مسلسل العقوبات واضطراب توجهات السياسة الأمريكية تجاه سوريا
الجمل: بدأ مسلسل العقوبات الأمريكية ضد سوريا يأخذ شكلاً مضطرباً، يعكس اضطراب توجهات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، وقد جاءت العقوبات الحالية الإضافية، والتي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأمريكية تحقيق النجاح –ولو مؤقتاً- في مسيرة الجهود الأمريكية المفترضة إزاء إحلال السلام في الشرق الأوسط.
* الطبيعة المتقلبة للسياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا:
تقول الفكرة بأن الولايات المتحدة في تعاملاتها وتوجهاتها إزاء سوريا، تقوم دائماً بالهروب إلى الأمام كلما فشلت أو أخفقت في تحقيق أهداف معينة، وهو هروب إلى الأمام لم يجلب للإدارة الأمريكية الحالية وسابقاتها سوى المزيد من الإخفاق والفشل:
• طالبت الإدارة الأمريكية بخروج القوات السورية من لبنان، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في لبنان، وعندما خرجت القوات السورية خرج معها الأمن والاستقرار... وجاءت محاولة الغزو الإسرائيلية لتضيف المزيد من الأعباء الجديدة التي زادت من مخاطر وتهديدات الأمن والاستقرار في لبنان.
• زعمت الإدارة الأمريكية بأنها تنوي إرسال قواتها إلى العراق من أجل القضاء على أسلحة الدمار الشمال العراقية وتحرير العراقيين، وعندما فشلت، بسبب من مقاومة العراقيين، زعمت الإدارة الأمريكية بأن تدخل سوريا في الشئون العراقية هو السبب في عدم استقرار العراق.
• تبنت الإدارة الأمريكية دعم قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وعندما تزايدت المعارضة الداخلية اللبنانية، زعمت الإدارة الأمريكية بأن سوريا هي التي حركت الشعب اللبناني المعارض والرافض لتوجهات حكومة السنيورة الموالية لأمريكا وإسرائيل..
* العقوبات الأخيرة ضد سوريا - ماذا تحمل الإشارة:
قرار العقوبات الأخيرة ضد سوريا، والذي أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية، لم يكن قراراً عفوياً، ويتميز بجملة من الخصائص الجديدة في أداء السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، وتتمثل أبرز أبعاد القرار الجديد:
• التوقيت: تزامن قرار العقوبات مع أربعة تطورات هامة تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط:
* خلافات لبنان الداخلية حول الانتخابات الرئاسية.
* التصريحات الإسرائيلية الجديدة حول السلام مع سوريا والتي وردت على لسان ديختر وزير الأمن العام الإسرائيلي.
* إلغاء مؤتمر الفصائل الفلسطينية في دمشق، وضغوط محمود عباس التي تزامنت مع قرار الإلغاء ضد الإسرائيليين.
* الموقف التركي المتشدد إزاء أزمة شمال العراق.
• الاستهداف: من حيث الطبيعة والنطاق يمكن الإشارة إلى الآتي:
* طبيعة العقوبات:استهدفت العقوبات أربعة شخصيات: اثنين من سوريا، واثنين من لبنان.
* نطاق العقوبات: لم يكن نطاق العقوبات محصوراً هذه المرة بسوريا وحسب بل اتسع ليشمل لبنان أيضاً.
* الذرائع: ركز قرار العقوبات على بناء ذرائع جديدة، بكلمات أخرى، فإنه إضافة إلى الأشخاص السوريين الذين استهدفهم القرار، فقد استهدف أيضاً أشخاصاً لبنانيين معارضين لحلفاء أمريكا وإسرائيل في لبنان، على أساس اعتبارات تقول بأن هؤلاء اللبنانيين ناشطون في دعم النفوذ السوري في لبنان..
• الشدة: يعتبر قرار العقوبات من القرارات المنخفضة الشدة، على أساس اعتبارات أنه حصر الاستهداف في الأشخاص، ولكنه على أساس اعتبارات "الذرائع"، فإنه يعتبر قراراً مرتفع الشدة، وذلك لأنه يسعى إلى استهداف العلاقات السورية – اللبنانية، ويسعى إلى تقييد حرية اللبنانيين في ممارسة حقهم المشروع في معارضة الحكومة اللبنانية، وبالتالي يمكن القول بأن قرارا العقوبات قد هدف إلى "ردع" اللبنانيين من مغبة ما يمكن أن تتخذه الإدارة الأمريكية ضدهم إن تجرؤوا على ممارسة "الحرية" في رفض التوجهات الأمريكية والإسرائيلية إزاء لبنان.
* التداعيات وردود الأفعال:
استهدف نص قرار وزارة الخزانة الأمريكية السوريين واللبنانيين عن طريق:
• تجميد الأصول والأرصدة الخاصة بهم ضمن دائرة السيادة الأمريكية.
• حظر ومنع الأطراف الأمريكية من التعامل معهم.
بغض النظر عن الأضرار المالية التي يمكن أن تلحق بهؤلاء الأشخاص، فإن أبرز التداعيات يمكن أن يتمثل فيما يلي:
• احتمال أن تنتقل "عدوى" القرار إلى البلدان الأوروبية، والتي أصبحت أكثر قابلية للتقيد بالإجراءات العقابية الأمريكية.
• الإضرار بعلاقات المستهدفين المالية والتجارية ضمن البيئة الإقليمية.
• التمهيد من أجل احتمال "بناء الذرائع" الإضافية ضد بعض الأطراف الأخرى في المستقبل على أساس أنها مرتبطة بهؤلاء المستهدفين.
• الإضرار بعلاقات وارتباطات القطاع الخاص اللبناني.
• توفير الذرائع للأجهزة والمؤسسات الأمريكية من أجل التدقيق في معاملات القطاع الخاص السوري واللبناني، على النحو الذي إن لم يؤدي إلى المصادرة والحجز، فعلى الأقل سيؤدي إلى تعطيل المعاملات المالية وإبطاء عملية تنفيذها.
عموماً، الوجه الآخر من العملة يشير إلى صورة جديدة تتكامل مع الصورة الأخرى، وإن كانت تختلف عنها، بكلمات أخرى، من المعروف تماماً للجميع أن قوى 14 آذار وحكومة السنيورة تقوم بشن حرب "وكالة" سياسية نيابة عن أمريكا وإسرائيل ضد سوريا وضد المقاومة اللبنانية، ولكن بسبب اتساع المعارضة اللبنانية لتوجهات قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، فإن الإدارة الأمريكية لم تكتف بتقديم المساعدات المباشرة لهما، بل وأضافت هذه المرة أسلوب القيام بشن حرب "وكالة" اقتصادية وتجارية ومالية، نيابة عن قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، وإن كانت تستند إلى قانون محاسبة سوريا واستقرار لبنان، فإن عملية "الوكالة" هذه تهدف بشكل أساسي إلى تقديم الدعم والمساندة لحلفاء أمريكا اللبنانيين عن طريق إضعاف خصومهم والمعارضين لهم في الساحة اللبنانية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد