نيويورك تايمز: “المعارضة المسلّحة” التي دربتها الاستخبارات الأميريكية كانت جوفاء
بعد قرار إنهاء برنامج تدريب المعارضة السورية المسلحة من قبل الـ”سي آي إيه”، صحيفة “نيويورك تايمز” تعرض لأسباب القرار التي تتركز في برنامج مكلف وغير فعال، وقوة قتالية جوفاء، ووصول الأسلحة الأميركية إلى الجماعات الإرهابية.
نهاية أحد أكثر البرامج تكلفة في تاريخ الـ”سي آي ايه” أتت سريعاً.
في تقريره إلى البيت الأبيض الشهر الماضي أوصى مدير “سي آي إيه” مايك بومبيو الرئيس ترامب بإنهاء برنامج تسليح وتدريب المتمردين السوريين. سريعاً أنهى الرئيس البرنامج.
بحلول ذلك كان المتمردون عبارة عن قوة جوفاء بفعل عام من القصف الذي نفذته الطائرات الروسية، فيما يقتصر وجودهم على مناطق متقلصة لم تتمكن القوات السورية الحكومة من استعادتها.
لسنوات اشتكى منتقدو البرنامج من تكاليفه التي تخطت المليار دولار، فيما قضت التقارير بأن بعض الأسلحة التي زوّدت “سي آي ايه” بها المسلحين انتهت بأيدي جماعة مرتبطة بالقاعدة، على الدعم السياسي للبرنامج.
في حين يقول منتقدو ترامب إنه أنهى البرنامج لمصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هناك في الواقع التقاء نادر لوجهات النظر بين إدارتي أوباما وترامب بشأن سياسة الأمن القومي.
إن إنهاء برنامج الـ”سي آي ايه” الأكثر تكلفة في تاريخ الوكالة منذ برنامج تسليح المجاهدين في أفغانستان خلال الثمانينيات أجبر على إجراء تقييم لجوانب نجاحه وفشله. المعارضون له يقولون إنه متهوّر ومكلف وغير فعّال أما الداعمون فيقولون إنه كان حذراً أكثر من الضرورة وأن إنجازاته كانت لافتة نظراً لكون إدارة أوباما وضعت قيوداً على البرنامج منذ بدايته أدّت إلى فشله على حدّ قولهم.
شهد البرنامج فترات من النجاح بما في ذلك في عام 2015 حين أخرجت صواريخ الدبابات المدمرة التي زوّدت “سي آي ايه” والسعودية بها المسلحين، القوات الحكومية من شمال سوريا. لكن في أواخر العام نفسه كان تركيز الهجوم العسكري الروسي في سوريا منصبّاً على المقاتلين المدعومين من الـ”سي آي ايه” الذين يقاتلون القوات الحكومية السورية. الكثير من هؤلاء قتلوا وانقلب الحظ على المتمردين.
المتخصص في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط شارل ليستر قال إنه لم يتفاجأ بإنهاء إدارة ترامب للبرنامج الذي سلّح ودرّب الآلاف من المتمردين السوريين (بالمقارنة أنتج برنامج تابع للبنتاغون بلغت تكلفته 500 مليون دولار بهدف تدريب وتجهيز 15 ألف متمرد سوري بضع عشرات لدى إلغائه في 2015″.
وأضاف ليستر “لأسباب عديدة أحمّل المسؤولية لإدارة أوباما التي لم تعط يوماً البرنامج الموارد أو المساحة الضرورية لتحديد ديناميات الميدان. كانوا يقومون بتغذية جماعات المعارضة بالقطارة من أجل البقاء ولكن ليس بالقدر الذي يجعلها لاعبة مهيمنة”.
انتقد ترامب على نحو علني البرنامج مرتين منذ إنهائه. بعد كشف “واشنطن بوست” عن قراره غرّد ترامب أنه ينهي “دفعات ضخمة وخطيرة من الأموال المهدورة لمصلحة المتمردين السوريين الذين يقاتلون الأسد”. وخلال مقابلته مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي قال الرئيس إن الكثير من أسلحة الـ”سي آي ايه” وصلت إلى أيدي القاعدة، في إشارة إلى فرع القاعدة “جبهة النصرة” التي كثيراً ما قاتلت إلى جانب المتمردين المدعومين من الـ”سي آي ايه”.
وقال مسؤول الـ”سي آي ايه” السابق مايكل هايدن إن تعليقات الرئيس “قد تمنح الوكالة سبباً للتفكير بدعمها له في أي عمليات سرية في المستقبل”.
قائد العمليات الخاصة الأميركية الجنرال رايموند توماس قال في مؤتمر صحفي الشهر الماضي أن “قرار إنهاء برنامج الـ”سي آي ايه” كان قاسياً للغاية”، مضيفاً “من خلال ما أعرفه عن البرنامج وقرار إنهائه لم يكن على الإطلاق رشوة للروس، بل كان مبنياً على تقييم طبيعة البرنامج، وما كنا نحاول إنجازه وجدوى استمراره”. لكن المتحدث باسم “سي آي ايه” رفض التعليق.
الرئيس الأميركي باراك أوباما وافق على البرنامج في 2013 بعد تردد في وقت كانت الإدارة تصارع من أجل تخفيف زخم القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الأسد. لكنه سرعان ما وقع ضحية التحول في التحالفات في الحرب الأهلية المستمرة منذ ست سنوات والرؤية المحدودة لدى المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين لما كان يجري على الأرض.
بمجرد عبور المقاتلين الذين دربتهم الـ”سي آي ايه” إلى سوريا كان يجد ضباط الاستخبارات صعوبة في السيطرة عليهم. وحقيقة أن بعض أسلحة الـ”سي آي ايه” انتهت بأيدي مقاتلي “جبهة النصرة” وانضمام بعض المتمردين إلى هذا التنظيم، كل ذلك أكد المخاوف التي عبّر عنها كثيرون في إدارة أوباما إزاء البرنامج منذ بدايته. بالرغم من أن “النصرة” كانت تعتبر على نطاق واسع قوة قتالية فعالة ضدّ قوات الأسد إلا أن انتماءها للقاعدة جعل من المستحيل على إدارة أوباما تقديم الدعم المباشر للمجموعة.
ويقدر مسؤولو الاستخبارات الأميركية عدد مقاتلي النصرة في وسريا بعشرين ألفاً بما يجعلها أكبر فروع القاعدة. لكن بخلاف الفروع الأخرى مثل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، لطالما ركّزت “جبهة النصرة” في معاركها على الحكومة السورية أكثر من التخطيط لهجمات إرهابية ضدّ الولايات المتحدة وأوروبا.
المسؤولون الأميركيون تحدثوا شرط عدم الكشف عن أسمائهم لتناولهم برنامجاً مصنّفاً سرياً.
في صيف 2012 كان ديفيد بترايوس مدير الاستخبارات السابق أول من اقترح برنامجاً سرياً لتسليح وتدريب المتمردين الذين كانت تقصفهم القوات الحكومية السورية.
الاقتراح فرض نقاشاً داخل الإدارة الأميركية فيما رأى كبار مساعدي أوباما أن الفوضى التي تعمّ الميدان السوري ستجعل من شبه المستحيل ضمان عدم وصول أسلحة الـ”سي آي ايه” إلى الجماعات المسلحة مثل النصرة، فكان أن رفض الرئيس أوباما الخطة. لكنه بدّل رأيه في العام التالي موقّعاً على أمر رئاسي يسمح للاستخبارات بتسليح وتدريب جماعات صغيرة من المتمردين سراً في قواعد في الأردن. انقلاب موقف الرئيس جاء في جزء منه بسبب الضغط الشديد من قبل زعماء أجانب بمن فيهم ملك الأردن عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اللذين قالا إن على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في محاولة إنهاء الصراع.
تحت تسمية مشفّرة “تيمبر سيكامور” بدأ العمل بالبرنامج السري ببطء لكن بحلول 2015 حقق المتمردون المدعومون من الـ”سي آي ايه” تقدّماً لافتاً ضدّ القوات السورية وتقدموا نحو مناطق في البلاد لطالما اعتبرت معاقل للحكومة. الهجوم اكتسب
زخماً بعد تزويد الـ”سي آي ايه” والسعودية الجماعات المتمردة بدبابات مدمرة.
لقد كانت نجاحات النصرة الحجة التي استخدمها بوتين لتبرير الهجوم العسكري الروسي في سوريا الذي بدأ في 2015. وقد ضربت الحملة الروسية المقاتلين المدعومين من الـ”سي آي ايه” ومسلحي “النصرة” وأجبرتهم على التراجع.
البرنامج تعرض لنكسات أخرى. إذ إن عملية تسليح وتدريب المتمردين كانت تحصل في الأردن وتركيا وفي مرحلة ما سرق ضباط الاستخبارات الأردنية مخزون الأسلحة التي كانت شحنتها “سي آي ايه” من أجل المتمردين وقاموا ببيعها في السوق السوداء. في تشرين الثاني/ نوفمبر قام عنصر في الجيش الأردني بإطلاق النار وقتل ثلاثة جنود أميركيين كانوا يقومون بتدريب المتمردين السوريين كجزء من برنامج الـ”سي آي ايه”. كما أن مسؤولي البيت الأبيض كانوا يتلقون تقارير دورية بشأن قيام المتمردين الذين خضعوا للتدريب بإعدام سجناء وارتكابهم انتهاكات أخرى لقواعد النزاع المسلّح. وفي بعض الأحيان أدت تقارير إلى وقف الـ”سي آي ايه” تعاونها مع مجموعات اتهمت بإساءة التصرف.
مدير الاستخبارات السابق في عهد أوباما، جون برينان بقي المدافع الأقوى عن البرنامج بمعزل من الخلافات داخل الوكالة بشأن فعالية الجهود المبذولة. لكن بحلول العام الأخير من ولاية أوباما كان البرنامج قد خسر الكثير من داعميه في البيت الأبيض خصوصاً بعد أن باتت أولى أولويات الإدارة الأميركية محاربة داعش أكثر منها السعي لإنهاء الحكومة السورية.
خلال اجتماع في البيت الأبيض في نهاية عهد أوباما وفيما كان المتمردون المدعومون من الـ”سي آي ايه” يواصلون خسارة المزيد من الأراضي في مقابل القصف الجوي الروسي ضغط برينان من أجل استمرار الولايات المتحدة بدعم جهود الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وفق أحد المشاركين في هذا الاجتماع.
لكن مستشارة الأمن القومي آنذاك سوزان رايس ردّت عليه قائلة “دعونا لا نخطئ. إن أولوية الرئيس في سوريا هي محاربة داعش”.
بدعم من الطائرات الروسية، بدأت القوات الحكومية السورية تدريجياً باستعادة المناطق قرب الحدود التركية التي كانت لفترة طويلة معاقل المتمردين، ودفعت في النهاية بالعديد من المسلحين إلى التراجع نحو مدينة حلب المحاصرة التي سقطت بأيدي القوات الحكومية في كانون الأول.
المصدر: نيويورك تايمز
إضافة تعليق جديد