدون.. ليس امراً مستحيلاً.. وفقط عندما تنقضي الـ17 شهراً المتبقية لإدارة بوش، سوف يفهم هؤلاء استحالة بناء الوهم على أرض الواقع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد