مواطَنة لا لجوء للعراقيين في سوريا
قبل ثلاثة عشر عاماً، شرّعت سوريا حدودها لاستقبال العراقيين الهاربين من الغزو الأميركي للبلد الشقيق.
دخل العراقيون إلى سوريا مُعزّزين مُكرّمين منذ نيسان العام 2003، وظلّوا يتوافدون إليها. وفي عزّ أزمتها، لم تُغلق باباً بوجههم، فتوافد حوالي 95 ألف لاجئ عراقي، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، من الموصل إلى الحسكة بعد احتلال تنظيم «داعش» لمدينتهم.
يُقدّر عدد اللاجئين العراقيين الذين توافدوا إلى سوريا بين العامين 2003 و2009، بحوالي مليوني شخص، 260 ألفاً منهم تسجّلوا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للحصول على المساعدات، بينما اعتمد البقية على دعم المجتمع والحكومة السوريين.
لم تفرض الحكومة السورية على اللاجئين العراقيين أي قيود لدخول أراضيها عقب الحرب على العراق، ففور نزوحهم، كان العراقيون اللاجئون يُمنحون إقامات لمدة ستة أشهر لحين استكمال إجراءات النزوح، على أن يتمّ تجديدها دورياً من دون أي عقبات.
كما لم يتمّ تقييد حياتهم الشخصية داخل الأراضي السورية، فلم تُفرض عليهم الإقامة في مخيمات للجوء أو داخل ملاجئ، بل تمتّعوا بحريّة اختيار طريقة العيش والاندماج داخل المجتمع السوري. فانتشر العراقيون في مختلف المناطق السورية.
يروي عدنان، لاجئ عراقي يعيش في مدينة جرمانا في ريف دمشق، أنه دخل إلى سوريا في العام 2005 واستطاع أن يفتح محلاً لبيع الأحذية، ويُجاور مئات العراقيين الذين يعملون بشكل فردي أو عند أشقائهم السوريين.
مع انتشارهم فيها، نشأت في سوريا أسواق جديدة خاصّة بالتجار العراقيين في جرمانا ومخيم اليرموك ودير الزور وغيرها. ويروي جمال (تاجر من جبلة): «خلال الفترة بين العامين 2004 و2009، أنشأت مجموعة من التجّار العراقيين (حوالي 80 تاجراً وعاملاً) سوقاً جديداً في الطريق المؤدي إلى قلعة جبلة».
تمتّع اللاجئون العراقيون، خلال تواجدهم في سوريا، بالخدمات التي تُقدّمها الحكومة السورية لمواطنيها، مع بعض الاستثناءات كالحصول على وظيفة حكومية. فكانوا يتلقّون العلاج المجاني في مستشفيات الدولة السورية من دون إجراءات مُسبقة كأي مواطن سوري.
ولم تُغير الحكومة السورية سياستها الاستشفائية تجاه اللاجئين العراقيين حتى الآن، على الرغم من أنها (السياسة) شكّلت عبئاً كبيراً على قطاع الصحة على مدى سبع سنوات تقريباً.
وعلى صعيد التعليم، تلّقى اللاجئون العراقيون تعليمهم بالمجاّن. يقول مصدر في وزارة التربية السورية إن عدد الطلاب وصل أحياناً إلى مئة ألف طالب عراقي، درس معظمهم في مدارس ريف دمشق، بينما انتشر البقية في مدارس القِطر ضمن المحافظات.
يوضح حيدر (لاجئ عراقي يعيش في اللاذقية) أنه تلقّى تعليمه في المدارس الحكومية السورية مثل أي طالب سوري، ونال الشهادة الثانوية، ويتلقّى أخوته حالياً تعليمهم في المدارس السورية»، ويقول: «كلاجئين عراقيين، لم يتغيّر علينا شيء باستثناء أن هذا البلد الجميل الذي احتضننا بات حزيناً بفعل الحرب.
فاطمة لاجئة عراقية أخرى، تلقّت تعليمها في المدارس السورية، وحصلت في العام 2014 على معدل عالٍ جداً في الثانوية العامة واستطاعت دخول كلية الطب.
تغيّرت حياة اللاجئين العراقيين بعد الأزمة السورية، على اعتبار أنهم كانوا يسكنون في مناطق ريف دمشق التي تحوّل أغلبها إلى مسرح لمعارك طاحنة، ما دفع كثيرون منهم للنزوح داخل سوريا أو المغادرة إلى الخارج وتحديداً أوروبا، في حين عاد بعضهم إلى العراق.
وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، استقرّ قرابة 33 ألف لاجئ عراقي في سوريا، وتوافد قرابة 95 ألفاً آخرين إلى ريف الحسكة مؤخراً، وهؤلاء يتمتّعون بوضعية لجوء خاصّة وظروف إقامة خاصّة لهم بحُكم المنطقة التي يعيشون فيها والتي تقع تحت سيطرة الأكراد.
بعد الحرب، لا يزال اللاجئون، الذين استقرّوا في سوريا، يتمتّعون بظروف معيشة السوريين تماماً. ويقول حيدر: «ما زلنا نتلقّى كل الخدمات التي مُنحت لنا قبل الحرب، وما زال المجتمع السوري حاضنا ً لنا على الرغم من جراحه، هنا نحصل على الأمان والرعاية وابتسامة المضيف الطيب».
أبواب سوريا ما زالت مفتوحة أمام اللاجئين العراقيين، حيث يتنقلون بين المحافظات السورية للحفاظ على علاقاتهم الاجتماعية وعلى جزء يسير من ثقافتهم ولهجتهم وإن أمضوا عشر سنوات في سوريا.
وتمكّن اللاجئون العراقيون من بناء صداقات جيدة جداً مع المجتمع السوري. ويشرح حيدر أنه «وجد نفسه بين مجموعة الزملاء الذين يعمل معهم، فتحوّلوا بحكم المعرفة والوقت إلى أصدقاء».
يصف أحد العاملين في الحقل الانساني سوريا بـ«صديقة اللاجئين»، مشيداً بالحياة التي تمنحها للاجئين أياً كانت جنسيتهم، موضحاً أنها حتى الآن تستضيف لاجئين من الصومال إضافة إلى العراقيين والفلسطينيين.
يشعر العراقيون في سوريا كأنهم مواطنون سوريون. هذا الشعور يمنحهم إياه المواطنون السوريون وكذلك الدولة السورية. شعور لطالما خبره الفلسطينيون الذين لجأوا إلى سوريا قبل عقود.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد