مؤشرات المنطقة والوقت باتت لمصلحة دمشق
لم تعد الأزمة السورية وحيدة ترسم المعادلة الدولية في المنطقة، لأن عناصر مستجدة تتدرج في الدخول على المشهد، ما يبدل الحسابات الأممية تحديداً حول دمشق. ويدرك المطلعون أن العامل الزمني بات يلعب الى جانب النظام السوري رغم الخسائر التي تتكبدها سوريا، ومن هنا حصلت مؤشرات بالجملة يسعى السوريون وحلفاؤهم لتوظيفها في المفاوضات الدولية، فجاء خطاب الرئيس السوري بشار الأسد ليضع الخطوط العريضة للمرحلة الإنتقالية التي يجري الترويج لها، ويضع حداً للتأويلات من جهة ويرسم أطر المفاوضات القائمة في أكثر من اتجاه، الى أن جاء لقاء جنيف الثلاثي ليثبت الروس في مواقفهم عند حدود عدم الإستغناء عن الأسد، ويجرّ الأميركيين الى إعتراف مفاده أن لا حل لسوريا إلاّ في السياسة، رغم عدم الإتفاق الأميركي – الروسي حول طبيعة المرحلة الإنتقالية والتمترس المتبادل حول المواقف نفسها.
لكن ماذا يعني ذلك؟ وماذا يجري؟
حينما طلب الأميركيون من المبعوث العربي الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أن يفعّل خطواته بعد تجميدها لفترة أشهر، فهم المعنيون أنّ واشنطن أدركت أنّ التسوية هي الحل بعد سقوط الرهانات على سيطرة المعارضة، ثم أتت خطوة إدراج "جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب لتزيد من الدلائل حول التوجه الجديد لواشنطن، إلى أن جاء الغياب الأميركي المتكرر المتعمّد حول أحداث سوريا، وتواصل المسؤولين الأميركيين مع شخصيات معارضة لا تتوافق مع المجلس الوطني أو الإئتلاف وبعيدة عن التوجهات الإسلامية مثل هيثم مناع، وصولاً الى الجلوس مع الروس والتوافق في جنيف مرة ثانية على أن لا حل إلا بالسياسة، علماً ان واشنطن تركت موسكو تسرح في البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل سوريا وتجري أكبر المناورات دون أن تنفّذ أيّ خطوة عسكرية إستعراضية في الشكل في سبيل إحداث التوازن المعنوي.
في مرحلة التفاوض شعر الأخضر الإبراهيمي أن دمشق لا تكترث لخطواته إلا في حديثها عن دعم مهمته: من تأخير إستقباله الاّ بعد تدخل الروس، وصولاً الى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد وعدم تطرقه إلى مساعي المبعوث الدولي، والأهم حديث الرئيس السوري عن عناوين التسوية دون حاجة إلى خطة الإبراهيمي، لا بل قال الأسد إننا إذا أردنا التفاوض لن يكون ذلك إلا مع الكبار... ووصلت إلى الإبراهيمي معلومات عن أن السوريين لا يعولون على حركته بما يشبه إشارات النعي للمهمة، فردّ الإبراهيمي بالتصويب على دمشق عدة مرات في إطلالات إعلامية مكثفة، قبل موعد لقاء جنيف.
يجزم المطلعون على تفاصيل وخبايا الملف السوري أن الحل قادم دون تحديد موعد لإنجاز التسوية، ويؤكدون أن نظرة الأميركيين تبدلت بعد رصد وقائع لا تنصبّ فقط على الواقع الأصولي عند المعارضين أو "جبهة النصرة"، بل تستند إلى فرصة أميركية لتحقيق تسوية أشمل ما بين الغرب وطهران من جهة، وعلى الجبهة الإسرائيلية من جهة ثانية، حتى بدت خيوط الرئيس الأميركي باراك أوباما محبوكة في المناصب الجديدة من وزير خارجية يهوى المفاوضات و يعمل ضد الأصوليات إلى وزير دفاع يستفزّ رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وحول التفاصيل الميدانية في سوريا تكونت معطيات عن تقدم أحرزه الجيش السوري في مناطق عدة من ريف دمشق إلى حلب، رغم محطة مطار تفتناز في ريف إدلب حيث تبحث المعارضة المسلحة عن هدف معنوي – كما يقول المطلعون، إضافة الى سقوط فرضية إقتحام العاصمة بعد فشل المعارضة مرات ومرات، لكن الأهم هو المزاج الشعبي الذي يتدرج أكثر فأكثر في رفض المسلحين كما عكس تقرير أعدته وكالة رويترز عن "سبعين بالمئة من سنة حلب يؤيدون الأسد"، كما وصلت معطيات ميدانية تفيد عن تصفيات متبادلة ما بين "الكتائب المقاتلة" التي تنتمي الى " الجيش الحر"، عدا عن السرقات وعمليات السطو، ما يعني أن سوريا ذاهبة إلى الفوضى في حال عدم إيجاد التسوية الشاملة.
كذلك تجمعت مؤشرات إقليمية تبدأ من مصر التي تصر على تسوية بين دول المنطقة لإيجاد تسوية سورية – سورية ، تلاقي الطرح التركي عن دعوة لإشراك إيران وروسيا في الحل لسوريا، تضاف إلى حركة إيرانية واسعة مستندة إلى إرتياح طهران، إلى إضطرار أنقرة التفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في السجن، إلى أزمة العراق المتأرجحة على أمواج لا تقف إمتداداتها عند حدوده، كما تتوسع إشارات المنطقة لتصل إلى جمر تونس وإرباك السعودية المخبىء حول مستقبل الحكم في المملكة ، غير أن البارز ما يجري خليجياً على خط الإمارات والكويت تحديداً فيما يتعلق بالموجة الإخوانية بعد الكشف عن خلية وإتهام قطر ضمناً بتحريك هذه المجموعات الإسلامية، علما أن البلدين المذكورين إضافة الى دول عربية أخرى يحدّون عملياً من توسع سطوة المعارضة السورية على حساب النظام، ووصلت الأمور الى حد تخوف خليجي ملكي – أميري من المد الأخواني الحاصل رغم التطمينات المصرية ... وأبعد أتى قيام روسيا بإجراء مناورات منقطعة النظير كماً ونوعاً، وحديثها عن صد أي تدخل في سوريا لتضاف هذه المحطة إلى باقي المؤشرات التي باتت تخفف الضغط عن النظام السوري وتعزز التوجه نحو الحل السلمي التسووي. ولكن كيف؟
مطلعون نقلوا عن الروس أن إجتماع جنيف رسّخ الثبات الروسي مقابل إستعداد أميركي لتنازل لم يحن موعده بعد، فباتت واشنطن تدرك أن ليس بإستطاعتها إقناع موسكو بتغيير رأيها المرتكز على مباركة روسية لخطاب الأسد، غير أن الإنتظار سيد الموقف لإيجاد ركائز ومبررات تفرض التسويات وإن كان الزمن بات يمر لصالح دمشق داخلياً وإقليمياً ودولياً.
عباس ضاهر
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد