مستقبل الحرب اليمنية وتوزيع مناطق النفوذ بين القوى المتصارعة
الجمل: تواجه حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في الوقت الحالي موقفا صعبا للغاية, وذلك بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية, الناشئة من جراء مفاعيل التمرد الداخلي, ومفاعيل التدخل الخارجي.
المفاضلة بين الخيارات الحرجة:
تقول المعلومات والتقارير بان حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لن تستطيع مهما أوتيت من قوة الاعتماد على قدراتها الذاتية في التصدي لبؤر التمرد الثلاثة, والتي تجاوزت مفاعيلها مرحلة الاشتعال الأولي:
•تمرد الشمال: في محافظة صعدة اليمنية وصل التمرد إلى مرحلة النزاع المسلح المرتفع الشدة, وأصبح المسرح يتضمن صراعا عسكريا مباشرا بين ثلاثة أطراف هي: المسلحين الحوثيين-القوات اليمنية-القوات السعودية.
•تمرد الوسط-الشرق: تمكن تنظيم القاعدة من بسط نفوذه في معظم أنحاء اليمن, وتمركزت قياداته ورئاساته في مناطق وسط وشرق اليمن, وتدور حاليا مواجهة تتضمن صراعا مباشرا, بين ثلاثة أطراف: عناصر القاعدة-القوات اليمنية- القوات الأميركية.
•تمرد الجنوب: تطور سخط اليمنيين الجنوبيين من مرحلة الاحتجاجات إلى مرحلة المعارضة السياسية الانفصالية المرتفعة الشدة, ومن الممكن أن يأخذ السخط السياسي نمط الحرب المسلحة الانفصالية بكل سهولة, طالما أن خبرة سكان اليمن الجنوبي في خوض التمرد المسلح وحرب العصابات هي خبرة عميقة منذ أيام حرب الاستقلال التي خاضوها ضد الاستعمار البريطاني.
بحسب الإحصائيات والتقارير, فإن وجود بؤر التمرد الثلاثة هذه سوف تضعف موقف الدولة اليمنية, والذي هو بالأساس يتميز بالضعف والهشاشة وعدم تماسك جيوسياسية الدولة اليمنية, وذلك لأن قوة الدولة لم تكن تستند إلا على التحالفات القبلية والعشائرية.
القدرات اليمنية: إشكالية محدودية السقف والحدود؟
لم يهتم نظام الرئيس علي عبد الله صالح خلال الأعوام الماضية بتوظيف الفرص التي لاحت للنظام لجهة استغلالها من أجل إنجاز عملية التكامل الوطني اليمني الاندماجي, وظلت مقاربة النظام للعملية السياسية اليمنية تقوم على تعزيز الائتلافات القبلية لا أكثر ولا أقل.
يبدو ضعف القوام الدولاتي اليمني واضحا من خلال ضعف المؤسسة العسكرية اليمنية, وفي هذا الخصوص نشير إلى المعطيات الرقمية الإحصائية التالية:
•عدد عناصر القوات البرية اليمنية: 70 ألف تقريبا.
•عدد عناصر القوات البحرية اليمنية: 9 آلاف تقريبا.
•عدد عناصر القوات الجوية اليمنية: 6 آلاف تقريبا.
وتأسيسا على ذلك فإن العدد الإجمالي لعناصر الجيش اليمني هو في حدود 85 ألف عنصر, وفي أفضل الأحوال قد لا يتجاوز الـ 90 ألف عنصر, وتقودنا هذه الإحصائيات إلى الاستنتاج بعدم كفاءة هذا العدد في تلبية متطلبات فرض قيادة وسيطرة الحكومة على نطاق سيادة الدولة اليمنية, والذي يشمل ضرورة توفير الأمن والحماية للعناصر الآتية:
•527,968 كيلومترا مربعا, معظمها مناطق جبلية وعرة.
•24 مليون نسمة يمثلون كتلة سكانية تتميز بزيادة الأمية, ونسبة المواليد.
•26 مليار دولار هو حجم الناتج المحلي الإجمالي, والذي يقوم في جزئه الغالب على المهن الهامشية.
وإضافة لذلك, فإن هذا الحجم المحدود من القوات الضعيفة الإعداد والعتاد, لن يستطيع لا في الوقت الحالي, ولا على المدى المنظور الاضطلاع بأعباء حماية أمن الدولة اليمنية بمكوناتها وعناصرها الحالية.
الأمن السياسي اليمني: إشكالية الفرص والمخاطر؟
كثرت التقارير التي تحدثت مؤخرا عن تزايد احتمالات تدويل الأزمة اليمنية, وتحديدا, تلك الأحاديث التي رددت عن تزايد احتمالات تدخل القوات الأميركية وقوات حلف الناتو, بجانب القوات السعودية من أجل جهود دعم نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مكافحة الصراعات المسلحة والسياسية الداخلية.
ولكن, وعلى خلفية تزايد التحليلات والتقارير التي أكدت أن حجم المخاطر سوف يزداد عما هو عليه الآن بأضعاف المرات, لو تدخلت الأطراف الخارجية في الصراع اليمني-اليمني, وذلك لان الساحة اليمنية سوف تتحول إلى مستنقع نزاع حقيقي, طالما أن دخول أي قوات أميركية سوف لن يؤدي سوى إلى تسوية الخلافات اليمنية-اليمنية, ونشوء تحالف يمني موحدقد لايكتفي بمجرد إخراج القوات الأميركية وحسب, وإنما إلى إنجاز المزيد من المهام الإضافية, والتي سوف لن تكون في أي حال من الأحوال بأقل من استهداف السعودية, وبلدان الخليج. وتأسيسا على ذلك, أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح رسميا بأنه لا يرغب مطلقا في دخول أي قوات أميركية أو أجنبية إلى بلاده, وأنه فقط يرغب في الحصول على الدعم المادي والمخابراتي, باعتبارهما العاملين المطلوب توافرهما للقوات اليمنية لكي تقوم باحتواء الأوضاع المتردية والسيطرة عليها.
ماذا تقول المعلومات الميدانية الجارية؟
أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في يوم 2 كانون الثاني (يناير) 2010م الحالي, بان الإدارة الأميركية تعطي الأولوية لجهة القيام بتقوية الشراكة الأميركية-اليمنية, بما يتضمن تدريب ودعم وتقديم العتاد اللازم لقوات الحكومة اليمنية, إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخبارية وتنفيذ العمليات المشتركة لجهة تنفيذ المزيد من الضربات العسكرية ضد تنظيم القاعدة وحلفاءه.
دار حوار مطول داخل أروقة الإدارة الأميركية, وتحديدا داخل البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأميركية, والقيادة الوسطى الأميركية, وتركزت نقاط الخلاف حول النقاط الآتية:
•كيفية توجيه الضربات الفاعلة ضد تنظيم القاعدة الذي أصبح يتمركز بقوة داخل الساحة اليمنية بما يؤدي إلى منع هذا التنظيم من تهديد المصالح الأميركية في منطقة شبه الجزيرة العربية, ومنعه من تهديد خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر, ومنعه من التغلغل أكثر فأكثر بما يهدد استقرار القرن الأفريقي والسعودية والخليج.
•كيفية كسب العملية النفسية بما يحقق لأميركا النجاح في عزل تنظيم القاعدة عن الرأي العام اليمني والذي أصبح من المعروف مدى دعمه ومساندته للتنظيمات والحركات الأصولية الإسلامية.
ترافقت الخلافات الأميركية-الأميركية بالمزيد من الشكوك إزاء كيفية التعامل مع ملف الأزمة اليمنية, وتركزت الشكوك الأميركية على النقاط الآتية:
•خلال فترة الحرب الجهادية الأفغانية ضد القوات السوفييتية تورطت أميركا والسعودية وبلدان الخليج مع نظام الرئيس عبد الله صالح اليمني في دعم مشروع تجنيد عشرات الألوف من الشباب اليمني وإرسالهم للجهاد في أفغانستان.
•بعد خروج الاتحاد السوفييتي, عاد جزء من هؤلاء المجاهدين إلى اليمن حيث شكلوا التنظيمات والميليشيات الجهادية, وبقي جزء كبير منهم تحت سيطرة زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
•بعد التدخل الأميركي في أفغانستان, سعت المخابرات الأميركية بالتعاون مع المخابرات الباكستانية واليمنية إلى تنظيم حملة كبيرة تم بموجبها إرجاع الشباب المجاهد اليمني إلى اليمن.
•سعت حكومة الرئيس علي عبد الله صالح إلى استيعاب المجاهدين اليمنيين العائدين في أجهزة الأمن والمخابرات والقوات الخاصة اليمنية.
•سعت المخابرات السعودية إلى محاربة العناصر الجهادية السعودية عن طريق دفعها إلى مغادرة السعودية والرحيل إلى اليمن بحيث تبقى بعيدا عن السعودية, وقد سارع الجهاديون السعوديون إلى الانضمام إلى الجهاديين اليمنيين.
هذا, وتقول المعلومات والتقارير بان الجهاديين اليمنيين العائدين من أفغانستان قاموا بتكوين تنظيم القاعدة اليمني, وبأن الجهاديين السعوديين العائدين من أفغانستان قد قاموا أيضا بتكوين القاعدة السعودي. وخلال العام الماضي, نجح الجهاديون السعوديون والجهاديون اليمنيون في دمج تنظيم القاعدة السعودي وتنظيم القاعدة اليمني ضمن تنظيم قاعدة واحد أطلقوا عليه تسمية: تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, وهدف التنظيم هو:
•الإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح وإقامة إمارة إسلامية في اليمن.
•التقدم بعد ذلك من أجل الإطاحة بالنظام الملكي السعودي ودمج اليمن والسعودية في إمارة إسلامية واحدة, ثم بعد ذلك التقدم باتجاه ضم بلدان الخليج العربي لهذه الإمارة.
تقول المعلومات, بان مخطط تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, الرامي إلى توحيد السعودية واليمن وبلدان الخليج العربي ضمن إمارة إسلامية واحدة, أصبح يجد تأييدا واسع النطاق في أوساط الرأي العام اليمني, الذي ظل ينظر إلى هذا المشروع باعتباره مشروعا وحدويا إسلاميا يعيد له أمجاد الماضي.
تواجه أجهزة الأمن اليمنية في الوقت الحالي مشكلة حقيقية بسبب ليس الضغط وحسب, وإنما بسبب اختراق تنظيم القاعدة لجهاز المخابرات الوطني اليمني, وجهاز الأمن السياسي اليمني. وتقول التسريبات, بأنه كلما تقوم هذه الأجهزة بحملات اعتقالات ومداهمات, فإن من يتم القبض عليهم اليوم يتم غدا اكتشاف أنهم هربوا من الاعتقال, وتقول المعلومات والتسريبات بأن الأجهزة الأميركية أبدت عدم رغبة في التعامل مع أجهزة المخابرات اليمنية المخترقة, والجهاز الوحيد الذي يقول الأميركيون بأنه يمكن التعاون بشكل محدود معه هو جهاز الأمن الجنائي اليمني, والذي لاحظ الأميركيون أنه ظل يعاني من استهدافات وهجمات تنظيم القاعدة. إلى الحد الذي قام فيه تنظيم القاعدة بإعدام ضابط برتبة مقدم يتولى المسؤولية عن هذا الجهاز في منطقة مأرب, وتصوير عملية الإعدام وبثها على شبكة الإنترنت.
تقول آخر المعلومات, بأن الأميركيين سوف يكتفون بتقديم القليل من الدعم لنظام الرئيس علي عبد الله صالح, وذلك لأنه ثبت للأميركيين بان الدعم الذي سبق أن قدمته أميركا للأجهزة الأمنية اليمنية قد تسرب وأصبح في أيدي تنظيم القاعدة. وبالتالي سوف تكتفي أميركا بمجرد تنفيذ الضربات الجوية, أما السعودية, فتفكر حاليا في إقامة جدار فولاذي الكتروني عازل, يمنع عناصر تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية من التسلل والعودة مرة أخرى إلى الأراضي السعودية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد