هل تتجاوز دراما «جنود الله» صورة المشهد العراقي الإخباري؟
لا يمكن الجزم بتصورات مسبقة عما يمكن للمخرج نجدت أنزور أن يقدمه في مسلسله الجديد والمأخوذ عن رواية «جنود الله» للروائي فوزا حداد، إلا أن السيرة المهنية للرجل، ومضامين الرواية يعدان بالكثير. فالرواية التي تتناول سيرة رجل خمسيني (رياض) يدخل العراق للبحث عن ولده (سامر) المنضوي تحت لواء جماعة إرهابية، تبدو مشغولة بالكشف عن الخديعتين: خديعة الاحتلال الأميركي ودوره في التخريب العبثي الحاصل في العراق اليوم، والخديعة الثانية الواقع فيها الحالمون بالحور العين، جاعلين من أجسادهم قنابل موقوتة حتى لو ذهب ضحيتها أناس أبرياء. وتنحو راوية حداد نحو كشف آلية تشكل الخلايا الإرهابية وممارساتها على الأرض وتنظيرات جماعاتها..
ومع تبني المخرج أنزور للرواية كمادة لمسلسله الجديد، يبدو الرجل كما لو أنه يقدم في واحد من خطوط العمل جزءا ثانيا للمضمون الفكري الذي قدمه في مسلسله «ما ملكت أيمانكم» عبر شخصية توفيق، ومتقدماً خطوة مهمة عليه لجهة نضوج الخطاب الفكري إذا قورنت شخصية «توفيق» في «ما ملكت أيمانكم» بشخصيتي «سامر» و«رياض» في رواية حداد مضافاً إليها خط الخديعة الأميركية.. الأمر الذي يرجح وجود أبعاد درامية وجمالية جديدة لنص تلفزيوني يلاقي الرؤية الإخراجية لأنزور.. ليقدما معاً هجاء درامياًً، بالصوت والصورة، لكل ما يحدث في العراق اليوم.. من دون تجميل أو مواربة. مبدئياً، يمكن لقارئ رواية حداد «جنود الله» أن يتخيل شكل الصورة الدرامية التي يمكن أن تخرج منها.. ولكن هل هي الصورة ذاتها التي نريدها لروي الحكاية العراقية درامياً وكشف مسلسل الموت العبثي في العراق وخديعة الاحتلال فيه..؟
وما تتضمنه رواية حداد هو فقط مقولة عامة لا بد أن ينتهي إليها المسلسل المنتظر وهي عصب خط الحكاية الدرامية الرئيسي ولكنه ليس كل الحكاية.. فالمطلوب أولاً هو الانتقال بالحكاية العراقية من الصورة الإخبارية إلى صورة درامية - حياتية تقحم المشاهد فيها وتجعله بشكل أو بآخر جزءا من الحكاية وهو أمر لن يتحقق من دون حامل اجتماعي للمقولة العامة للمسلسل...إ
وليس المطلوب درامياً تقديم صور التفجيرات الإرهابية وما تخلّفه من قتلى وحسب، بل تلك هي وظيفة نشرات الأخبار. إلا أن الأجدى هو تجاوز حالة التلقي التي تؤديها وظيفة الأخبار، وتحويل ضحايا التفجيرات إلى أشخاص لهم وجوه وأسماء وحيوات يمكن للمشاهد التماهي معها. لهم قصصهم وأحلامهم وخيباتهم .. تفاصيلهم الإنسانية الصغيرة وهواجسهم اليومية.. ربما التفاصيل هي ما يحوّل الصورة الإخبارية إلى صورة تعني المشاهد.
وليس من الصعب دراميا إيجاد الحامل الاجتماعي لمقولة المسلسل كما تطرحها الرواية لأن في رواية حداد حوامل يمكن بناء عليها ما هو درامي: فكما تتيح خلفية الأب رياض اليسارية وتخصصه بدراسات الإسلام السياسي محاكمات عقلية للخديعة في العراق، فثمة ما يشكل بذور حوامل اجتماعية أيضاً مثل حكاية الحب التي تجمع رياض مع صديقته سناء والخطاب اليومي عبر الانترنت بينهما، وقصة الحب القديمة التي جمعت الابن سامر بإحدى صديقاته في الجامعة.
كما يشكّل مرافق رياض العراقي - الموظف في وزارة الثقافة العربية، مدخلاً لمسك خطوط اجتماعية عراقية عديدة وفاعلة درامياً في حكاية المسلسل، بالإضافة إلى الصحافية اللبنانية جينا التي يمكن أن تشكل هي الأخرى خطا دراميا (سياسيا - اجتماعيا) موازيا للخط الدرامي للأب رياض.. ويبدو أن مهمة أنزور هي إنضاج كل تلك الخطوط ومعه كاتب سيناريو المسلسل الروائي عبد الناصر العايد.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد