مستقبل النفوذ الروسي في أوروبا والقوقاز والبلطيق
الجمل: تناقلت أجهزة الإعلام المعلومات والتقارير حول تقدم روسيا باتجاه منطقة شرق المتوسط بما يترتب عليه توسيع نطاق الحرب الباردة على خط موسكو – واشنطن وبرغم عدم تأكيد سوريا للتقارير الزاعمة بأن روسيا ستعزز علاقاتها لجهة بناء تحالف روسي – سوري على غرار التحالف الاستراتيجي الأمريكي – التركي فقد سارع الإسرائيليون –على عجل- إلى التصريح القائل بأن تل أبيب ستقوم فوراً بتدمير أي قدرات عسكرية روسية يتم نشرها في المنطقة.
* صعود قوة روسيا الجديدة: الأسس والمبررات:
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بجامعة هارفرد الأمريكية وتحديداً في المدونة الإلكترونية التي تحمل عنوان استراتيجية روسيا والشرق الأوسط، تعليقاً تحليلياً مطولاً أعده الخبير الأمريكي فالتر لاكيوير أشار فيه إلى النقاط الآتية:
• يقولون في أمريكا والغرب بصعوبة التنبؤ والتكهن بما سوف يقوم به الكرملين ولكن ما هو واضح أن القيادة السوفيتية السابقة والقيادة الروسية الحالية يمكن التنبؤ والتكهن بما ستقوم به بينما الذي لا يمكن التكهن أو التنبؤ بما سيقوم به هو البيت الأبيض الأمريكي وحده دون سواه.
• يقول الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بأن انهيار الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة في القرن العشرين وما تقوم به موسكو حالياً هو العمل من أجل تقليل خسائر هذه الكارثة.
• خرجت جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز والبلطيق وشرق أوروبا من دائرة الاتحاد السوفيتي وأصبحت دولاً مستقلة وبرغم المساندة الغربية والأمريكية لهذه الدول فإنها ستظل في حاجة ماسة للاحتفاظ بعلاقاتها وروابطها مع روسيا وعلى وجه الخصوص أرمينيا وأذربيجان ودول البلطيق التي تسعى وتهتم بالتعاون مع أمريكا والغرب خوفاً من عودة موسكو ولكنها مهما فعلت وتمادت في تعاونها مع الغرب فإنها لن تستطيع تحقيق الاستقرار الداخلي والإقليمي في غياب موسكو طالما أنه من المستحيل تجاوز حقائق الجغرافيا والتاريخ.
• بإمكان دول البلطيق وشرق أوروبا التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي في تسويق العداء لروسيا لجهة بناء التحالف مع أمريكا ولكن عندما تنضب مخزونات نفط بحر الشمال فإن دول البلطيق وشرق أوروبا إضافةً إلى دول الاتحاد الأوروبي لن يكون أمامها سوى الاعتماد على إمدادات النفط والغاز الروسية طالما أن أمريكا في ذلك الوقت سوف لن تسمح لأي جهة بالحصول على نفط الخليج العربي وعندها سيصبح النفوذ الروسي حقيقة لا يمكن لهذه الدول والبلدان تجاوزها والقفز فوقها.
• النفوذ الروسي القادم لا محالة على أوروبا لن يكون نفوذاً على غرار ونفوذ الاتحاد السوفيتي السابق على شرق أوروبا وإنما سيكون ضمن نموذج تمارس فيه موسكو نفوذها وتأثيرها الكبير على السياسات الخارجية الخاصة بدول البلطيق والقوقاز وشرق أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي وعلى الأغلب أن تدفع موسكو هذه الدول باتجاه الخروج من دائرة الحياد الإيجابي لصالح موسكو إن لم يكن ضمن دائرة التأييد الكامل لتوجهات السياسة الخارجية الروسية وبكلمات أخرى فإن من يتحالف مع الهيمنة الأمريكية في ذلك الوقت سوف لن يحصل على إمدادات الغاز والطاقة النفطية التي لن تستطيع واشنطن توفيرها لها بالشكل المطلوب والمزايا الاقتصادية التي يمكن أن توفرها له الإمدادات الروسية.
• النفوذ السوفيتي على أوروبا كان يمكن أن يتم خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لو سعت موسكو لتحقيق ذلك تدريجياً وبهدوء عن طريق بناء شبكة المصالح ولكن الخطوات المستعجلة التي اتبعها ستالين أدت إلى إدراك ومقاومة الأوروبيين الغربيين لنفوذ موسكو وكان من نتائج ذلك تحالف الأوروبيين الغربيين مع واشنطن على النحو الذي أدى لقيام حلف الناتو الذي أغلق الباب أمام تمدد نفوذ موسكو ولكن حالياً وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونجاح روسيا في استعادة حيويتها فقد بدأ زحف موسكو غرباً يأخذ طابعاً أكثر مصداقية وفعالية.
• تستطيع روسيا تمديد نفوذها كقوة عظمى عالمية لو استطاعت التغلب على ثلاثة عوامل هي:
- التمادي في مظاهر العظمة والتباهي أمام العالم بأن موسكو قد استعادت قوتها على النحو الذي قد يترتب عليه قيام الأطراف الأخرى إلى التحالف مع واشنطن وغيرها بما يعزز قدرة خصوم موسكو على تطويعها وإضعافها.
- تكمن قوة روسيا الحالية في امتلاكها لأكبر مخزون عالمي من النفط والغاز وهو أمر قد لا يستمر طويلاً خاصة وأن عجلة التقدم والبحث التكنولوجي تجري على قدم وساق لاختراع البدائل اللازمة للتخلي عن النفط والغاز كمصادر أولية للطاقة، وهو أمر سيؤدي حدوثه بلا شك إلى إفقاد مخزونات النفط والغاز الروسية أهميتها الاستراتيجية.
- عدم تناسب النمو السكاني في روسيا بسبب التفاوت الكبير في معدلات نمو القوميات والشعوب الروسية. ففي الماضي كان يوجد بين كل خمسة روس مسلم واحد وحالياً بين كل أربعة روس يوجد مسلم وسيتطور الأمر إلى أن يكون واحد بين ثلاثة ثم واحداً بين اثنين إذا استمر تفاوت معدلات النمو كما هو عليه الآن وهو أمر بلا شك سيؤدي إلى التأثير سلباً على هوية روسيا الأوروبية لأنه سيجعل روسيا أكثر تماثلاً مع شعوب آسيا الوسطى والقوقاز ويجعل من الروس ذوي الأصول الأوروبية مجرد أقلية تعيش ضمن أغلبية قوقازية – أوراسية.
* إسرائيل: حسابات الفرص والمخاطر في مواجه القوة الروسية:
اعتمدت تل أبيب الرهان على معادلة حسابات الفرص والمخاطر إزاء التعامل مع موسكو وفقاً لما يلي:
• محاولة استخدام الأسلوب المزدوج في دفع موسكو للارتباط بإسرائيل عن طريق استخدام ملف اليهود الروس كمحفز داخلي واستخدام ملف واشنطن كمحفز خارجي ضاغط. وتأسيساً على ذلك ظلت إسرائيل طوال الفترة الممتدة من عام 1990 وحتى قبيل حرب روسيا – جورجيا تسعى باتجاه تعظيم الفرص والمنافع في التعامل مع روسيا.
• محاولة استخدام الأساليب السرية في استهداف موسكو عن طريق التماهي مع أجندة السياسة الخارجية الأمريكية التي ظلت بشكل متزايد تستهدف الجمهوريات السوفيتية السابقة المعادية لروسيا وبالذات جورجيا، أذربيجان، ليتوانيا، مولدافيا، وغيرها.
نشر الباحث الإسرائيلي أرييل كوهين في عام 2007م ورقة بحثية في الموقع الإلكتروني التابع لمعهد أورشليم حذر فيها الإسرائيليين بوضوح من مغبة وعواقب التمادي في التآمر لصالح واشنطن في ملف الصراع الروسي – الأمريكي المتوقع وأشار الباحث إلى أن حادثة التصادم بين القاطرة الروسية والأمريكية ستقع عاجلاً أم آجلاً، وأضاف أن تل أبيب لو استمرت في شن العمليات السرية ضد موسكو ستكون الضحية الأولى التي ستسقط من جراء تصادم الطرفين وتشير التداعيات الحالية لأزمة جورجيا – روسيا أن محور واشنطن – تل أبيب لم يخسر جورجيا فحسب وإنما سيخسر العديد من دول البحر الأسود وحالياً سيكون الرئيس المولدافي ثاني الضحايا من حلفاء محور واشنطن – تل أبيب.
في مولدافيا يوجد إقليم تراينسديسترا الذي يتطابق لجهة الوضع القانوني والسيادي مع نفس نموذج أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
• أعد النظام المولدافي الموالي لأمريكا وإسرائيل العدة لشن عملية عسكرية ضد الإقليم بما يشبه سيناريو الهجوم الجورجي.
• أصدرت موسكو تحذيراً قويا ضد النظام المولدافي من مغبة القيام بأي عمل عسكري.
وتقول التسريبات بأن النظام المولدافي حتى الآن وإن لم يقم بتنفيذ عمليته العسكرية فإن موسكو ستسعى للاعتراف باستقلال الإقليم على النحو الذي سيشكل ضربة انتقامية قاسية ضد أحد حلفاء محور تل أبيب – واشنطن في البحر الأسود.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد