نصر الله: في حلب.. تكون سوريا أو لا تكون
انطوت سنتان وشهر بالتمام والكمال، ولبنان بلا رئيس للجمهورية.
حتى في الخطاب السياسي للقوى السياسية، لم يعد يمر العنوان الرئاسي إلا من قبيل المجاملة، على طريقة مداخلات رئيس الحكومة تمام سلام الاستهلالية لكل جلســة من جلسات مجلس الوزراء.
في هذه الأثناء، شكّل الخطاب السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في ذكرى أربعين القيادي الشهيد السيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار)، مناسبة لتوجيه سلسلة رسائل غلب عليها الطابع الإقليمي، وركيزتها آفاق معركة حلب.
كما تميّز خطاب «السيد» بشفافية في مخاطبة جمهور المقاومة، ومحاولة مدّه بجرعات من الصراحة، في معرض مقاربة مجريات الميدان السوري، ليخلص إلى أن الحزب يعاني من مشكلة استيعاب لا من مشكلة استقطاب أو إقناع لجمهوره، برغم ارتفاع منسوب التضحيات والاستعداد لتضحيات ستكون أكبر في المرحلة المقبلة ربطاً بالنتائج التي يعوّل عليها الأمين العام لـ «حزب الله» لمعركة حلب التي وصفها بأنها «كبرى» و «إستراتيجية».
ومن الواضح أن خطاب نصر الله السوري، جاء غداة سلسلة تطورات سياسية وميدانية، أبرزها «الثمن الغالي» الذي دفعه الجيش السوري وحلفاؤه وبينهم «حزب الله» اثر قرار وقف الأعمال القتالية بدءاً من 27 شباط 2016، وكانت الكلفة الأولى في تل العيس، ثم في ريف حلب الجنوبي، فضلا عن تراجع الدينامية التي ولّدها الانخراط الروسي في خريف العام 2015، وبالتالي خسارة الكثير من أوراق القوة وأبرزها إفقاد المجموعات التكفيرية القدرة على المبادرة والتحكم والسيطرة، خصوصاً أنها كانت على وشك الانهيار قبل الاتفاق الروسي ـ الأميركي!
وهذه النقطة أضاء عليها «السيد» عندما أشار إلى أن وقف النار شكّل فرصة لاستقدام آلاف المسلحين من كل أنحاء العالم ومن جنسيات متعددة، وإدخالهم عبر تركيا إلى حلب وذلك استنادا إلى قرار دولي (أميركي) وإقليمي (سعودي وتركي) كبير جداً بالسعي إلى إسقاط دمشق لكن هذه المرة عبر بوابة حلب بعدما سقطت محاولات سابقة عبر الجنوب أو الحدود مع لبنان أو الساحل السوري (اللاذقية) أو الشرق (دير الزور والرقة وتدمر).
وقال نصر الله إن «القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سوريا ودمشق ولبنان والعراق والأردن»، وأشار الى أنه «حيث وجب أن نكون في حلب فكنا فيها وحيث وجب أن نبقى فيها سنبقى فيها». وكشف عن سقوط 26 شهيداً وأسير ومفقود للحزب منذ أول حزيران الحالي في حلب مقابل 617 قتيلاً للمجموعات التكفيرية المسلحة وبينهم عشرات القادة وأكثر من 800 جريح وفضلا عن إعطاب 80 دبابة وآلية عسكرية عدا عن مخازن ومواقع. وأعلن أن الحدود مع تركيا باتت مفتوحة بشكل علني ويتم إدخال آليات ودبابات ومدافع لإسقاط ما تبقّى من محافظة حلب والسيطرة على مدينة حلب.
ويأتي كلام السيد نصر الله على مسافة عشرة أيام من الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع روسيا وايران وسوريا في العاصمة الايرانية، ومن ثم زيارة وزير الدفاع الروسي الى سوريا واجتماعه الثنائي بالرئيس السوري بشار الأسد.
ولقد ألمح الأمين العام لـ «حزب الله» بدعوته الى اجراء نقد ذاتي، الى أن ثمة عِبراً تم استخلاصها من تجربة الأشهر الأربعة الأخيرة، وبالتالي سيحدد الميدان بمجرياته اللاحقة كيفية التعامل مع معركة حلب التي يعتبرها أطراف الصراع بأنها معركة رسم الوقائع الإستراتيجية السياسية والميدانية على كل الأرض السورية، بدليل الحضور شبه الدائم لقائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني في «الميدان الحلبي» طوال الأسابيع الماضية وإرسال «حزب الله» قوات جديدة معظمها من «النخبة» الى محافظة حلب، حيث تزامن وصولها مع تشكيلات عسكرية قيادية في أعقاب استشهاد القائد الأول في الميدان السوري الشهيد مصطفى بدر الدين.
واللافت للانتباه في خطاب السيد نصرالله الاقليمي عدم تغيير قواعد الاشتباك السياسي مع النظام السعودي، لا بل هو أصاب آل خليفة في البحرين هذه المرة، وذلك في سياق حديثه عن قضية نزع الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم، وهو خاطب آل خليفة بالقول: «أنتم عملاء، أنتم أقزام صغار تخضعون لمندوب المخابرات البريطانية الموجود في المنامة وتنفّذون أوامر أمراء صغار من آل سعود، ولا يحتاج الملك سلمان أن يتكلم معكم».
ولم يكتف السيد نصرالله بذلك بل وجّه رسالة تحذير للحكومة البحرينية بقوله إن الشباب البحريني الغاضب لديه حماسة واستعداد للتضحية «ولا ينقصه شيء حتى ينفذ عمليات استشهادية ولديه رجال شجعان وقبضايات، ولكن من الذي عمل على الضبط والسيطرة ومن أمسك بزمام الشارع»، في اشارة الى الدور الذي لعبه الشيخ قاسم وعدد من رجال الدين (ص3).
الحريري في طرابلس: الأسد سيسقط!
محلياً، وفي خطاب معاكس لخطاب السيد نصر الله، دعا رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري من طرابلس التي زارها، أمس، للمرة الأولى منذ خمس سنوات، الطرابلسيين الى الاستعداد لأن تلعب عاصمة الشمال دورها التاريخي وأن يكونوا شركاء في ورشة إعادة اعمار سوريا والعراق (...) «فالحل السياسي في المنطقة آتٍ، بإذن الله، أي أن سوريا ستتخلص من كابوس بشار الأسد»!
واللافت للانتباه في زيارة الحريري إطلاقه رزمة وعود جديدة لأهل المدينة الذين باتوا يخشون تدفيع مجلسهم البلدي ثمن إسقاط اللائحة التوافقية، كما تميزت بمحاولة فتح صفحة جديدة مع الرئيس نجيب ميقاتي عبر زيارته في دارته في الميناء، متجاوزا اشكالية بروتوكولية جعلت السفير السعودي علي عواض عسيري «يتبرع» قبل شهرين لحلها (عشاء السفارة في اليرزة)، قبل أن «يدوبل» عليه رئيس الحكومة تمام سلام باختراعه «تخريجة» جمعهما على مأدبة عشاء في دارته في المصيطبة، عشية الانتخابات البلدية.
وبنظر المراقبين في الشمال، فإن زيارة الحريري الى ميقاتي تحمل في طياتها بذور توجه لدى زعيم «المستقبل» لجعل التوافق البلدي بينهما، برغم مردوده السلبي، ينسحب على الاستحقاق النيابي في العام 2017، وذلك في مواجهة خصم سياسي مشترك في المدينة كما في الشمال، وهو وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، خصوصا في ضوء ما تسرب من معطيات عن نية الأخير التمدد من طرابلس باتجاه عكار بالتحالف مع خالد ضاهر سنيا و»الثنائي الماروني» مسيحيا!
وخلال إفطار رمضاني أقامه في معرض رشيد كرامي الدولي على شرف عائلات من طرابلس والكورة، هاجم زعيم «المستقبل» وزير العدل وتوجه اليه بالقول: «أرجوك، حلّ عن رفيق الحريري وعن المزايدات والعنتريات على بيت الحريري.. باسم رفيق الحريري»!
يذكر أن زيارة الحريري الى الشمال ستستمر اليوم وغدا، وستتركز على محاولة معالجة الأوضاع الداخلية لـ «تيار المستقبل».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد