من يقف خلف محاولة اغتيال علي عبد الله صالح
الجمل: تحدثت التقارير الإعلامية الجارية مساء الأمس وصباح اليوم بكثافة غير مسبوقة عن الهجوم الدامي الذي جرى ظهر أمس الجمعة، واستهدفت فعالياته اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والذي أكدت التقارير بأنه تعرض لبعض الإصابات السطحية، فهل يا ترى تمثل حادثة محاولة الاغتيال هذه مجرد نقطة في حركية مسلسل الصراع اليمني. أم أنها تمثل نقطة تحول نوعية جديدة يمكن أن تلقي بالمزيد من الضوء على احتمالات تزايد لجوء الأطراف الشرق أوسطية المتصارعة حالياً لجهة استخدام عمليات الاغتيال السياسي كوسيلة لحسم الصراعات؟
* محاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح: ماذا وراء السيناريو؟
سارعت الأطراف اليمنية المتصارعة إلى إطلاق التصريحات المتعاكسة حول محاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وبرغم نفي رموز المعارضة اليمنية، وعلى وجه الخصوص الشيخ صادق الأحمر زعيم قبيلة حاشد أي مسؤولية، فقد تحدث رموز النظام اليمني متهمين المعارضة السياسية اليمنية بالسعي لمحاولة التخلص من الرئيس علي عبد الله صالح عن طريق الاغتيال، وعلى خلفية تبادل النفي والاتهام بين الفرقاء اليمنيين، تبرز الاحتمالات المتعلقة بخلفيات فعاليات عملية الاغتيال، ويمكن استعراض هذه الاحتمالات على النحو الآتي:
• أن يكون تنظيم القاعدة قد سعى إلى القيام باغتيال الرئيس علي عبد الله صالح، وذلك أولاً لجهة الانتقام من قيام الرئيس صالح باستخدام الطائرات في قصف مناطق تمركز تنظيم القاعدة في اليمن بما أدى إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالتنظيم، وثانياً لجهة إتاحة المجال أمام تصعيد الصراع المسلح ضمن وتائر أكبر، بما يفسح المجال أمام عناصر تنظيم القاعدة لإشعال الحرب الجهادية والمضي قدماً في اتجاه بناء نظام الخلافة ـ الإمارة الإسلامية في اليمن.
• أن تكون ميليشيات قبيلة حاشد قد سعت من أجل القصاص والانتقام بسبب قيام قوات الحرس الجمهوري المؤيدة للرئيس صالح باستهداف مناطق قبيلة حاشد، واستخدام المدفعية والدبابات في قصف منازل ومقرات رموز القبيلة، إضافة إلى قيام أنصار الرئيس صالح بإشعال النار في مقر محطة البث التلفزيوني الخاصة بقبيلة حاشد، بما أدى إلى القضاء بالكامل على المحطة وحرمان قبيلة حاشد من أحد أهم وسائلها الإعلامية.
• أن تكون بعض الخلايا الصغيرة الموجودة داخل النظام قد أدركت بأن استمرار بقاء الرئيس صالح غير ممكن، وبالتالي كلما استمر بقاءه تزايدت احتمالات انهيار النظام، وتأسيساً على ذلك سعت هذه المجموعة إلى التخلص من شخص الرئيس صالح، على أمل أن يتيح ذلك فرصة استمرار النظام، خاصة أن تزايد موجات حركة الاحتجاجات السياسية اليمنية قد ظل أكثر تركيزاً على استهداف شخصية الرئيس علي عبد الله صالح نفسه وليس النظام السياسي الدولاتي اليمني الحالي.
• أن تكون مجموعة صغيرة من العسكريين اليمنيين القريبة من الرئيس صالح، قد أدركت بأن استمرار وجود الرئيس صالح قد أصبح غير ممكن، وبالتالي، إذا ظلت هذه المجموعة تدافع عنه فإنها سوف تتعرض لمخاطر التصفية مع زوال النظام، الأمر الذي دفع هذه المجموعة إلى محاولة اغتيال الرئيس صالح، على أمل أن يفسح ذلك المجال أمام القيام بانقلاب عسكري يؤدي إلى صعودها وتشكيل نظام جديد يبدو مقبولاً أمام الرأي العام اليمني.
• أن تكون بعض الأطراف الخليجية، قد سعت سراً إلى التخلص من الرئيس علي عبد الله صالح، بما يفسح المجال أمام هذه الأطراف لجهة عقد صفقة سياسية تؤدي إلى إبعاد شبح الحرب الأهلية عن اليمن، وذلك تفادياً لمخاطر انتقال عدوى الصراع اليمني الداخلي إليها.
• أن تكون جماعة الحراك الجنوبي اليمني قد سعت إلى التخلص من الرئيس علي عبد الله صالح، بما يفسح المجال أمام صعود فعاليات الصراع الأهلي الداخلي المسلح، و يتيح لهذه الجماعة إنفاذ سيطرتها على منطقة اليمن الجنوبي، وإعلان قيام الدولة اليمنية الجنوبية المستقلة عن اليمن الشمالي والذي سيكون رموزه أكثر انشغالاً بخوض صراعاتهم المسلحة الداخلية.
• أن تكون جماعة الحوثيين المسلحة قد سعت إلى اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح، بما يفسح المجال أمام صعود الصراعات الداخلية المسلحة ضمن وتائر أكبر تؤدي إلى حالة فراغ السلطة الأمر الذي يتيح لجماعة الحوثيين تعزيز قبضتها على مناطق صعدة اليمنية وإقامة كيانها السياسي المستقل.
• أن تكون الأجهزة السرية السعودية قد وجدت أن لا حل للأزمة السياسية اليمنية إلا برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، ولما كانت الأجهزة متورطة في دعم نظامه، فقد وجدت أن الخيار الأفضل في هذه الحالة هو التخلص من شخص الرئيس علي عبد الله صالح، ثم القيام بتجميع الأطراف اليمنية وعقد صفقة تتيح تحقيق التهدئة وتحقيق التغيير السياسي المطلوب بما ينسجم مع المصالح السعودية في اليمن.
• أن تكون واشنطن قد سعت لجهة القيام باغتيال الرئيس علي عبد الله صالح في هذه اللحظة الحرجة، بما يتيح نقل الصراع المسلح اليمني ـ اليمني إلى مرحلة حرب الجميع ضد الجميع، والتي سوف لن تؤدي سوى إلى تقسيم اليمن إلى كيانات قبلية تشكل كل واحدة منها دولة مستقلة صغيرة، وبالتالي يتحقق المطلوب الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي الساعي لتقسيم اليمن.
• أن تكون إسرائيل قد سعت بمفردها إلى التخلص من شخص الرئيس علي عبد الله صالح، بما يتيح لها إشعال الساحة اليمنية وتحويلها إلى مستنقع نزاع مسلح يهدد السعودية وبلدان الخليج، خاصة أن واشنطن قد سعت من قبل عبر الأجهزة السرية في عمان ومصر حسني مبارك من أجل دفع الأطراف الخليجية والسعودية لجهة قبول أن واشنطن سوف تعمل بكل قدراتها من أجل تعزيز قدرات الدول الخليجية والسعودية في مجال مكافحة التمرد والحركات السرية المسلحة، ولكن على أن يتم ذلك حصراً عن طريق التعاون عبر دفع أطراف مثلث تل أبيب ـ عمان ـ القاهرة، وكانت العمليات العسكرية التي نفذت ضد حركة الحوثيين المسلحة السابقة في اليمن من ثمار هذا التعاون.
حتى الآن، لم يستقر الرأي على صحة أي واحدة من هذه النظريات التفسيرية لجهة تحديد الجهة التي سعت إلى تنفيذ سيناريو اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وذلك بسبب تزايد عدد الأطراف ذات المصلحة في عملية الاغتيال، إضافة إلى أن الأطراف اليمنية المتصارعة قد بدت خلال الأيام الأخيرة أكثر غضباً واستعداداً لتطوير الصراع اليمني ـ اليمني من مستوى صراع بالوسائل السياسية إلى مستوى الصراع بالوسائل العسكرية.
* إدارة الصراع السياسي بالوسائل الأخرى: الاغتيالات نموذجاً
شهدت العديد من مناطق العالم صراعات سياسية، سعت "الأيادي الخفية" إلى إنفاذ العمليات السرية التي أثرت بشكل واضح في مسار هذه الصراعات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، قيام أطراف الصراع في رواندا بالسعي في عام 1994م إلى حل الصراع بالوسائل السياسية، وفي غمرة الجهود، نجحت "الأيادي الخفية" في إطلاق صاروخ أسقط طائرة الرئيس الرواندي، بما أدى إلى مقتله، الأمر الذي أدى خلال بضعة ساعات إلى إشعال نيران المذبحة الرواندية الشهيرة التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 2 مليون شخص خلال أقل من 48 ساعة، هذا وبرغم الفارق الكبير بين رواندا واليمن، فإن مفاعيل نماذج التصعيد الدموي تبقى دائماً أكثر تشابهاً وتماثلاً. طالما أن موضوع الصراع السياسي ـ أي صراع سياسي ـ يدور بالضرورة حول السلطة والثروة.
فشلت محاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ولكن برغم ذلك، فمن المؤكد أن الصراع اليمني ـ اليمني قد أصبح أكثر جاهزية لجهة الانفتاح أمام كل الاحتمالات والخيارات، إضافة إلى أنه من غير المستبعد، إن لم يكن من المحتمل تماماً أن ينتقل سيناريو استخدام الاغتيالات السياسية في مناطق الشرق الأوسط المضطربة الأخرى، مثل البحرين وليبيا وغيرها، طالما أن منطقة الشرق الأوسط ظلت طوال الحقب الماضية الأكثر شهرة من غيرها ، بالوجود المكثف لفعاليات الأيادي الخفية والأطراف الثالثة الدولية والإقليمية المتدخلة في محاولات توجيه وإعادة توجيه عجلة الصراعات السياسية الشرق أوسطية.
الأكثر احتمالاً في ظل الظروف الحالية، هو أن تنتقل عمليات الاغتيال السياسي إلى العديد من مناطق الشرق الأوسط الأخرى، وعلى وجه الخصوص في المناطق التي تشهد المزيد من الاحتقانات، وحالياً لم يعد خاف على أحد رصد الآتي:
• تورط بعض "الأطراف الثالثة" في إدخال الأسلحة إلى سوريا عبر حدودها مع تركيا والأردن والعراق ولبنان، واستخدام هذه الأسلحة في عمليات القتل التي استهدفت على السواء المدنيين والعسكريين.
• تورط بعض حكومات المنطقة في استهداف أمن وسيادة واستقرار بعض دول المنطقة الأخرى، وذلك من أجل تصفية الخصومات الإقليمية أو تنفيذ مشروعاتها المشتركة مع بعض الدول الكبرى الأجنبية الأخرى، وعلى وجه الخصوص أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، والذي تشير التسريبات إلى أن أنقرا أصبحت تمضي قدماً في اتجاه الانضمام لهذا المثلث بما يحوله إلى مربع.
ظاهرة الاغتيالات السياسية ليست جديدة في حد ذاتها على منطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت الساحة السياسية المصرية عملية اغتيال الرئيس أنور السادات، وشهدت الساحة السياسية العراقية مرحلة تحول فيها العراق إلى مستنقع للاغتيالات السياسية وعلى وجه الخصوص خلال فترة عام 2006/2007م، وبالنسبة لسوريا فقد شهدت فترة ما قبل حادثة حماة عام 1982م، العديد من محاولات اغتيال الأسد الأب. وخلال فترة أعوام 2005، 2006م شهدت الساحة السياسية اللبنانية سلسلة اغتيالات سياسية ما زالت موضعاً للخلاف والجدل، برغم أن فعالياتها معروفة سلفاً، أما بالنسبة للساحة السياسية الفلسطينية، فقد اكتسبت الأجهزة الإسرائيلية خبرة غير مسبوقة في إنفاذ فعاليات عمليات الاغتيالات المستهدفة.
وحالياً، وإن كانت محاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد فشلت، فإن احتمالات أن يتسع نطاق تكرار مثل هذا السيناريو ما تزال كبيرة. وفي هذا الخصوص تشير التوقعات إلى احتمالات قيام "الأيادي الخفية" بعملية اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي، بما يضع حداً للصراع الليبي. خاصة وأن الخلافات قد ارتفعت في أوساط الكونغرس الأمريكي لجهة المطالبة بمنع تورط القوات الأمريكية في حرب شرق أوسطية جديدة. وبالنسبة لسوريا، فمن غير المستبعد إن لم يكن من المحتمل جداً أن تسعى "الأيادي الخفية" لجهة توسيع نطاق استخدام القناصة في قتل المدنيين والعسكريين خلال الاحتجاجات بما يتيح المزيد من تصاعد الكراهية الداخلية، وفي نفس الوقت يتيح للأطراف الثالثة الخارجية توظيف فعاليات "لعبة إلقاء اللوم" على دمشق وتحميلها المسؤولية دون سواها عن ذلك، بما يفسح المجال أمام جهود أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، الرامية إلى تمرير القرارات الدولية التي تستهدف سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد