هل استهلكت واشنطن الورقة الباكستانية
الجمل: نفذت القوات الأمريكية عملية غزو واحتلال أفغانستان عبر الأراضي الباكستانية وعلى هذه الخلفية ظلت باكستان تقوم بدور المنطقة الخلفية الخاصة للقوات الأمريكية التي تعمل في منطقة المقدمة التي يمثلها المسرح الحربي الأفغاني، ولكن كما هو واضح فقد أدت التطورات السياسية الجارية في الساحة الباكستانية إلى تقديم المزيد من المؤشرات التي تفيد لجهة أن الأراضي الباكستانية لم تعد صالحة للقيام بدور المنطقة الخلفية التي تقدم الإسناد للقوات الأمريكية.
* هل استنفدت الورقة الباكستانية حيويتها؟
تزايد العمليات العسكرية الأمريكية إضافة إلى تزايد عمليات الناتو في مواجهة المقاومة المسلحة الأفغانية أدى إلى إحداث المزيد من التوترات في أوساط الرأي العام الباكستاني وكان طبيعياً أن تنتقل عدوى الأزمة الأفغانية بشكل عابر للحدود إلى باكستان التي يرتبط 50% من سكانها بالروابط القبلية والعشائرية مع سكان أفغانستان وقد أدى ذلك إلى الآتي:
• خروج الجنرال برويز مشرف من السلطة.
• صعود بعض القوى ذات التوجهات التي قد لا تنسجم مع المطالب الأمريكية المتجددة.
• تزايد الخلافات الهندية – الباكستانية.
• انتشار عدوى الجماعات الأصولية المسلحة الداعمة لحركات المقاومة.
• نجاح حركة طالبان الأفغانية في نقل عملياتها ضد القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى المسرح الباكستاني على النحو الذي نجحت فيه الحركة بتوجيه الضربات لخطوط إمدادات الناتو والقوات الأمريكية داخل الأراضي الباكستانية أي قبل وصولها لداخل أفغانستان.
على خلفية هذه التطورات تزايد الخلاف داخل الإدارة الأمريكية وتحديداً بين وزارة الخارجية الأمريكية التي تشدد على ضرورة استمرار التحالف مع باكستان وبين البنتاغون الذي يشدد على ضرورة أولوية الأجندة الدفاعية والعسكرية لجهة البحث عن مجال جديد لإسناد خطوط الإمداد والقيام بدور الخلفية الآمنة للقوات الأمريكية وقوات الناتو الموجودة في المسرح الحربي الأفغاني.
* تغيير منطقة الإسناد وخطوط الإمداد: ما هي الورقة البديلة:
تزايد استهداف خطوط الإمداد العابرة للأراضي الفلسطينية دفع بالسلطات الباكستانية إلى القيام بإغلاق ممر خيبر الاستراتيجي وتقول المعلومات بأن البنتاغون قد نجح بالتعاون مع حلف الناتو في عقد اتفاق مع بعض الدول الأخرى لجهة السماح بتمرير خطوط الإمدادات العسكرية واللوجستية للقوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان.
تقول المعلومات والتسريبات أن الدول التي تم التفاهم معها تقع جميعها في مناطق شمال وشمال غرب أفغانستان وهي: روسيا، تركمانستان، أوزبكستان، أذربيجان، جورجيا، أوكرانيا، كازاخستان. كما تقول المعلومات أن التفاهم الجاري مع هذه الدول سيتيح بناء خطين للإمدادات:
• الأول: جورجيا – أذربيجان – تركمانستان – أوزبكستان وصولاً إلى شمال أفغانستان.
• الثاني: أوكرانيا – روسيا – كازاخستان – أوزبكستان وصولاً إلى شمال أفغانستان.
نلاحظ إن نقطة البداية في كل خط هي البحر الأسود بالانطلاق إما من الموانئ الجورجية أو الأوكرانية ثم نلاحظ أيضاً أن الخطين يلتقيان في أوزبكستان المجاورة لشمال أفغانستان.
* هل انتهت أهمية باكستان: ما هي الأبعاد غير المعلنة :
تقول التقارير بأن الولايات المتحدة ستسعى إلى الاستغناء عن باكستان طالما أنها استطاعت تأمين البدائل المناسبة، ونلاحظ هنا أن تخلي واشنطن عن باكستان لن يكون أمراً عابراً أملته الأوضاع الداخلية الباكستانية المضطربة، وإنما هو تخلي سوف يترتب عليه المزيد من الأبعاد والتداعيات المرتبطة بتوازنات الأمن الإقليمي في منطقة شبه القارة الهندية وهذا معناه:
• أن أمريكا ستعزز رهانها على بناء الروابط مع الهند بدلاً عن باكستان وهو ما ترغب فيه وتريده إسرائيل.
• إن الحركات المسلحة الأصولية الإسلامية ستكثف نشاطها في باكستان طالما أن تخلي الولايات المتحدة عن باكستان سيترتب عليه انكشاف قدرات النظام الباكستاني في مواجهة خصومه الأصوليين الإسلاميين.
• ستسعى أمريكا وإسرائيل إلى التعاون مع الهند من أجل محاولة تجريد باكستان من قدراتها النووية إذا ثبت فعلاً أن الحركات الأصولية الإسلامية قد أصبحت على وشك الصعود إلى السلطة في باكستان.
حتى الآن لا يمكن القول بأن باكستان قد فقدت قيمتها الاستراتيجية نهائياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لأن جزءاً هاماً من سيناريو استهداف إيران لابد أن يتم تنفيذه بالضرورة في بلوشيستان الإيرانية التي لا يوجد سبيل إلى النفاذ إليها إلا عبر بلوشيستان الباكستانية، إضافة لذلك إذا تحولت الولايات المتحدة إلى بناء التحالف الاستراتيجي مع الهند في مواجهة باكستان فإن إسلام آباد تخطط الآن إلى التحول باتجاه بناء التحالف الاستراتيجي مع الصين وروسيا، بما يتيح الحصول على قيمة استراتيجية جديدة لقدراتها تستطيع أن تستخدمها في معادلة تحالف واشنطن – نيودلهي وذلك على النحو الذي يعيد معادلة ميزان القوى في شبه القارة الهندية إلى مرحلة التوازن مرة أخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد