من استخدم السلاح الكيماوي في سوريه ؟

10-02-2015

من استخدم السلاح الكيماوي في سوريه ؟

الجمل- * فلاديمير أودينتسوف- ترجمة: رندة القاسم:
أظهرت الأحداث في الأشهر الأخيرة  أن عددا من الحكومات الغربية، و خاصة الولايات المتحدة و بريطانيا العظمى، لم تتخلّ عن محاولاتها تسييس عملية تدمير الأسلحة الكيماوية في الجمهورية العربية السورية، عن طريق لوم بعض المشاركين  في خرق شروط التخلص من الأسلحة الكيماوية في سوريه. وفي محاولة لإعادة إحياء فكرة التدخل المسلح في سوريه و الرامي لإسقاط السلطات الحالية، عادت الولايات المتحدة و عدد من الدول الغربية الى اتهام القادة السوريين باستخدام الأسلحة الكيماوية في قتالهم ضد المعارضة المسلحة. إنها ذات الميليشيات التي انتقلت تقريبا بشكل كامل إلى صف الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) ، و لا تزال توصف بالمعارضة المعتدلة في واشنطن و لندن اللتين لا تقدمان لها دعما ماديا فحسب بل و عسكريا أيضا.
و من أجل فهم تعقيد البروبوغندا الغربية و الحملة المتواصلة الرامية لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، أود أن أُذكر عدة أحداث، اعترف بها المجتمع الدولي و الأمم المتحدة، و ترتبط تماما بتدمير الأسلحة الكيماوية من قبل السلطات في دمشق.
لجأت  واشنطن بقوة إلى حجة استخدام عناصر سامة كيماوية في الحرب الأهلية في سوريه منذ 2011 كأساس لتدخل عسكري آخر في الشرق الأوسط و غزو عسكري لسوريه. و الهجوم الكيماوي على ضواحي دمشق، الغوطة، في الحادي و العشرين من آب 2013 سبب تهديدا مباشرا باللجوء الى القوة ضد سوريه من قبل الولايات المتحدة الأميركية و حلفائها. و مرارا و تكرارا أشار ممثلون رسميون عن دمشق و عدد من الخبراء الأجانب الى عدم وجود دليل مباشر عن استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل السلطات السوريه، بل توجد  محاولات قوية مستمرة من قبل الولايات المتحدة و حلفائها لإطلاق بروبوغندا تتعلق بهذه المشكلة مع اللجوء المتكرر لاستفزازات مباشرة من قبل جماعات المعارضة السورية بدعم من الغرب. في 2013 تم بنجاح إبطال التهديد بالتدخل العسكري في سوريه نتيجة لاتفاق بين الولايات المتحدة و روسيا على التخلص من مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية تحت المراقبة الدولية.
في أيلول 2013 اتخذ  مجلس الأمن في الأمم المتحدة القرار المتعلق بتدمير الأسلحة الكيماوية في سورية ، و في النصف الأول من 2014 انتهت تماما العملية الدولية لنقل عناصر الأسلحة الكيماوية خارج سوريه، و تم اثبات تحقيق هذه النتيجة، التي لم يسبق لها مثيل، من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (OPCW) في كانون الأول 2014، و لا يمكن أن يختلف اثنان حول هذه المسألة، فالعملية كانت ناجحة باعتراف كل الخبراء المرتبطين بهذا العمل. و اذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الحالية ، يمكن القول أن ملف الكيماوي السوري لم يعد قضية مشتعلة، و كل الإجراءات المستقبلية في هذا الاتجاه يجب أنك تكون وفقا لأساس واقعي و غير مسيس و تحت رعاية OPCW و ضمن إطار أجندة أعمالها.
اضافة الى ذلك خلال 2014 ، و بالتوازي مع ما ذكر من نشاطات من قبل السلطات السورية و المجتمع الدولي، كانت المعارضة السورية بشكل نظامي تنعش نشاطاتها، خاصة الوحدات المتأثرة بجهاديي داعش، بهدف الوصول الى أسلحة كيماوية أو مكوناتها. و من المعروف تماما أن مقاتلي الدولة الإسلامية استخدموا عدة مرات الكلور لأهداف ارهابية في العراق و سوريه. و هناك بعض المعلومات التي تشير الى وضع أيديهم على مستودعات أسلحة كيماويه في العراق و ليبيا، و النتائج قد تكون تراجيدية جدا، و لهذا يجب عدم إخفاء حقائق من هذا النوع و ينبغي أن تكون في حوزة OPCW  و الأمم المتحدة.
في السادس من كانون الثاني 2015 قامت بعثة تقصي الحقائق التابعة ل OPCW، و التي تحقق بقضية احتمال استخدام مواد تحوي كلور كأسلحة كيماوية في سورية، بتقديم تقرير الى مجلس الأمن يؤكد استمرار استخدام غاز الكلور السام وخاصة في ثلاث قرى سورية في ادلب و حماه عام 2014. و بنفس الوقت لم تذكر ال OPCW مرتكبي هذه الهجمات التي استخدمت من قبل لندن و واشنطن لتوجيه اتهامات لا مبرر لها الى سوريه مع الاحتفاظ بالصمت حيال الدور الحقيقي للمعارضة السورية. و لكن ،و بالعودة الى 2013، ذكر الصحفي الأميركي الناشط في حقوق الانسان و الحائز على جائزة بوليتزر سيمون هيرش  بأن السي آي ايه أعلمت الحكومة الأميركية حول امتلاك مقاتلي جبهة النصرة سلاحا كيماويا هو غاز السارين.
في شباط 2014، قام مجموعة من الخبراء في معهد ماساتشوستس للتقنية، باشراف العالم الشهير ثيودور بوستول و خبير الصورايخ السابق في الأمم المتحده ريتشارد لويد، بالتأكيد  في تقرير مفصل عن اطلاق صواريخ تحمل أسلحة كيماوية في سورية من المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. و لكن، و رغم حقيقة أن  مصداقية رأي الخبراء حول استخدام المعارضة السورية لأسلحة كيماوية قد ثبتت عدة مرات ، فان واشنطن و حلفاؤها لم يكونوا الوحيدين في عدم قبول هذا الأمر، إذ اتخذت الأمم المتحدة موقفا مماثلا ، ما يعتبر دليلا مباشرا على المعيار المزدوج في سياسة واشنطن و على التلاعب بالحقائق لأجل صالحها.و لهذا ليس من المفاجئ أنه في أيلول 2014 لم يكن هناك المزيد من المعلومات عن حالات جديدة لتورط المعارضة السورية، التي تعمل الى جانب ارهابيي داعش، في الاستخدام المتكرر و الواسع للأسلحة الكيماوية. و لكن توجد حالات ذكرت من قبل السلطات المركزية العراقية و السلطات المحلية الكردية:
في 15 أيلول 2014 استخدم غاز الكلور ضد قوات الشرطة العراقية في الاقليم المتوسط في العراق ما أدى الى جرح أحد عشر شرطيا .
في 22 أيلول 2014 استخدم ارهابيو داعش غاز الكلور شمال الفلوجه ، و قتل أكثر من 300 جندي ، وفقا لما ذكرته وكالة الأناضول مع الاشارة الى تصريح من قبل الممثل البرلماني في التحالف العراقي الوطني علي البديري. و في معقل المقاومة الكردية كابوني، لوحظ استخدام أسلحة كيماوية ، فبعد انفجار قنبلة اشتكى الناس من صعوبة في التنفس و تهيج في الجلد و العين و هي أعراض التعرض للكلور السام. و قبل ذلك في حزيران 2014 شن اسلاميو داعش هجوما كيماويا مشابها ضد قرية تبعد 12 كيلومترا عن كوباني.
و لوحظ أيضا استخدام أسلحة كيماوية في العراق كانون الأول 2014 في مدينه هيت غرب البلاد، في منطقة البغدادي  و في مقاطعة الأنبار.
في الخامس عشر من كانون الأول 2014 زودت دمشق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية OPCW  بمعلومات هامه، تتعلق بحيازة المعارضة المتمردة في الأراضي السورية على مخزون أسلحة تضم الكلور. ولهذا ، فهناك أساس قوي للشك في تورط المتمردين المسلحين السوريين ، و خاصة ما يسمى الدولة الاسلامية، في استخدام مواد سامة لأهداف ارهابية.
الحالات التي ذكرت تشير الى أن إسلاميي داعش و الكثير من المعارضين السوريين الذين انضموا إليهم في 2014 اختاروا استخدام الأسلحة الكيماوية كأولوية في العراق و سوريه ما أدى ، من بين أمور أخرى، إلى إصابات بين المدنيين. و هذا الأمر تم التأكيد عليه في تصريح نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد،  في لقائه مع مندوبي OPCW في الأول من كانون الأول 2014، اذ قال أنه خلال الحرب الأهلية السورية لم تستخدم الحكومة السورية على الاطلاق أسلحة كيماوية، و لكن مجموعات ارهابية و معارضة سورية مسلحة استخدمت الكلور السام في عدة مناطق في العراق و سوريه. و من جهتهم أكد المسؤولون في OPCW  التدمير الكامل للأسلحة الكيماوية في سوريه، و عبروا عن قلقهم من الأسلحة الكيماوية المتبقية في الشرق الأوسط، و في المقام الأول اسرائيل، و نشادوها باتباع نموذج سوريه و تدمير أسلحتها الكيماوية.
و لكن، و مع اتباعها لسياسة الكيل بمكيالين، فان واشنطن و حلفاءها ، الذين تحدثوا سابقا بحماس عن الخطر الذي يهدد العالم من جراء الأسلحة الكيماوية السوريه، يفضلون الآن التزام الصمت حيال خطر استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل المعارضة السورية و الإسلاميين، بل يدعموهم بكل الطرق الممكنة من أجل تحقيق هدف إسقاط السلطات الحالية في دمشق.


*معلق سياسي روسي
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...