معادلة توازن القوى الجديدة في الخليج العربي
الجمل: تتركز الأنظار بشكل لافت على مستقبل الخليج العربي في ظل الوجود العسكري الأمريكي المكثف وعلى ما يبدو أن ملف أمن الخليج سوف لن يكون شأناً أمريكياً خالصاً فقد جاءت فرنسا مؤخراً على خلفية القاعدة العسكرية الفرنسية التي تم إنشاؤها في الخليج، وجاءت الصين تحت غطاء الترتيبات العسكرية البحرية الإيرانية وحالياً فإن صعود القوة النووية والصاروخية الإيرانية سيترتب عليه المزيد من التغييرات والتعديلات الميدانية بما يتلاءم وينسجم مع معادلة توازن القوى الجديدة في الخليج.
* إشكالية أمن الخليج: المقاربة الجيو-سياسية:
يبلغ عدد الدول المطلة على الخليج العربي ثمانية هي: إيران، السعودية، العراق، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، عمان.
على أساس اعتبارات القدرات العسكرية يمكن تصنيف دول الخليج إلى مجموعتين هما:
• الدول ذات القدرات العسكرية الكبيرة: إيران والعراق.
• الدول ذات القدرات العسكرية الصغيرة: السعودية، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، عمان.
يتميز الأمن الخليجي (وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي الستة) بالهشاشة والقابلية للاختراق ويمكن الإشارة إلى ذلك ضمن منظومة المهددات الآتية:
أولاً: المهددات الداخلية: ويمكن حصرها على أساس اعتبارات المستويات النوعية الآتية:
• المهددات الاجتماعية: تتميز دول منطقة الخليج باستثناء إيران والعراق بقلة عدد السكان وبالتالي فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل القيام بحشد وتعبئة السكان بما يكفي لتوفير القدرات البشرية اللازمة في وقت الحرب والعدوان وإضافة لذلك فإن القوام المجتمعي الخليجي ما زال أكثر ارتباطاً بالعشيرة والقبيلة بما يترتب عليه وجود فجوة بين الشعور بالهوية العشائرية – القبلية والشعور بالهوية الوطنية – القومية العربية وبرغم ذلك فمن المتوقع أن يتقدم الإحساس بهذه الهوية أكثر فأكثر بفضل الجهود التعليمية والثقافية الجارية حالياً في الخليج.
• المهددات الاقتصادية: برغم عامل القوة الاقتصادي المتمثل في ارتفاع العائدات النفطية فإن الطابع الريعي الذي يعتمد فيه الاقتصاد على مصدر دخل واحد يعتبر من عوامل التهديد الاقتصادي وإن كان ذلك على المستوى الطويل الأجل، أما على المدى القصير والمتوسط نجد أن أبرز المهددات الاقتصادية يتمثل في عدم وجود الأنشطة الإنتاجية الزراعية والصناعية إضافة إلى تفشي الطابع الاستهلاكي الصرف القائم على استيراد كافة المستلزمات من الخارج. ويأتي ضمن المهددات الاقتصادية العامل المالي والنقدي المتمثل في الارتباط الشديد بالمؤسسات المالية والمصرفية الأمريكية على النحو الذي ترتب عليه انتقال عدوى الأزمات الاقتصادية الأمريكية بكل سهولة وسرعة إلى الاقتصاديات الخليجية وحالياً تواجه اقتصادات دول الخليج المزيد من الخسائر بسبب ضغوط الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار صرف الدولار مقابل العملات الأخرى. ويندرج ضمن المهددات التواجد المكثف للعمالة الأجنبية المصحوب بغياب قوة العمل الخليجية بما يترتب عليه الاعتماد الكامل ليس على قوة العمل المهاجرة وإنما أيضاً على المهارات المهاجرة أيضاً.
• المهددات العسكرية: تعاني جيوش دول مجلس التعاون الخليجي من صغر الحجم وتضخم الموارد إضافة إلى عزوف السكان المحليين عن الالتحاق بهذه الجيوش وبسبب عدم وجود قدرات للتصنيع العسكري فإن هذه الدول تعتمد في الحصول على السلاح على الخارج الأمر الذي أدى إلى ارتباط المذهبية العسكرية والقتالية لها بالمذهبيات العسكرية الخارجية وبسبب الوجود المكثف للقوات الأمريكية في الخليج العربي فقد تجاوز التهديد العسكري مرحلة الخطر الوظيفي منتقلاً إلى مرحلة الهيكلي بسبب اختلال معادلة توازن القوى لصالح القوات الأجنبية بما يترتب على ذلك أن يصبح كامل الأمن العسكري الخليجي مرتبطاً بالوجود العسكري الأمريكي.
• المهددات السياسية: تعاني الهياكل السياسية من مشكلة المركزية المفرطة في عملية صنع واتخاذ القرار وتعتبر أزمة المشاركة هي السبب الرئيس وراء ذلك فالقرار السياسي في الخليج العربي تصنعه وتتخذه نخبة صغيرة، وعادة ما يفتقر إلى العمق الأبستمولوجي السياسي والإداري التنظيمي. وحالياً يعتبر العامل الخارجي هو الأكثر تأثيراً في عملية صنع واتخاذ القرار مقارنة بالعامل الداخلي.
برغم الجهود الذاتية الخليجية لبناء القدرات الذاتية فقد لعبت العوامل الموضوعية دوراً أكبر في إعاقة تلك الجهود، وعلى سبيل المثال فقد كان الغزو العراقي للكويت بمثابة كارثة حقيقية يمكن مقاربته بشكل أفضل إذا قلنا أن الغزو العراقي كان بمثابة الحادي عشر من أيلول الخليجي وكان من أبرز تداعياته أن سعت النخب الخليجية إلى تغطية انكشاف الأمن العسكري الخليجي عن طريق استضافة القوات الأمريكية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لردع العدوان الخارجي وعلى وجه الخصوص في ظل فشل وعجز القدرات العربية عن القيام بالمهمة.
* الروابط الأمنية الخليجية – الأمريكية: إشكالية إدراك المهددات؟
أعد الخبير الأمريكي فيبي مار ورقة بحثية تم نشرها ضمن سلسلة المنتدى الاستراتيجي تحت رقم 39 التابع لمعهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني الأمريكي. وأشارت الورقة إلى النقاط الآتية:
• تمارس واشنطن المزيد من الضغوط على حلفائها الخليجيين لجهة القبول بإدراجهم في قائمة أولوياتهم الأمنية تجاه مخاطر التهديد الإيراني الماثل والتهديد العراقي المحتمل في حال خروج القوات الأمريكية منه.
• توجد فجوة كبيرة بين إدراك النخب الخليجية وإدراك الرأي العام الخليجي. وبكلمات أخرى لا ينظر الرأي العام الخليجي لا لإيران ولا للعراق كمصدر للخطر والتهديد.
• تتعاون النخب الخليجية مع أمريكا وفي الوقت نفسه يتزايد العداء لأمريكا في أوساط الرأي العام الخليجي.
• تعتبر الكويت الأكثر انسجاماً مع التوجهات والإدراكات الأمريكية إزاء الخطر الإيراني الماثل والخطر العراقي المحتمل إضافة إلى أن الرأي العام الكويتي تكاد لا توجد فيه مشاعر العداء لأمريكا مقارنة ببقية الدول الخليجية.
أبرز النتائج التي خلصت إليها الورقة تمثلت في الآتي:
• إن استراتيجية الاحتواء التي تطبقها أمريكا في الخليج هي استراتيجية لم تعد تتمتع لا بالقبول ولا بالمصداقية في نظر الخليجيين.
• يربط الرأي العام الخليجي بين وجود القوات الأمريكية في الخليج وبين وجودها في العراق وبالتالي في حالة انسحاب القوات الأمريكية من العراق فمن المتوقع أن يطالب الرأي العام الخليجي بسحب القوات الأمريكية.
• ستسعى أمريكا للإبقاء على قواتها في الخليج تحت ذرائع ومبررات مواجهة الخطر الإيراني الماثل ومن المتوقع أن تلجأ واشنطن إلى تغيير مفردات خطابها السياسي وبدلاً من استخدام مفردات "مواجهة الخطر الإيراني" الماثل سيتم استخدام مفردات كـ"احتواء الخطر الإيراني" تماماً كما كان في السابق "احتواء الخطر السوفيتي" الذي أتاح لواشنطن إبقاء وجودها العسكري في أوروبا وتركيا لأكثر من نصف قرن دون معارضة أوروبة أو تركية.
• ولاية القوات الأمريكية الموجودة في الخليج لا تتضمن التحديد الدقيق المفصل بالقدر الكافي وفقط تركز على المفاهيم ذات الطبيعة السائلة وغير المحددة، ومن أبرزها: حماية المصالح الأمريكية، حماية أمن حلفاء أمريكا، وما شابهها. وحتى مفهوم الخطر الإيراني الماثل والخطر العراقي المحتمل غير موجودان بالشكل الكافي في مفردات خطاب القوات الأمريكية في الخليج.
عموماً، الخروج الأمريكي من العراق وإن كان سيترتب عليه مطالبة الرأي العام الخليجي بالخروج الأمريكي من الخليج كله، فإن نجاح إدارة أوباما سيترتب عليه عقد صفقة مع طهران، هو امر سيترتب عليه زيادة مطالب وإلحاح الخليجيين بضرورة سحب القوات الأمريكية من الخليج، وفي حال إصرار الأمريكيين على البقاء في الخليج لفترة أطول فمن الممكن أن يتحرك الرأي العام الخليجي من مرحلة المطالبة بخروج القوات الأمريكية إلى مرحلة استهداف القوات الأمريكية ويمكن أن نفهم مدى خطورة هذا الاحتمال إذا علمنا أن الشباب الخليجي هم من بين الأكثر في العالم انخراطاً في نشاطات ومنظمات ومليشيات إسلامية ناشطة في المسرح العراقي والإفغاني والباكستاني!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد