واشنطن وتل أبيب تدعمان كوشنير والبرادعي يحذر من عراق ثانٍ
أكد السجال الايراني الفرنسي خلال الساعات الماضية، تحولا في العلاقة بين باريس وطهران، التي شنت هجوما لاذعا على القيادة الفرنسية ردا على التصريحات «الحربية» لوزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير، والتي أثارت خارج ايران ايضا زوبعة من الانتقادات والتحذيرات، رغم التبني الاميركي والإسرائيلي لها.
وكان كوشنير دعا العالم امس الاول الى ان «يتوقع الأسوأ.. اي احتمال اندلاع حرب». وقد رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية محمد علي حسيني ان «تطابق تصريحات المسؤولين الفرنسيين مع موقف القوة المسيطرة يسيء الى مصداقية فرنسا». كما أعرب حسيني عن «أمله بأن تكون التصريحات شكلية ولا تعكس مواقف فرنسا الحقيقية والاستراتيجية»، مشيرا الى احتمال ان تكون مواقف كوشنير ناتجة عن «اقتراحات خاطئة ومعلومات غير دقيقة أمدته بها أطراف اخرى». وذكر ان «استخدام عبارات استفزازية تثير التوتر، امر يتعارض مع مكانة فرنسا التاريخية والثقافية والحضارية».
وفي خطاب متشدد، اعتبرت وكالة الأنباء الايرانية الرسمية «ارنا» ان «الساكن الجديد في الاليزيه (الرئيس نيكولا ساركوزي) يريد تقليد البيت الابيض.. هذا الاوروبي لبس جلد الاميركيين ويقلد صياحهم». واتهمت الوكالة الرسمية القادة الفرنسيين بأنهم أصبحوا «مترجمين لإرادة البيت الابيض». كما اتهمتهم بانهم «تبنوا لهجة اكثر صرامة وأكثر تحريضا وأكثر انعداما للمنطق من واشنطن».
واستدعت تصريحات كوشنير ردا من قيادات عسكرية ايرانية ايضا. وقال
الجنرال محمد حسن كوسهنشي، وهو أحد قادة الحرس الثوري في غربي ايران «ان الولايات المتحدة تقول انها تعرفت الى ألفي هدف في ايران والأكيد هو ان الاميركيين الذين يحيطون بإيران هم ايضا اهداف لنا».
وفي اليوم الاول من اعمال الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، قال رئيس المنظمة الايرانية للطاقة الذرية امام المؤتمر رضا آغازاده، ان الدول الغربية «اختارت منذ أمد بعيد طريق المواجهة بدلا من التفاهم والعلاقات الودية مع ايران». واضاف «الغرب لا يتسامح إزاء بروز المزيد من الدول المستقلة والدول النامية التي تسعى حاليا الى حيازة تكنولوجيا حديثة».
من جهته، وجه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، انتقادات ضمنية الى كوشنير والقوى الغربية التي تتهمه بـ«الليونة» مع طهران. وقال إن الحديث عن شن حرب ضد إيران بأسلوب يذكره بالفترة التي سبقت غزو العراق، هو «ضجة إعلامية» سابقة لأوانها. وقال «هناك قوانين لاستخدام القوة، وأتمنى ان يكون الجميع قد تعلموا الدرس من العراق، حيث قتل 700 ألف مدني بريء بسبب الاشتباه في ان البلاد تملك اسلحة نووية».
وأضاف البرادعي «نحن نتعامل مع ملف وثيق الارتباط بالسلام والأمن والاستقرار الاقليمي في الشرق الاوسط، لذلك اطلب من الجميع عدم الانجرار (الى الحرب) الى ان نصل الى نهاية عملية» التحقق. وتابع «أوضحت جليا انني لا أرى في الوقت الحاضر خطرا واضحا بشأن البرنامج النووي الايراني»، استنادا الى عمليات التفتيش الاخيرة التي قامت بها الوكالة في ايران.
ورأى البرادعي انه «علينا دوما ان نضع في أذهاننا انه لا يمكن التفكير في اللجوء الى القوة (إلا بعد) استنفاد كل الخيارات الاخرى ولا اعتقد إطلاقا اننا وصلنا الى هذه المرحلة.. أظن ان ما علينا القيام به هو تشجيع ايران على العمل مع الوكالة لتوضيح القضايا العالقة» بشأن طبيعة برنامجها النووي. وقال «سيكون في وسعنا بحلول تشرين الثاني او كانون الاول معرفة ما اذا كانت طهران تتصرف بحسن نية وسنكون بوضوح عندها امام وضع آخر».
وانسحبت الانتقادات الموجهة الى تصريحات كوشنير على العديد من ممثلي العواصم الغربية. وقالت وزيرة الخارجية النمساوية اورسولا بلاسنيك ان «الزميل كوشنير هو الوحيد القادر على توضيح ما قصده. لا يسعني ان افهم لجوءه الى خطاب عسكري في هذه المرحلة». وأضافت «انني اؤيد مواصلة العمل على حل بالتفاوض».
بدوره، حذر وزير الخارجية الايطالية ماسيمو داليما من ان «حربا ضد ايران لا يمكن الا ان تــولد مآسي». وأضاف «قبل التحدث عن حروب جديدة، يجب إمهال المبادرات السياسية والدبلوماسية الوقت الضروري.. ثمة عقوبات قررتها الاسرة الدولية وهناك في الوقت ذاته عرض قدم لايران بالتفاوض من اجل التوصل لحل سلمي».
وقال المتحدث باسم الحكومة الالمانية اولريش فيلهلم انه «علينا بذل كل ما في وسعنا لعدم الوصول الى وضع تمتلك فيه ايران السلاح النووي»، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية مارتن ياغر انه «من الخطأ التحدث عن تهديدات بشن حرب، بل على العكس، نعتبر ذلك دليلا على ان اصدقاءنا الفرنسيين ينظرون الى الوضع بجدية ويجهدون ناشطين معنا للتصدي لمثل هذه التطورات».
على الضفة المقابلة، قدمت الولايات المتحدة دعما متوقعا لتصريحات كوشنير. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان «رئيس الولايات المتحدة لا يسحب اي خيار عن الطاولة»، معتبرا ان «فرنسا تشاطرنا الأهداف ذاتها: هذا النظام الايراني لا يمكن ان يمتلك سلاحا نوويا»، مشيرا الى ان تعليقات كوشنير «تؤكد جدية الموقف الفرنسي».
وأعلنت اسرائيل بدورها عن مواقف مماثلة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك ريغيف «ان التصريحات الحازمة عبر العالم التي تظهر انه لن يبقى مكتوف الأيدي، هي ايجابية لانها توجه رسالة واضحة الى طهران». وذكر ان هذه المسألة كانت طرحت أثناء محادثات كوشنير الاسبوع الماضي في القدس المحتلة.
فرنسيا، حاول رئيس الوزراء فرانسوا فييون تلطيف الموقف الفرنسي إزاء الملف الايراني. وقال «ينبغي بذل كل الجهود لتجنب الحرب»، معتبرا ان «دور فرنسا هو ان تقود الطريق نحو حل سلمي لوضع قد يصبح شديد الخطورة لبقية العالم». لكنه رأى في الوقت ذاته ان كوشنير كان على حق في قوله ان الوضع خطير وينبغي التعامل معه بجدية، مشددا على ان «التوتر على أشده في العلاقة بين ايران وجيرانها، وفي العلاقة مع اسرائيل».
وقد دفعت تصريحات كوشنير السكرتير الاول للحزب الاشتراكي الفرنسي فرنسوا هولاند، الى المطالبة بمناقشة برلمانية حول الوضع في ايران. ورأى ان هذه التصريحات «لا يمكن ان تبقى من دون توضيحات او عواقب لان القول بوجوب الاستعداد للأسوأ، اي للحرب، يعني ان الحكومة والرئيس لديهما معلومات تدعو الى الاعتقاد ان ايران تتجه نحو القنبلة الذرية، وأن التفاوض متوقف».
كما اصدر الحزب الاشتراكي بيانا اعتبر فيه «ان فرنسا لا تستطيع بهذه الخفة الدخول في مواجهات عسكرية في منطقة تتميز بهذا القدر من اللااستقرار». واضاف البيان «ان موقف نيكولا ساركوزي المؤيد لسيناريو على الطريقة العراقية لا يمكن ان يفسر الا بانحيازه للإدارة الاميركية.. وهذا الانحياز يُضعف سلطة الأمم المتحدة ويعرض للخطر مصداقية فرنسا ومصالحها وأمنها».
وفي باريس ايضا، قال وزير الخارجية الهولندية مكسيم فيرهاغن اثر لقاء مع كوشنير، ان بلاده على استعداد لتطبيق عقوبات اوروبية ضد ايران بشأن ملفها النووي في حال فشل مجلس الامن الدولي في الاتفاق على عقوبات اضافية ضد طهران. كما قال كوشنير حول هذه العقوبات ان «البريطانيين والألمان مهتمون كذلك بالحديث عن هذا الامر.. سنسعى الى إيجاد موقف اوروبي موحد».
وقال مسؤول اوروبي تعليقا على التحركات الفرنسية، انه منذ خطاب ساركوزي الشديد اللهجة امام السفراء الفرنسيين نهاية آب حيال ايران «حصل منعطف فرنسي.. في الوقت الذي كانت فيه الأولوية تمنح دائما للبقاء داخل الأمم المتحدة، فإن (عقوبات محتملة من خارج الأمم المتحدة) لم تعد من المحرمات».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد