هشام شربتجي: الطبيب قد يقتل إنساناً والمخرج المتطفل يقتل جيلاً
يؤكد المخرج هشام شربتجي أن عمله في الدراما السعودية هذا العام ليس وليد موقف عما جرى معه في العام الفائت حيث تم إيقاف مسلسله (رياح الخماسين) عن العرض لتفرج عنه الرقابة بعد ذلك إثر صد ورد وتراشق إعلامي وصل صداه إلى أروقة القضاء السوري، وقد أخرج شربتجي مسلسل (أقارب وثعالب) لإحدى الشركات السعودية وهو يستعد للمغادرة للرياض لإخراج نسخة جديدة من المسلسل الكوميدي السعودي الشهير (طاش ما طاش) حيث لم يوفق بالحصول على تجربة جديدة في الدراما السورية رغم حرصه على ذلك .
وكشف إنه وافق على إخراج مسلسل يحمل عنوان (أقاصيص المسافر) مستقى من قصص زكريا تامر وقد كتب له السيناريو والحوار الكاتب منيف حسون، وكان من المقرر أن تنتجه مديرية الإنتاج في التلفزيون ولفت شربتجي إلى أنه أعجب بالنص ووقع في هواه وصرف وقتاً ثميناً في قراءته ووافق على إخراجه دون قيد أو شرط «ولكن- كما قيل لي- تم شطب اسمي من جهة ما في التلفزيون أو في وزارة الإعلام»، كما أكد أنه وافق على إخراج نص عرضه عليه الفنان عبد الهادي الصباغ رغم الثغرات القاتلة الموجودة في النص والتي صرف وقتاً أيضاً في تداركها كما قام بتفريغ شخصيات 20 حلقة من هذا النص، ولكن الصباغ كان مستعجلاً فقرر تكليف مدير التصوير والإضاءة أحمد إبراهيم أحمد بإخراج العمل، لأن شربتجي كان يحتاج إلى عشرة أيام أخرى للإنتهاء من تصوير (أقارب وثعالب)، فعاد شربتجي مرة أخرى إلى حاسوبه ليشطب منه عملاً آخر تعب عليه وانصرف بعد ذلك لغيره. ويضيف شربتجي: اتصل بي مدير شركة سورية الدولية وسألني إن كان لدي نص جيد لإخراجه لمصلحة الشركة، والحقيقة خفت من تكرار التجربة إذ سبق أن عرضت على الشركة نص (مشاريع صغيرة) وتحول بعد ذلك إلى المخرج المثنى صبح، كما عرضت عليها نص (الحصرم الشامي) ولكن بعد انتظار رأت الشركة (إنو ما يسوى) فانتقل إلى هيثم حقي وكلّف سيف الدين سبيعي بإخراجه، رغم أنني أيضاً اشتغلت على النص لفترة زمنية طويلة، وفي هذه الأثناء اتصل بي الفنانان العزيزان ناصر القصبي وعبد الله السدحان وعرضا عليَّ إخراج مسلسلهما (طاش ما طاش) فوافقت وهذا يعني إن الدراما السورية لها موقف مني وليس العكس.
- لقد تعرض هذا العمل في السنوات الأخيرة لترهل واضح وبدأ يفقد الكثير من جوهره وهو الذي ظل لأكثر من عشر سنوات العمل الأول من حيث المشاهدة في منطقة الخليج العربي، ويبدو أن نجمي العمل (ناصر وعبد الله) يعولان على خبرة وموهبة هشام شربتجي في الأعمال الكوميدية فهو قدم أهم المسلسلات السورية على هذا الصعيد، ولعل تجربته مع الفنان أيمن زيدان من أهم التجارب بهذا الخصوص عندما كانت الدراما السورية كالحصان الجامح في برية واسعة، ويؤكد شربتجي أنه يعرف «أن طاش ما طاش» تجربة خاصة وأن الترهل الذي اعتراه لم يؤثر على بريقه كمشروع وتجربة متميزة وقد تحدثت مطولاً مع مخرجه السابق عبد الخالق الغانم الذي انفصل عن ناصر وعبد الله ليس على خلاف وإنما ارتأى تأسيس مشروع خاص به ولا أنكر أن هناك تقاطعات كثيرة بين رؤيتي للكوميديا وبين ما تم تقديمه في هذا العمل على مدى سنوات ولكن أجد أن ليس من حقي تغيير (فورمات) هذا المسلسل لعدة أسباب منها: أن التغيير بهذه الحالة مغامرة قاتلة لن ألجأ إليها وإذا حاولت تغييره نحو الأحسن بمنظوري ولم يتقبله المشاهد السعودي فهذه (كارثة) بالنسبة لي وللمشروع، أنا ضيف على هذا العمل وسوف أحاول وضع لمساتي عليه لها علاقة بحسن الرؤية ورشاقة الإيقاع وإدارة الممثل الثاني والثالث لأن ناصر وعبد الله موهوبان جداً وقد قرأت حتى الآن أكثر من عشرين حلقة فوجدت أن كم الكوميديا قليل فيها وهذه مشكلة لأنهم كانوا يعتمدون على كوميديا الصيغة اللفظية وكوميديا (الكركتر) أو كوميديا ( اللوك) وليس كوميديا الموقف ولكن هناك أفكاراً جيدة وذكية، والنصوص قابلة للتعديل إذا وجدت إصغاء كافياً لأني لم أجتمع معهما حتى الآن، وأعتقد أنه سيكون تجربة مختلفة بالنسبة لي وسوف أحاول أن أكون سعودياً مئة بالمئة أثناء العمل لكي تأتي النتائج بأفضل ما تكون.
- وفي ضوء ما يتم تداوله من آراء حول الاستباحة التي بدأت تتعرض لها مهنة الإخراج في سورية حيث كثر عدد (المتطفلين) كما يرى عديدون، كان لابد تلمّس رأي شربتجي بهذه المسألة فقال: الدراما السورية استبيحت أولاً من خلال رؤوس الأموال غير المعروفة المصادر وقد تدخلت بكل شيء بدءاً من الموضوع وانتهاء بالتفاصيل ومنذ أربع سنوات وفي كل مقابلاتي كنت أحذر وكانوا يعتبروني (متطيراً) والآن بدأت الأصوات ترتفع لتردد ما قلته في حينها أنا أعتقد أن مقتل الدراما المصرية كان ولا يزال بوجود مخرجين ليسوا أصحاب مشروع ودون مستوى النجوم. وبالتالي تحولت إلى دراما أفراد حيث يقال في مصر إن هذا المسلسل للممثل الفلاني ولا ينسب لمخرجه، وهنا أتساءل من المخرج المصري - باستثناءات بسيطة - القادر على القول (ستوب) لهؤلاء النجوم وأخشى أن تتجه الدراما السورية إلى هذا الاتجاه وهنا أنظر من الزاوية الرمادية وليس السوداء، وأخشى أن نصل قريباً للمرحلة التي لا يفعل فيها المخرج أي شيء بحيث يأتيه كل شيء كما يريد رأس المال، وهنا لا أريد أن يُفهم أني أشمل كل المخرجين بكلامي وخاصة الشباب منهم. فكل التحية للمثنى صبح ولليث حجو وهنا أسجل أنني غرت منه بعد مشاهدتي لضيعة ضايعة وكل المحبة لرشا شربتجي رغم أني خشيت عليها من النجومية الزائفة بعد (غزلان في غابة الذئاب) حيث اتجهت نحو مواضيع متطرفة ليس من مهمة الدراما البحث فيها ولكني ضد العديدين الذين (تفركشوا) بالمصادفة في هذه المهنة وأعتقد أن الصناعة لا تبنى هكذا فالكاميرا ليست أهم ممن يقف وراءها فالإخراج مهنة سامية ولا أعتقد أن الجراح يسمح لممرضة أن تجري عملية جراحية، والطبيب قد يقتل إنساناً واحداً والمخرج المتطفل قد يقتل جيلاً. هناك العديد من الأعمال التي عُرضت عليّ ورفضتها من الناحية الأخلاقية لأنها قد تسيء لأجيال، وتثير عصبيات ومن ثم جاء غيري وقَبِلَ أن يخرجها ويرى شربتجي أن أحد أهم أساسيات الفن تحويل الدمامة إلى جمال والتغيير لا يأتي إلا من وراء حركة مجتمع كامل فالفن يتحول بتحول المجتمعات ولكن لا يستطيع تغييرها، أعطني فيلماً واحداً استطاع تغيير سلوك ويلفت شربتجي إلى أن أهمية الدراما السورية تأتي من كونها «تصدر الأفكار وتستلم الدولار ولا أدري لماذا تترك للعشوائية، وهنا أكرر مطالبتي بتأسيس معاهد لكل الفنون الدرامية تصدر لصناعة الدراما مواهب وفنيين متعلمين على مستوى عال كما فعل المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أعطانا ممثلين وموهوبين بدءاً من أيمن زيدان وانتهاء بالشباب الذين يتخرجون منه كل عام، وكرر شربتجي القول: أنا مع المجتهدين وضد المتسلقين وما أكثرهم وأنا مع الجيل الشاب المؤسس بشكل صحيح، وفي كل عمل أخرجه لابد أن تكون معي مجموعة كبيرة منهم.
يحترق قلبي على الدراما السورية لأنها وصلت إلى هذه المرحلة وأعتقد أن المعيب أن يطلب بعض النجوم الملايين من المنتجين. وهناك مخرجون (أولاد مبارح) يتقاضون مئة ألف دولار عن العمل الواحد هذا لا يعني أني مع المنتجين ولكني مع الصناعة لأنها في هذه الحالة لن تستمر، لأن قنوات التصريف أمامنا محدودة فقناة (الدنيا) هي ظل للتلفزيون السوري وقناة (الشام) تعرض أعمالاً مصرية، ومن غير الواضح إذا كانت قناة (الدراما) قادرة على فعل شيء. وفي ظل ما يجري أخشى أن تهرب الكفاءات إلى الخارج لأن حصة الدراما السورية من السوق تدنت إلى مستوى 10% وهي التي كانت تأخذ أكثر من 40% في السابق.
- منذ بداية (غزو) الدراما التركية للفضاء العربي متخذة اللسان السوري وسيلة لذلك تحدث كثيرون عن هذا الأمر موزعين بين مؤيد ومعارض، ولكن أعتقد أن وجهة نظر هشام شربتجي مختلفة وتحمل الكثير من الوعي بما يجري فهو يرى أولاً «أننا نصدّر اللهجة السورية بالصيغة السيئة، لأن ممثلي الدوبلاج ليسوا على حرفة عالية بهذا الجانب، وثانياً في كل دول العالم تتم عمليات الدوبلاج بأصوات ممثلين غير معروفين للمشاهد لكي لا يحدث تضارب بين الصوت والصورة في ذهنه».
وأجد أن الخطورة هنا على الدراما السورية عالية لأني اعتقد أننا مقبلون على مرحلة يحدث فيها إشباع المشاهد العربي من اللهجة السورية، وهنا يبدأ بالبحث عن لهجة جديدة، ولا تنس أن الظروف والأماكن الرائعة التي تصور فيها الدراما التركية تفوق ما هو متوافر للدراما السورية. وبالتالي سوف يلفظ المشاهد درامانا دون أن يدري لأن المقارنة لمصلحة الدراما التركية ثم أن الأتراك يملكون هامشاً بالطرح لا تتبناه، الدراما السورية أو لا تستطيع أن تتبناه وكل (فرنجي برنجي) والمشكلة أننا لا نستطيع أن نقول للمدبلجين كفى وبالتالي أجد أن الدراما السورية تذهب نحو السقوط السريع.
- يرى المخرج هشام شربتجي أن تجارب السوريين في الدراما المصرية سواء كانوا مخرجين أم ممثلين ترقى إلى تجاربهم في الدراما السورية مستثنياً مسلسل (الملك فاروق) فهو يرى أنه عمل سوري بامتياز لأن المفاصل المهمة فيه كانت سورية بدءاً من المخرج حاتم علي مروراً بالممثل تيم حسن الذي وصفه بالأخاذ وانتهاء بمدير الإضاءة «الساحر» والمصدر ويلفت إلى أنه شعر «بالزعل» عندما شاهد أيمن زيدان وجمال سليمان في مسلسلات مصرية، ويؤكد في الوقت ذاته أنه مؤمن أن السوريين والمصريين أبناء أمة واحدة ولكنه كان يتمنى أن ينقل الفنانون حس الهواية القريب من الاحتراف للدراما المصرية، ويضيف متندراً: أكبر معمل للحلويات السورية فتح فرعاً في القاهرة، ورغم ذلك مازال السوريون يأخذون لأصدقائهم المصريين حلويات شامية من دمشق.
- وبسبب الخلاف الشهير بينه وبين ابنته رشا الذي مضى عليه أكثر من عامين وتناقلت أطرافاً منه وسائل الإعلام كان لابد من سؤال هشام شربتجي عما إذا كانت غيوم هذا الخلاف في طريقها للرحيل وتمنيت عليه أولاً أن يتحدث عنها كمخرجة تتلمذت على يديه فقال: تجاربها في مصر لم تكن موفقة بما فيها مسلسل (شرف فتح الباب) مع يحيى الفخراني وقد وفقت في هذا العام بنص (زمن العار) وأتوقع أن ينال النجاح واهتمام المشاهدين، رشا التي حاربت المستحيل من أجل أن تبقى في الإخراج ولا تعود إلى مهنة التدريس عندما أراها تتحدث في مقابلات تلفزيونية أشعر أنها شخص لا أعرفه، فكيف تريدني أن أتحدث عن شخص لا أعرفه؟.
وعندما قلت له إنها صرّحت أكثر من مرة أنها اشتاقت إليك قال: مثلما هناك شيء اسمه تبييض أموال هناك تبييض أخلاق.
ورغم ما قاله المخرج هشام شربتجي إلا أن صورة ابنته مازالت تتربع على واجهة موبايله الخاص.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد