مستقبل الأزمة السياسية المصرية ورحلة الطلاق مع واشنطن
الجمل: دخلت حركة الاحتجاجات السياسية المدنية المصرية يومها السابع عشر وتشير كافة المعطيات الجارية إلى أن هذه الحركة قد اكتسبت زخماً شعبياً وقوة اندفاع أكبر بما جعلها عصية على كل محاولات الاحتواء: فإلى أين تتجه ضغوط الأزمة السياسية المصرية؟ وما مدى مصداقية هذه الحركة في المضي قدماً باتجاه تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في الإطاحة بالنظام السياسي المصري ورئيسه حسني مبارك؟
* مسرح الصراع المصري: توصيف المعلومات الجارية
تشير المعلومات الجديدة التي نقلتها التقارير الميدانية الصادرة مساء الأمس وصباح اليوم إلى حدوث المزيد من التحولات الجديدة بما ينذر بالمزيد من التصعيدات الساخنة المرتفعة الشدة في مسرح الصراع المصري-المصري، وفي هذا الخصوص نشير إلى التحولات الجارية الجديدة على النحو الآتي:
• نطاق الاحتجاجات: شهدت اللحظات الأخيرة اتساعاً كبيراً في نطاق الاحتجاجات، فقد شملت كافة المدن والقرى إضافة إلى وجود العديد من التجمعات والكتل الحاشدة الكبيرة في المدينة الواحدة، وبكلمات أخرى، لم يعد التكتل الاحتجاجي ينحصر في ميدان واحد أو ساحة عامة بعينها وإنما أصبحت التجمعات في كل الساحات والميادين داخل المدينة الواحدة، الأمر الذي جعل قوات الأمن والشرطة والجيش تواجه المزيد من الإجهاد وعمليات شد الأطراف، إضافة إلى هبوط الروح المعنوية لهذه القوات لأدنى حد، فقد ظل الجيش المصري أكثر حرصاً لجهة التمسك بموقف عدم استهداف المواطنين ومواكبهم الاحتجاجية، وبالنسبة لقوات الشرطة والأمن فقد انسحبت أعداد كبيرة منها من المواجهات وحتى ما تبقى منها أصبح يفضل الوقوف بعيداً ومراقبة الأوضاع والتطورات عن كثب.
• شدة الاحتجاجات: اكتسبت شدة الاحتجاجات قوة دفع أكبر بسبب العديد من العوامل الجديدة: انضمام المزيد من النقابات لحركة الاحتجاجات ومن أبرزها نقابة عمال سكك الحديد ونقابة عمال قناة السويس ونقابات عمال النسيج إضافة إلى بعض التجمعات العمالية الموجودة في المناطق الصناعية المجاورة للعاصمة القاهرة والمدن المصرية الرئيسية الأخرى مثل الإسكندرية والسويس، وعلى أساس الاعتبارات النوعية فقد تزايد انضمام عناصر النخبة المدنية الفاعلة لحركة الاحتجاجات ومن أبرز المنضمين: أساتذة الجامعات المصرية، الصحفيين والإعلاميين والفنانين. وفي هذا الخصوص صدرت بالأمس واليوم بعض الصحف المصرية المملوكة للحكومة وهي أكثر اهتماماً بالوقوف إلى جانب المحتجين، وتقول المعلومات بأن الصحفيين العاملين في صحف الأهرام وأخبار اليوم وغيرها أعلنوا تمردهم على الحكومة قائلين بأن هذه الصحف مملوكة للشعب وبالتالي يجب أن تقف إلى جانبه.
التطور الجديد اللافت للنظر في حركة التصعيدات الرأسية والأفقية الجديدة يتمثل في تغيير الشعارات والهتافات باتجاه المزيد من التصعيد، وفي هذا الشأن لم تعد التجمعات الغاضبة تطالب بتنحي أو إقالة الرئيس حسني مبارك وحسب، وإنما بضرورة محاصرته وعدم السماح له بالخروج وذلك من أجل تقديمه للمحاكمة لجهة استرداد المال العام والقصاص لمئات الضحايا الذين سقطوا خلال الأسابيع الماضية.
* مفاعيل الصراع المصري: إلى أين؟
اكتسب زخم حركة الاحتجاجات السياسية المصرية قوة دفع أكبر بما أدى إلى ظهور المزيد من التعقيدات الجديدة، وفي هذا الخصوص نشير إلى المعلومات الآتية:
- على المستوى الخارجي: كشفت التقارير عن قيام نائب الرئيس الأمريكي السيناتور جو بايدن بإجراء محادثة تلفونية مع نظيره المصري اللواء عمر سليمان الذي يتولى حالياً منصب نائب الرئيس المصري حسني مبارك. وتقول المعلومات بأن السيناتور بايدن كان قد طالب اللواء سليمان بإجراء بعض الترتيبات المطلوبة أمريكياً وبشكل فوري، الأمر الذي أثار حفيظة النخبة السياسية الحاكمة المصرية. وفي هذا الخصوص أطلق وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط تصريحاً غاضباً اتهم فيه الإدارة الأمريكية بالعمل على فرض إرادتها على مصر دون أي احترام لوجود السيادة المصرية.
تقول التسريبات، بأن موقف الإدارة الأمريكية الذي ظل طوال الأسبوعين الماضيين أكثر تردداً لجهة الإعلان الصريح بالوقوف إلى جانب حركة الاحتجاجات المصرية كان بسبب الضغوط التي تعرضت لها الإدارة الأمريكية بواسطة حلفاءها في منطقة الشرق الأوسط، وكشفت المصادر الأمريكية الرفيعة المستوى بأن السعودية والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل قد طالبت جميعها الإدارة الأمريكية بضرورة العمل بأقصى ما يمكن لجهة الحفاظ على الرئيس حسني مبارك ونظامه الحاكم مهما كان الثمن باهظاً، وإضافة لذلك كشفت نفس هذه المصادر عن قيام السعودية بإخطار الإدارة الأمريكية وحسني مبارك رسمياً بأن الرياض سوف تقوم بتقديم دعم سنوي لنظام الرئيس حسني مبارك في حدود 5 مليار دولار سنوياً بما يعادل أكثر من ضعف المعونة الأمريكية التي ظل نظام الرئيس مبارك يتلقاها سنوياً من واشنطن. وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن الموقف السعودي جاء على خلفية التسريبات الأمريكية التي تحدثت عن قرار أمريكي وشيك الصدور يقضي بوقف المعونات الأمريكية المقدمة إلى مصر إلى حين امتثال النظام المصري لجهة إجراء الإصلاحات المطلوبة، وأيضاً إلى حين معرفة من سيكون البديل لنظام حسني مبارك وما هو موقفه إزاء ملف السلام المصري مع إسرائيل.
- على المستوى الداخلي: برزت خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية المزيد من المظاهر الداخلية الدالة على بداية دخول النخبة الحاكمة المصرية مرحلة الانحلال والتفكك، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي: استقالة وزير الإعلام الجديد إضافة إلى نوايا العديد من الوزراء الجدد لجهة الاستقالة وعدم الاستمرار وقيام رئيس الوزراء الجديد بنقل مقر عمله إلى مكان جديد بدلاً عن مقر مجلس الوزراء وتزايد سفر رجال الأعمال المصريين المرتبطين بالنظام إضافة إلى تزايد أعداد الأجانب الذين غادروا مصر، وفي هذا الخصوص رصدت مصادر رفيعة المستوى بأن عدد الأجانب الذين غادروا مصر يقدر بين 160-200 ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين.
التحولات الجديدة الأكثر أهمية في ملف الأزمة السياسية المصرية تتمثل في نوايا الكتل الاحتجاجية التوجه نحو مبنى مجلس الشعب ومجلس الشورى المصري إضافة إلى مجلس الوزراء ومقر رئاسة الجمهورية وذلك بما يفيد لجهة أن الكتل الجماهيرية سوف تقوم خلال اليومين القادمين بفرض عملية حصار جماهيري شعبي واسعة النطاق ضد السلطة التشريعية-السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء ومؤسسة رئاسة الجمهورية، أما السلطة القضائية فتقول التقارير والمعلومات والتسريبات بأن القضاة المصريين قد قرروا الوقوف إلى جانب الاحتجاجات الشعبية.
إضافة لذلك فإن التطورات الجديدة الأكثر خطورة سوف تتمثل في الآتي:
• اكتمال عملية تفكيك هياكل الحزب الوطني الحاكم وانفضاض ليس عضويته فحسب وإنما عناصره القائدة.
• احتمالات كبيرة لجهة حدوث تطورات جديدة في موقف الجيش المصري.
تقول آخر التسريبات بأن الخلافات قد تصاعدت بين عمر سليمان ورئيس هيئة أركان الجيش المصري بسبب عدم استجابة الأخير لمطالب رئاسة الجمهورية بالتدخل من أجل قمع الاحتجاجات والاضطلاع بأعباء حماية النظام، وتقول آخر المعلومات بأن قيادة الجيش المصري سوف تواجه موقفاً صعباً للغاية داخل الجيش المصري نفسه، وذلك بسبب مواقف الجنود وصغار الضباط التي لم تكتف بالامتناع عن ضرب المحتجين وحسب وإنما بمطالبة قيادة الجيش بالتحرك من أجل وضع حد لبقاء نظام حسني مبارك في السلطة!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد