من رفيق الحريري إلى علي زيدان: دروس وعبر للسوريين
الجمل- محمد صالح الفتيح: كان رفيق الحريري يوم "اغتياله" في شباط 2005 رئيس وزراء "سابق" يُجمع الكثيرون إن لم يكن الجميع أنه لم يصل إلى الحكم إلا نتيجة توافق إقليمي دولي – بداية من الجهات الإقليمية التي تملك نفوذاً في لبنان مروراً بالبلد الأوربي الذي كان مستعمراً سابقاً للبنان وصولاً إلى القطب العالمي الوحيد يومها. هكذا وصل الحريري إلى رئاسة الوزراء وبنفس الطريقة تطورت الظروف التي فرضت خيار استقالته. بالرغم من كل ذلك وبالرغم من تاريخ الحريري في إدارة الحكومة اللبنانية والتدهور الاقتصادي الذي حصل في عهده والذي لم يكن تضاعف الدين الخارجي أكثر من عشرة مرات سوى واحدة من سمات كثيرة له، فإن الرجل عقب "اغتياله" تحول إلى بطل ورمز. بل تحول "اغتياله" إلى قميص عثمان معاصر وإلى مطية أو حجة تستخدم لمعاقبة تلك الحكومة أو ذاك الحزب وأصبح الاتهام بالاغتيال هو البعبع الذي يتم التلويح بإطلاقه على أي جهة حسب ما يقتضي الحساب الغربي والأمريكي.
وصل الحماس الغربي والأمريكي يومها إلى الإصرار على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشأت بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1757 الذي تم إقراره في 30 أيار 2007. كان اللافت حينها في نقاشات مجلس الأمن التي سبقت اصدار القرار المذكور هو الإصرار الغربي والأمريكي على اعتبار اغتيال الحريري جريمة ضد الإنسانية وبالتالي لاتبقى أي حصانة سياسية أو دبلوماسية لأي جهة قد يوجه لها الاتهام؛ ذهب الغرب يومها أيضاً إلى الإصرار على طرح القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية لإجبار الجهات المعنية على الالتزام بالقرار. يومها أنقذت اليقظة الروسية والصينية الموقف عندما تم التلويح باستخدام الفيتو ضد القرار مالم يتم شطب عبارات "جريمة ضد الإنسانية" و"الفصل السابع" وهذا ماحصل ليتم تمرير القرار. الجدير بالذكر أيضاً أن روسيا والصين وبعض الدول أصرت على الامتناع عن التصويت وذلك لكون القرار من وجهة نظرهم يعتبر أصلاً تجاوزاً وتدخلاً في صلاحيات دولة صاحبة سيادة – أي لبنان!
هكذا تحول "اغتيال" الحريري و المحكمة الدولية التي تحقق في "اغتياله" إلى سهم في الجعبة الأمريكية يطلق أو يتم التهديد بإطلاقه عند اللزوم. إحدى هذه الأمثلة تعود إلى نهاية العام 2010 و مطلع العام 2011 عندما كان يتم التلميح بإصدار قرار ظني يوجه تهمة "اغتيال" الحريري إلى بعض عناصر حزب الله مما يفتح الباب لاتهام الحزب نفسه وتفجير الوضع في لبنان والمنطقة. المفارقة السمجة هي أنه وما أن بدأت الأزمة في سورية حتى تم إعطاء القرار الظني المذكور "حبة منوم" ليبقى طي الأدراج حتى إشعار آخر ريثما تعود الظروف الملائمة لإشهار هذه الورقة مجدداً. فاليوم هناك أزمة في سورية والمنطقة ولاداعي لاستخدام وحرق جميع الأوراق بيد اللاعب الأمريكي.
أما اليوم – العاشر من تشرين الأول 2013 – فقد تم اختطاف رئيس الوزراء الليبي المنتخب علي زيدان (أو اعتقاله/احتجازه إذا ماكان القارئ من جمهور قناة الجزيرة القطرية). علي زيدان (وعلى عكس "الرجل الحريري رفيق") كان محامياً ودبلوماسياً ليبياً أمضى أكثر من ثلاثة عقود من حياته في المنفى بعد انشقاقه عن السلك الدبلوماسي في السفارة الليبية في الهند في العام 1980. عقب انشقاقه، شكل زيدان وبعض رفاقه "الجبهة الوطنية لخلاص ليبيا" الذي عمل من المنفى لحوالي ثلاثة عقود قبل أن يعود أفراده إلى ليبيا عقب الغزو الأطلسي لها. في تشرين الثاني من العام الماضي تم انتخاب برلمان ليبي يفترض أنه كان يعبر أو يمثل الشعب اللييبي وإرادته الحرة. إلا أن الحقيقة التي ظهرت اليوم بعد أقل من عام من هذا الانتخاب هي أنه وفي مجتمع حملة السلاح، إرادة الشعب لاتساوي حذاء مسلح واحد! فما بالك إذا ماكان هذا المسلح قد منح الشرعية الثورية التي تتجاوز أي شرعية أخرى حتى لو كانت شرعية صندوق الانتخاب!
من خطف علي زيدان – أو اعتقله أو احتجزه إذا أحببتم – أصدر وبكل وقاحة بياناً يقول بأنه "تم اعتقال المذكور وفق قانون العقوبات الليبي!" ليكون بذلك قد نصب نفسه مدعياً وقاضياً وربما جلاداً أيضاً! من الجدير بالذكر هنا بأن هذا البيان لم يتكرر سوى على قناة الجزيرة القطرية التي حرصت على استخدام مفردات "اعتقال" و"احتجاز" فقط عند الكلام عن زيدان. يبدو أن علي زيدان كان تعيس الحظ فبعد ساعات طويلة من اعتقاله لم يبدو أن هناك أي جهة دولية مستعدة للتدخل لأجله فلم يصدر سوى بيان يتيم من وزير الخارجية البريطاني يدين اعتقاله ويطلب إطلاق سراحه! فلا يبدو أن لعلي زيدان حظ المرحوم الحريري؛ فلن يكون هناك من يلوح باستخدام الفصل السابع أو حتى السادس ضد مختطفيه. ففي الحالة الليبية لا فائدة من مثل هذا السيناريو حتى لو كان الثمن هو حياة أو كرامة رئيس وزراء دولة يفترض أنها كانت يوماً دولة ذات سيادة! فالمجتمع الدولي لايتحرك لسواد عين شعب ما أو لحمايته كما حاول – ويحاول – البعض أن يروج. فالتدخل هو سلوك مكلف عسكرياً وسياسياً وفي عالم اليوم لا أحد يتدخل بلا ثمن أو بلا مقابل. ومن المستبعد – إن لم يكن من المستحيل – أن تتفق مصلحة الطرف الذي يتدخل مع مصلحة الطرف المتدخل به!
يقال بأنه قد تم إطلاق سراح رئيس الوزراء الليبي المختطف/المعتقل/المحتجز، ولكن علي زيدان وليبيا لن يكونوا اليوم أو غداً كما كانوا بالأمس. فما حدث يؤكد نقطة طالما تم تجاهلها والتعامي عنها طويلاً لأهداف خبيثة وهي أن السلاح الذي لاتوجد ثقافة خلفه وحين يحمله الرعاع يتحول فقط وحتماً إلى أداة لهدم بنية الدولة وتفكيك المجتمع. هنا يبدو الواقع الليبي اليوم مشرقاً بالمقارنة مع المستقبل السوري؛ ففي ليبيا لم يكن هناك مجاهدون أو مقاتلون أجانب أم في الحالة السورية فهناك ألاف – وفق أكثر الروايات تفاؤلاً – إلى عشرات الألاف من المقاتلين والمجاهدين الأجانب الذين قدموا من أكثر من 80 بلداً أجنبياً. إذا مادققنا في سلوك حملة السلاح في ليبيا بعد أكثر من عامين من تحقيقهم الغاية التي أدعوها سبباً لحملهم السلاح فلايمكننا أن نصدق أن هؤلاء الألوف في سورية سيغادرون سورية ويتركونها للسوريين "إذا" ما حققوا أهدافهم ونصرهم المزعوم.
اليوم في سورية لايوجد جهة قادرة على حفظ وإنقاذ نسيج المجتمع السوري وهيكلية دولته سوى الجيش العربي السوري لذلك يصبح الواجب الأخلاقي والشرعي هو الوقوف خلف هذا الجيش في وجه أي يد تحمل السلاح سواء أكانت يداً سورية أو يداً وافدة من أي جهة كانت. اليوم يظهر وبشكل لايقبل الجدل أن الجيش العربي السوري يحمي "مستقبل" سورية من مصير مشابه للواقع الليبي؛ وهو واقع يتحول فيه المجتمع إلى غابة الكلمة العليا فيها لحامل السلاح الذي ترجح كفته على كفة الشعب وإرادته. الرمادية اليوم تعني فقط إعطاء ضوء "أصفر" لخلق واقع ليبي آخر في سورية. إذا لم يكفي الواقع الليبي لأخذ العبرة فلا أعلم حقيقة من أين يمكن أن نأخذها؟ مصير علي زيدان يجب أن يكون أيضاً قدوة لكل معارض سوري؛ فبناء على ماحصل اليوم يبدو بيناً أن الغرب لا يكترث بتاريخ أو بمصير أي معارض في أي بلد مادامت مصلحة الغرب محمية ومصانة. مرة أخرى: لتكن لكم في مصير زيدان قدوة وعبرة.
الجمل
التعليقات
عبر و اعتبار
إضافة تعليق جديد