كيف خيضت معركة تدمر وماذا كشفت؟حروب نفسية وتشتيت وتغلغل وتكامل بين قوات الهجوم
حتى اليوم، لم يخفت صدى الانجاز الميداني في الداخل السوري وفي الاروقة العربية والغربية وفي اوساط العدو الاسرائيلي بشأن تحرير مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي. كبار القادة الميدانيين ممّن شاركوا في تحرير المدينة، يجزمون بأن العملية العسكرية المتكاملة في تحرير المدينة، ستكون أحد أهم النماذج التي ستدرّس خصوصا في المعارك المقبلة مع «داعش» في سوريا والعراق، «وسيحتذى بها في الاكاديميات العسكرية».
معركة عسكرية، صامتة إعلاميا، بدأها الجيش السوري وحلفاؤه في مدينة تدمر قبل ان تظهر الى العلن. فقد عمد الجيش والحلفاء الى تشتيت أنظار «داعش» عن مدينة تدمر، من خلال بدء عملية عسكرية في مدينة القريتين المجاورة لها بالتوازي مع تغطية إعلامية لتلك الجبهة. في ذلك الوقت، كانت وحدات من الجيش السوري والقوات الرديفة ومجموعات من قوات الاستطلاع الروسية الخاصة، تتقدّم على ثلاثة محاور في تدمر: من مزرعة العنتبلي للوصول الى مثلث تدمر (غرب ) ـ جبال الهايل (جنوب غرب) ونقطة «ثنية الرجمة» للوصول الى جبل الطار والسيرياتل (شمال غرب)، وذلك للسيطرة لاحقاً على كامل المرتفعات والعوارض المشرفة على المدينة.
ويتمّ اليوم تقييم معركة تدمر من قبل القادة العسكريين والجهات التي شاركت في هذه العملية الواسعة، والتي كانت بتخطيط وتنفيذ من قبل السوري والروسي و «حزب الله»، مع حضور الدور الايراني في التخطيط وبعض التوجيهات.
أحد القادة السوريين الميدانيين ممّن تابعوا وخاضوا معركة تدمر، يقول ان هذه المعركة هي «الاولى والاهم في حرب المدن التي خاضها الجيش السوري ضد ارهابيي داعش في سوريا». ويضيف «في دير الزور نحن في حالة دفاع في وجه داعش، أما في تدمر فقد بادرنا نحن بالهجوم واستخدام التكتيكات العسكرية المتعلّقة بحرب المدن، بالاضافة الى الاستخدام الدقيق للوسائط النارية التي مهّدت لتقدم القوات وتحرير المدينة».
وعلى عكس ما أشيع في الاعلام عن مشاركة الالاف من الجنود في تلك المعركة، يحسم المصدر نفسه بأن الاعداد بلغت «المئات فقط». وتوزّعت المهام على جنود وضباط الجيش السوري الذين كان لهم الدور الابرز على الارض، إضافة الى «صقور الصحراء» القوات الرديفة له والمدرّبة على خوض «حرب المدن»، واللجان الشعبية الذين يشرف على هؤلاء بشكل خاص ضباط في المقاومة، وعدد من عناصر وقادة المقاومة.
أما القوات الروسية، فقد كان دورها الاكبر وغير الخفي في حركة الطيران الحربي والمروحي التي دمرت كافة أهداف مسلحي التنظيم وتقطيع اوصال خطوط الامداد والطرق، إضافة الى رصد واستطلاع كامل تحركات «داعش» من خلال الطائرات المسيّرة والمعلومات الاستخباراتية.
وبعد السيطرة على الجبال والعوارض المشرفة على تدمر في غضون أيام، دخلت قوات من النخبة في الجيش السوري يرافقهم كرأس حربة مقاتلون من «حزب الله»، باسناد ناري روسي وسوري، وسيطروا على القلعة الاثرية. هذه السيطرة كانت الحدث المفصل في المعركة لناحية إشرافها على كامل مدينة تدمر.
مصدر ميداني آخر يتابع، عن نجاح خطة إطباق الاذرع على المدينة ومسلحي «داعش» «في وقت قياسي وغير متوقع» بعد السيطرة على القلعة.
ففي وقت كانت تتقدّم فيه وحدات اللجان الشعبية والجيش السوري عند المحور الغربي للمدينة، تقدمّت قوات خاصة في الجيش السوري وقطعت طريق الرقة – تدمر. في هذه الاثناء، كانت قوات أخرى من الجهة الجنوبية، وبتغطية روسية مباشرة، تقطع طريق تدمر- القريتين. وبدأ الهجوم على المدينة ودارت اشتباكات بين قواة المشاة ومسلحي «داعش». ثم قطع الطيران الروسي طريق دير الزور – الرقة وباتت كامل أحياء المدينة هدفاً مباشراً للصواريخ الموجهة والمدفعية. وفي ظل كل هذه التكتيكات، كانت هناك قوات خاصة تشقّ طريقها من قصر موزة باتجاه مطار تدمر.
يقيّم أحد القادة السوريين نقاط ضعف مسلحي «داعش» في هذه المعركة. فلطالما أرعب هؤلاء العالم بأسلوبهم الوحشي الذي يعتمد بشكل خاص على الذبح والعمليات الانتحارية.
وبحسب القائد السوري، فقد كشفت معركة تدمر ما يلي:
أولا: غياب الخبرة العسكرية لدى ملسحي «داعش» في خوض حرب المدن.
ثانيا: غياب أي خطة دفاعية للتنظيم.
ثالثا: الارتباك وغياب التنسيق بين المسلحين، إذ هرب العديد من المسلحين وبقيت أعداد صغيرة للقتال.
وفي السياق، كشف مصدر ميداني، عن خرق قوة استطلاع مشتركة من الجيش السوري والمقاومة، مسلحي «داعش» وتمكنت من التسلل الى قلب المدينة قبل تحريرها. وبحسب المصادر، استطاعت هذه القوة جمع كافة المعلومات ورصد تحركات وانتشار المسلحين. وقد تعرضت القوة لاطلاق النار أثناء خروجها. ويصف احد القادة هذه العملية «بالمهمة الخطيرة التي خرقت إجراءات الارهابيين وكشفت ثغراتهم».
أحد القادة الميدانيين في المقاومة يقول، «نحن لعبنا في هذه المعركة دوراً ميدانياً مساعدا للجيش العربي السوري، ونقدّر هذه التضحيات التي قدمها الجيش من ضباط وعناصر في هذه المعركة»، مضيفا «لقد كان للجيش الدور الاكبر على الارض اضافة الى قوات سورية أخرى رديفة له، بينهم صقور الصحراء واللجان الشعبية». وعن الاشتباكات التي دارت مع مسلحي «داعش»، يعلّق القائد نفسه، «لم يكن هناك قتال عنيف لانهم هربوا بسرعة، وقد كنا على احتكاك مباشر معهم في قلعة تدمر بشكل خاص والجهة الشمالية لحي العامرية في المدينة».
ولدى السؤال عن أهمية تحرير تدمر بالنسبة للبنان وللمقاومة، ردّ القائد «نحن موجودون هنا لمحاربة داعش وأحد اهداف مشاركتنا في هذه المعركة بشكل خاص هو لمنع استمرار داعش في ارسال الانتحاريين الى لبنان، خصوصاً ان تدمر هي حلقة الوصل المهمة بين الرقة والقريتين باتجاه الاراضي اللبنانية».
تعتبر معركة تدمر إحدى أهم المعارك في الحرب على «داعش» في سوريا، كما ان تداعياتها تتخطى حدود البلد باتجاه العراق لناحية خريطة انتشار مسلحي التنظيم. ولا شكّ ان هذه التجربة الميدانية والاستخباراتية بين جهات مختلفة في حربها على التنظيم، ستكون فاتحة لمعارك أخرى أكبر ضده في سوريا. يجزم القادة الميدانيون الذين التقينا بهم «السفير» بأن معركة تدمر «ستكون أحد أهم النماذج التي ستدرّس في الاكاديميات العسكرية». كما ينوّه هؤلاء القادة بدور الاعلام الميداني الذي واكب تفاصيل هذه العملية، بدءاً من الاعلام الحربي الذي كان يبثّ صوراً مباشرة للمعارك لحظة بلحظة ودور الادارة السياسية في التنسيق مع الاعلاميين وفتح الهواء المباشر على كافة وسائل الاعلام لتغطية العملية العسكرية، لما يصبّ في مصحلة الجيش السوري وحلفائه على ارض المعركة من جهة، وشنّ حرب نفسية من جهة أخرى.
رشا أبي حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد