هل عجزت كوادرنا الوطنية عن تشخيص حوادث الهبوط الأرضي بالحسكة
لم تعد مشكلة جفاف نهر الخابور تقتصر على المعاناة الكبيرة من عدم توافر الموارد المائية التي تلبي احتياجات الزراعة والسكان في محافظة الحسكة..
فبعد أن أصبحت الآبار المحفورة في سرير النهر هي البديل الوحيد لنهر الخابور أو ما يسمى ضخ المياه من الحوامل المائية أو تأمين المياه عن طريق الضخ القسري من الينابيع والآبار.. ثمة مشكلة أخرى غير المياه وإن كانت ناتجة عن استنزافها كما تؤكد الدراسات الأولية للجيولوجيين.. أما المشكلة فهي تكرار حوادث الهبوط الأرضي في مواقع قريبة من ينابيع الخابور التي جفت في مدينة رأس العين , فخلال أقل من شهرين على حدوث الهبوط المفاجئ الذي حصل لجزء من متنزه في مدينة رأس العين بالحسكة تكررت ظاهرة الهبوط الأرضي في المدينة فكان الهبوط التالي أكثر عمقا واكبر مساحة, عندما فوجئ أهالي قرية تل الحضارة الملاصقة لمدينة رأس العين بهبوط أرضي سريع على شكل انخفاس في جزء واسع من احد الحقول الزراعية بالقرب من عين الزرقاء وأدى هذا الهبوط إلى تشكيل حفرة كبيرة أخذت الشكل البيضوي ولوحظ ان الحفرة تتصل بنفق على نفس مسار منطقة الينابيع التي كانت مصدراً لنهر الخابور سابقا .
ولعل السؤال المطروح هو : هل ثمة مبررات لقلق أهالي وسكان رأس العين بعد أن أصبحت تتكرر حوادث الهبوط الأرضي في هذه المدينة.. ثم كيف تم التعامل مع هذه الظواهر حتى الآن?
أسباب الهبوط
الجيولوجي عزيز ميخائيل مدير التحريات في حوض دجلة والخابور أوضح أن سبب حدوث هذا الهبوط يعود لعدة عوامل جيولوجية وهيدروجيولوجية تتسم بها منطقة رأس العين بشكل خاص, ولاسيما الناقلية العالية للمياه وانتشار الينابيع فيها إضافة إلى تحول هذه المنطقة إلى حفرة تآكلية ناتجة عن عوامل الحت والترسيب الناشئة عن حركة المياه الجوفية الغزيرة. مشيرا إلى أن طبقات الصخور من النوع التجميعي والركامي والكلسي المستحاثي الذي ينسب للميوسين الأعلى من حيث العمر الجيولوجي والحوامل المائية من النوع التشققي الفراغي.
وبعض هذه الطبقات الحاملة للمياه الجوفية تفصل بينها مستويات حاجزة رقيقة تتعرض خلال السنة الهيدرولوجية إلى تراوحات مهمة مع انخفاض مستمر في المستوى خلال السنوات الأخيرة, إضافة إلى ان الصخور الكلسية الكارستية الانحلالية تتعرض بفعل هذه التراوحات الى اجهادات قص داخلية ناتجة عن عدم الاستقرار في النظام الهيدروديناميكي الأمر الذي يتسبب بمثل هذه الانهيارات كما هو الحال في حادثة الهبوط التي جرت في رأس العين.
وحول الإجراءات الواجب اتخاذها أكد مدير التحريات في حوض الخابور أن المديرية تجري حاليا اتصالات مع بعض الجهات والهيئات المتخصصة محليا وعالميا للقيام بدراسات جيوفيزيائية للوقوف بشكل دقيق على دلالات ما يحدث وتشخيص هذه الظواهر المتكررة في هذه المدينة, ولاسيما أنه قد حدث هبوط مفاجئ في موقع آخر وضمن مسار مجرى نهر الخابور الذي جفت مياهه وقد اقتصرت الأضرار في ذلك الهبوط على عدد من الاشجار التي سقطت على الأرض إضافة إلى بعض التجهيزات العائدة لمتنزه شعبي ضمن مدينة رأس العين. إلا أن الأمر الذي اجمع عليه عدد من أهالي رأس العين هو ضرورة أن تتحرك الجهات المعنية للإسراع بدراسة هذه الظواهر لأن تكرارها أصبح مصدرا للقلق. وإذا كانت الحادثة الجديدة أيضا لم تتسبب بأي أضرار مادية, إلا أن ذلك يتطلب المزيد من الاهتمام ولاسيما أن المديرية العامة لحوض دجلة والخابور قد حذرت في وقت سابق من وجود تكهفات كارستية قابلة للانخفاض أو الهبوط ولاسيما في مواقع الينابيع القديمة وأيضا خطوط الصرف الصحي في المدينة. ولعل ما يشد الانتباه هو وجود أبنية سكنية ومقرات للمؤسسات الحكومية بالقرب من المواقع التي تكررت فيها ظاهرة الهبوط والانخفاس وكان الهبوط الأخير في شارع عام مقابل مجلس المدينة .
وقال مواطنون من رأس العين: لقد خسرنا الينابيع ومياهها بعد الجفاف الذي لحق بالخابور ونريد الآن الاطمئنان والاستقرار من خلال ما يجب أن يتم للتأكد من عدم وقوع حوادث في المستقبل, ولاسيما أن حكاية مشهورة يرددها الأهالي وتتعلق بأحد خبراء الجيولوجيا الأجانب الذين زاروا المنطقة في سبعينيات القرن الماضي للقيام بعمليات المسح الجيولوجي لمنطقة الينابيع في مدينة رأس العين, بأن ذلك الخبير رفض المبيت في المدينة خوفا من انهيار مفاجئ وكان يعود إلى الحسكة مساء ليذهب من جديد الى عمله صباح اليوم التالي في رأس العين التي تبعد ما يقارب من (80) كم عن الحسكة.
في هذا المجال أيضا لابد من الإشارة إلى أن انخفاض تصاريف نهر الخابور قد أثر على مشاريع السدود والأقنية وخاصة بعد وصول تصاريف الينابيع إلى الصفر في عام 1998 وقد قامت المديرية قبل هذا الانخفاض في عام 1990 بتوقيف عملية حفر الآبار في منطقة رأس العين وقامت ايضا بدراسة الحوض على مرحلتين, الاولى في عام 1993 والثانية عام 1997لدراسة الموازنة المائية وتم إعداد الموديل الرياضي لمناطق التغذية الرئيسية في الحوض, وتوصلت الدراسة الى الابقاء على نسبة المساحات المستثمرة على المياه الجوفية والسطحية ومراقبة المناسيب لمدة عامين للوقوف على نتائج الاستثمار المستقبلية للمياه الجوفية والسطحية في الحوض.
وكان السيد وزير الري قد وجه كلا من معاون الوزير للشؤون الفنية ومدير عام الشركة العامة للدراسات المائية ومدير الدراسات في الوزارة للقيام بالكشف الميداني وتقديم الحلول والإجراءات الواجب اتخاذها. أما في الحسكة ومن ضمن الإجراءات المحلية التي اتخذتها الجهات المعنية لتفادي وقوع أي خسائر مادية أو بشرية نتيجة حدوث مثل هذه الظواهر فقد تم توجيه مجلس مدينة رأس العين ومديرية الخدمات الفنية لإجراء دراسات جيوفيزيائية سطحية لمنطقة رأس العين لتحديد المواقع التي قد تتعرض للانهيارات مستقبلا . كما خاطب السيد محافظ الحسكة رئاسة مجلس الوزراء حول قيام مديرية الري العامة لحوض دجلة والخابور بالتعاقد مع جهة مختصة لدراسة هذه الظواهر بشكل علمي. في حين رأت مديرية حوض دجلة والخابور أنه لتفادي وقوع خسائر مادية أو بشرية نتيجة تكرار هذه الحوادث لابد قبل الشروع ببناء أي منشأة مهما كان نوعها من إجراء دراسة جيوهندسية من أجل تلافي حصول أي خسائر للمواقع المشيد فيها منشآت وأبنية سكنية حاليا كما أنه لابد من إجراء دراسات جيوفيزيائية سطحية لمنطقة رأس العين لتحديد المواقع التي تتعرض للانهيارات مستقبلا .
و قام عدد من الفنيين من الشركة العامة للدراسات الفنية وفنيون من وزارة الري بالكشف الميداني على الموقع الذي حدث فيه الهبوط, وقد جاء في التقرير الفني أنه من خلال التحليل الأولي تبين أن هذا الانخفاض ناتج عن هبوط سقف تكهف كارستي كبير لا يقل عمقه عن عمق الحفرة (بحدود 30 مترا ).. وأن مثل هذه الظواهر جديرة بالاهتمام ومن الضروري إجراء دراسات تفصيلية لتحديد أبعاد المنطقة المتوقع حدوث انهيارات أو انخفاسات مستقبلية فيها, وذلك بهدف أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية السكان من أخطارها.وحذرت المديرية العامة لحوض دجلة والخابور من وجود تكهفات كارستية قابلة للانخفاض أو الهبوط في مواقع الينابيع القديمة ومجاريها في منطقة رأس العين خاصة وأن هناك أبنية سكنية للقطاع الخاص وأبنية حكومية مشادة بالقرب من هذه المواقع مثل مبنى مديرية الخدمات الفنية ومبنى المالية وغيرها .
ورأت المديرية بأن تنفذ سبوراً جيو هندسية وفق النورمات العالمية في مواقع هذه المباني وبالقرب منها لوصف الطبقات ودراستها والتأكد من عدم وجود هذه التكهفات حرصاً على سلامة الأبنية وساكنيها . جاء ذلك في أعقاب حدوث انخفاض وهبوط مفاجئ قبل أيام لجزء من موقع متنزه مشوار في رأس العين على مسافة ثلاثين متراً تقريباً وبعرض حوالي ثلاثة أمتار مما أدى إلى حصول أضرار في بعض الأشجار المزروعة وتجهيزات ومعدات المنتزه التي كانت موجودة في موقع الانخفاس .
يبقى أن نشير إلى أن لجنة من هيئة الاستشعار عن بعد جاءت قبل أسابيع إلى رأس العين بناء على طلب من السيد محافظ الحسكة وقامت بتشخيص هذه الظواهر المتكررة ولم يعلن حتى الآن عن نتائج ما قامت به اللجنة مع الإشارة هنا أيضاً إلى وجود بعثة تابعة لشركة أرمنية تعمل في نفس المنطقة وثمة تساؤلات حول التعاقد مع هذه الشركة بمبلغ 50 مليون ليرة في حين يقال إن ما هو متوفر من خبرات وتقنيات حديثة لدى مؤسساتنا الوطنية في هذا المجال بالذات أكثر وأكبر بكثير مما تملكه هذه الشركة الأجنبية .!! لكن الأكثر أهمية هو أن يشعر الناس في منطقة رأس العين بالاستقرار وأنهم بمنأى عن الخطر
يونس خلف
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد