هل يُقدِّم شيخ الأزهر إستقالته قريباً؟
عامٌ مضى على توقيع "وثيقة الأخوّة الإنسانية" بين بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر في أبو ظبي. آتت الوثيقة أكلها يومها: صورةٌ تذكارية وموقف قيل عنه أنه "تاريخي"، واعتبارالرابع من شباط/فبراير من كل عام يوماً عالمياً للأخوّة.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤسسة الأزهر بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة. الرجل صريحٌ وشفاف. خاطب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وباللهجة المصرية البلدية: “تعبتني يا فضيلة الإمام”.. موقف الأزهر أوحى بالرفض. جرت مناوشات حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة يمكن القول إن الأمور بلغت حد وجود أزمة حقيقية بين السيسي والطيب، برغم أن الأخير أطلق في العام 2016 استراتيجية الأزهر في الإصلاح والتجديد، التي يبدو أنها لم تقنع السيسي.
لقد كُتب في سياق هذه الأزمة الكثير عن مؤسسة الأزهر. قيل إن هناك تياراتٍ تتجاذب النفوذ داخله، وأن حجم التيار الذي يقوده الشيخ أحمد الطيب ضئيل. وتمّ مثلاً تسليط الضوء على بعض المواقف الأزهرية التي أُتبعت في حينها بالكثير من الضجيجٍ في وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن هل تكون نهاية هذه الأزمة موقّعة باستقالة أحمد الطيب؟
كتب مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق الشيخ سلامة عبد القوي منذ ثلاثة أيام أن هناك من يتربص خلال السنوات الماضية بالأزهر وشيخه، “وأتصوّر أنه لن يصمد كثيرا أمام الهجمات المتتالية والمتابعة والممنهجة، وسيكون الكيل قد فاض، وسيخرج عن هدوئه المعتاد لدفعه للاستقالة والإطاحة به”.
يأتي هذا الكلام بعد الضجة التي أثارها الإعلام المصري بشأن النقاش الذي دار في مؤتمر تجديد الفكر الإسلامي مؤخرا بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة أستاذ الفلسفة الدكتور محمد عثمان الخشت. فقد صوّر الإعلام أن النقاش بين الرجلين إتخذ منحى سياسيا بحتا حين رد الطيب على مداخلة الخشت التي طالب فيها بالتجديد بأن اعتبر فضيلته أن التراث خلق أمة في أكملها، وأن الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية. وقد اعتُبر رده موجّهاً إلى السيسي نفسه الذي لم يحضر افتتاح المؤتمر كما كان منتظراً منه.
لكن السؤال الذي يطرح هنا، هل كانت كلمة الخشت من باب سياسي حتى تستلزم رداً سياسياً؟
واقعاً، من المؤسف تحويل النقاش الذي دار بين الطرفين إلى مسألة سياسية بالنظر إلى أهمية العناوين التي طرحها الخشت في مداخلته من جهة، ورد الطيب من جهة ثانية، لأن الموقفين يختصران بدقة متناهية واقع الحال بين رأيين بارزين في المسألة الدينية هما الرأيان السائدان اليوم بين الفقهاء والمفكرين الذين يتحدثون عن التجديد.
يجب أن يتخطى التجديد في الفكر الديني مجرد صورة جميلة ظهرت أثناء توقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية” بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في دولة الإمارات قبل سنة
كل رأي من الرأيين يقف على أرضية مختلفة ليناقش المسألة نفسها، غير أن الفقهاء يظلون الفئة الأكثر امتعاضاً من الرأي الآخر الصادر عن مثقف أو مفكر أو فيلسوف، لأنهم ببساطة يعتبرونه متكلماً في ما لا يعنيه، وفي ما هو ليس من إختصاصه، وهذا ما أشار إليه شيخ الأزهر في المؤتمر نفسه حين قال أن التجديد لا يحسنه إلا الراسخون في العلم وأن على غير المختصين تجنب الحديث في هذا الموضوع حتى لا يتحول التجديد إلى تبديد. ولعل أبرز النقاط “التجديدية” التي أشار إليها الطيب في المؤتمر هي أن الدولة في الإسلام دولة وطنية، “ولا يوجد في تراثنا ما يسمى الدولة الدينية”، وأن الخلافة نظام حكم ناسب زمانه، وقد ركز الطيب على عناوين الانفتاح على الآخر لكنه أكد على أن النصوص القطعية في ثبوتها وفي دلالتها لا تجديد فيها. وهذا ما كان قد أشار إليه سابقاً أيضاً حين برر ما قاله عن أن “تعدد الزوجات ظلم للمرأة وليس الأصل وهو مشروط بالعدل وحق مقيد ورخصة تحتاج إلى سبب”.. فقد شدد بعد الحملات التي شنّت عليه بفعل هذا التصريح على رفضه أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن او السنة.
الخطوط العريضة لوجهة نظر الشيخ أحمد الطيب واضحة، فيما يظهر لنا الوقوف على كلام الدكتور محمد عثمان الخشت نمطاً مختلفا من التفكير يدعو إلى الإنعتاق من اليقين القطعي. فمن جملة ما قاله مثلاً: “من يعيشون في الخطاب القديم من الداخل، لن يمكنهم تأسيس عقل ديني جديد أو خطاب ديني جديد، ولا حتى يمكنهم تجديد القديم إلا بالتهذيب أو الاختصار أو الانتقاء أو الشرح، لكنهم في الجوهر يظلون أسرى القديم في مناهجه ومفاهيمه وتصوراته، وما التجديد عندهم في كثير من الأحيان إلا إبعاداً لتيار قديم واستدعاءً لتيار قديم آخر؛ لأنهم ببساطة ينظرون من الداخل، وحدود رؤيتهم مقيدة بإطار البناء من الداخل، ومحكومة بالمنهجيات التقليدية وطرق التفكير الموروثة والسارية. ولذا أكاد أجزم – على مستوى الخطاب الديني – أن التجديد لا يمكن أن يأتي من المؤسسات الدينية الكلاسيكية في أية بقعة من العالم إلا إذا كانت لديها القدرة على التخارج والتعلم من دائرة معرفية أخرى”.
لقد ظل الأزهر عصياً على التدجين لكن من غير المعروف حتى الآن ما ستؤول إليه العلاقة المتوترة حاليا بين شيخ الأزهر ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، وهل ما نسمعه من نقاشات يمهد لتقديم الإمام أحمد الطيب إستقالته؟
يجب أن يتخطى التجديد في الفكر الديني مجرد صورة جميلة ظهرت أثناء توقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية” بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في دولة الإمارات قبل سنة، كما يجب أن يتخطى المؤتمرات الشكلية، ليتحول إلى مادة نقاش فكري عميق وجهد مشترك ومتواصل دون كلل حول المسألة الدينية، بعيداً عن أي إعتبارات سياسية، ذلك أن الجمود الفقهي أنتج ويلاتٍ لا تُزال آثارها إلا بتجديدٍ ديني معتبر، لا مجرد تجميلٍ زائف!
موقع 180
إضافة تعليق جديد