من ينتج النفط السوري.. ولمن يذهب ثمنه؟
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اتهم الحكومة السورية بالتواطؤ مع الجماعات "الجهادية" نفطياً.
قبل يومين، قال فابيوس، من الهند، إن الحكومة السورية تشتري نفطاً من "الجهاديين" الذين سيطروا على مناطق في العراق وسوريا "ما يؤكد الطابع الملتبس لهذا الصراع".
فمن يسرق النفط السوري، ومن يبيعه ومن يشتريه، وأين الالتباس؟
الأرجح أن الوزير الفرنسي يجهل أن الاتحاد الأوروبي قد جعل من نهب النفط السوري عملاً شرعياً بقرار اتحادي اتخذ في نيسان العام 2013، لكي تتمكن "حكومة" أحمد الطعمة "المؤقتة"، التابعة إلى "الائتلاف الوطني السوري"، من تمويل نفسها، ببيع جزء من النفط السوري الواقع تحت العقوبات الأوروبية والأميركية (غير الشرعية) في السوق الدولية.
ومنذ ذلك الحين لم يبع "الائتلاف" السوري برميلاً واحداً، ولم يتسن لـ"وزارة الطاقة الائتلافية" في مقرها التركي في غازي عينتاب أن تملأ صفيحة واحدة من خزانات النفط السوري عند بوابات تل أبيض السورية القريبة، حيث يتم نقله وتصفيته لحساب أمراء الحرب و"الجهاد" السوريين والعرب والأجانب، وبيعه إلى شركات تركية.
ولم ينتظر أمراء "جبهة النصرة"، مثل فيصل البلو، قبل أن يسجنه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش"، قرار رفع العقوبات عن النفط السوري، لكي يباشر مع ثمانية من أمراء الحرب في المنطقة "تصنيع سرقة النفط السوري، وشراء مصاف تركية، بعد تفكيك وبيع محالج قطن حلب، وصوامع رأس العين، لتمويل الإنشاءات النفطية الحدودية".
ومقارنة بالاحتياطي النفطي العراقي، لا يشكل 380 ألف برميل يومياً من النفط السوري عرضاً كافياً أو مغرياً لشن الحرب من أجله، على ما يردده خبراء الأسواق النفطية. لكن النفط السوري كان ولا يزال يلوح في خلفية المشهد، خصوصا في مناطق إنتاجه الأساسية في الشرق السوري. لا حاجة إليه في الغرب، ولكن آلة الحرب المحلية تحتاجه، فيما تمتد يد "الخلافة الإسلامية" إلى إعادة توحيد "الجهاد" والرايات والآبار والعشائر في بيعة واحدة، بعدما تفرقوا شيعاً وآباراً ومصافي ووسطاء، وهو دور يضطلع به جانب مهم من اقتتال إخوة "الجهاد" على ضفتي الفرات، ومن هجوم "خوارج" أبو بكر البغدادي، على "مرتدي" زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني في معقلهم الأخير في الشحيل، وطردهم إياهم من أرياف دير الزور الشرقي والغربي ودخول البوكمال، ومحاصرة أحياء المعارضة في قلب مدينة دير الزور، تحت نيران متقاطعة مع الجيش السوري، على المقلب الآخر للحصار.
ومنذ أن استولت "النصرة" قبل عامين على الرقة، باسم البغدادي، يواصل القائد العسكري لـ"داعش" في سوريا عمر الشيشاني تثبيت قواته في الشرق السوري والعمل كقوة إقليمية على حماية موردها الاستراتيجي الذي يدر عليها يوميا ما لا يقل عن مليون دولار من بيع خمسين ألف برميل، بحسب تقديرات وزارة النفط السورية للكميات التي يجري إنتاجها من الآبار المنهوبة.
وفي دير الزور وجنوب الحسكة، يتقاسم النفط "أبناء" البغدادي و"النصرة" و"أحرار الشام" وكتائب محلية وتجمعات عشائرية، تقاتل تحت مسميات "جهادية" من العقيدات والبكير والبكارة والقرعان والبوخابور وغيرهم. أما في الرميلان في الشمال الشرقي، فيبسط "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي سيطرته على واحد من أضخم الحقول والمنشآت النفطية السورية. ويقترب عمر الشيشاني، في ضوء معارك الأيام الماضية، من تحقيق أهداف "أميره" البغدادي، والزبائن الأتراك، بتثبيت السيطرة على منابع النفط السوري وتوحيد شباك البيع، وحماية طرق نقله من دير الزور نحو الرقة شمالا فالحدود التركية.
وخلال معارك الأشهر الماضية، رست خريطة النفط السوري على الصورة الآتية: تمكنت "دولة" البغدادي من استعادة أهم المواقع النفطية حول دير الزور. وانتقلت السيطرة على معمل غاز "كونيكو" من يد زعيم "الهيئة الشرعية ومفتي النصرة" عمار الحداوي إلى عمر الشيشاني، الذي ألغى اتفاقا سابقا بين الحداوي وعشائر الخشام بمنحها ثلث إنتاج الغاز، وقام بتهجير أهالي البلدة التي كانت قد بايعت "النصرة". وباتت "الدولة" تسيطر على المعمل الذي يضخ الغاز إلى محطة توليد الطاقة في حمص.
وسيطر الشيشاني على حقل الجفرة النفطي منتزعاً إياه أيضاً من هيئة الحداوي "الشرعية". وكانت "النصرة" قد منحت 30 بئراً من الحقل لعشائر العقيدات، لحمايته وضمان ولائها. وانتزعت "الدولة" محطة التحويل "تي تو" من "جيش أهل السنة والجماعة"، وهي محطة تقع على خط النفط العراقي السوري. وأصبحت محطة "ديرو" في عهدة الشيشاني، بعدما بايعته عشائر قرى الصعوة والزغير ومسلحوها. أما حقل التنك، أحد أهم حقول المنطقة، فيتقاسمه تحالف من "أحرار الشام" و"لواء جعفر الطيار" و"ابن القيم" و"أهل الأثر" مع مجموعة من عشائر وعائلات المنطقة.
وتسيطر عشائر الغرانيج سيطرة واسعة على حقل التنك، إذ يستغل عبد الحميد الحماد وأقاربه ألف برميل يومياً. وينتج حبيب ذياب الدوري 1300 برميل يومياً. ويحصل كريم البدوي على ألف برميل، ويذهب 900 برميل إلى توفيق العيفان، ويحصل أبو سراج على ألفي برميل لحسابه يومياً. وتحصل عشائر قرية أبو حمام على حصتها أيضا من حقل التنك. وتعد عائلة البحر الأوفر حظاً، إذ تبيع يوميا أربعة آلاف برميل. وتنتج الآبار التابعة لآل النهر 1500 برميل، بينما تنتج آبار حميد الزعلان 2500 برميل، ويحصل آل العمر على 1500 برميل يومياً. ويدير الشقيقان عميري ووائل الحمود بئراً لا تنتج أكثر من 200 برميل يومياً، فيما تعمل عائلة الدعيمي على إنتاج ألفي برميل من عشر آبار في حقل التنك. وتتقاسم عائلتا جمعة والميسر بئر المرسوم التي تنتج ألف برميل يوميا.
ومن المفترض أن تحسم معارك الأيام المقبلة مصير حقل العمر، مع وصول جنود البغدادي إلى المدخل الشمالي لمدينة الشحيل، معقل "النصرة". ويعد العمر حقلا مهما على سلم الإنتاج في دير الزور. وكانت "النصرة" قد خصت "الهيئة الشرعية" بعشرة آلاف برميل يوميا، وحصلت عشائر قرى درنج وسويدان وجزيرة والجرذي والطيانة وذيبان والحوايج على 12 ألف برميل يوميا من جنوب شرق الحقل. وتسيطر عائلات قرى الشحيل على 10 آلاف برميل غرب الحقل.
أما أبرز العائلات التي تستغل حقل العمر فهي السياد، التي تحصل على عائدات أربعة آلاف برميل يوميا، تليها المزعل بـ3500 برميل. أما عائلة الفياض فتكتفي بألف برميل يوميا. ويتقاسم نواف وعطو ورشو السرحان إنتاج 500 برميل يوميا.
أما حقول الخراط، والتيم، والورد، فمعظم آبارها، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" قد تعرض إلى أضرار كبيرة. وقد عهد ببعضها، ولا سيما التيم، إلى 12 شخصاً، من قرى وبلدات الموحسن والمريعية والطوب والبوعمر والبوليل، للإشراف على الإنتاج القليل الذي لا يتجاوز 300 برميل يومياً.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد