(وثائق سورية):كلمةعبد الناصر إلى قوات الجيش في حمص عام1960
أيها الإخوة الجنود:
أنتم طليعة الزحف المقدس الذي تسير فيه أمتنا اليوم، وشعبنا وهو يسير في زحفه المقدس ويصمم على أن يضع إرادته موضع التنفيذ، ويصمم على أن يضع أهدافه السياسية والاجتماعية موضع التنفيذ، فإنما يسير في هذا الزحف المقدس وكله ثقة واطمئنان لأنكم أنتم قوات الجيش.. أنتم القوات المسلحة طليعة الزحف المقدس.
فأنتم - أيها الجنود - طليعة الزحف المقدس لهذا الشعب؛ لأنكم تجمعون هذا الشعب بكل محافظاته وبكل مدنه وقراه.. تجمعون هذا الشعب في وحداتكم؛ فليست هذه الوحدات في القوات المسلحة إلا التمثيل للشعب كله في كل قرية وفى كل مدينة، وليست هذه القوات المسلحة إلا التعبير عن إرادة الشعب في زحفه المقدس؛ لأن الجيش إنما انبثق عن الشعب، ولأن أفراد الجيش إنما خرجوا من بين الشعب.
إنكم - أيها الإخوة - طليعة هذا الزحف المقدس، والجيش الذي يمثل الطليعة التي خرجت تحت السلاح لتحمى الديار ولتحمى تنفيذ الأهداف إنما وضع في قلبه ونفسه أن الشعب هو الجيش الكبير الذي يؤازر قواته المسلحة إذا دعا الداعي، بل ويحمل السلاح ليشترك معها في المعارك الحاسمة والمعارك الفاصلة؛ وبهذا فقد اتحدت أمتنا جيشاً وشعباً.
وبهذا - أيها الإخوة الجنود - نشعر نحن رجال القوات المسلحة أن الواجب الرئيسي علينا وأن الواجب الرئيسي لنا هو أن نحمى حمى هذا الوطن برجاله ونسائه وأطفاله، وبأرضه وتربته التي نحميها بدمائنا كما نحمى الأمة العربية جمعاء؛ لأن مصيرنا مصير واحد، وإذا حاق بأي جزء من أرض الأمة العربية ما يؤثر على قوميتها أو ما يؤثر على عروبتها فإن هذا لابد أن يرتد إلى صدورنا.
وقد رأينا ما حصل في فلسطين في سنة ٤٨، وكنا لازلنا في معركة الكفاح من أجل الاستقلال، ولا زلنا في معركة الكفاح من أجل تدعيم الاستقلال؛ ففي عام ٤٨ انتهك الاستعمار والصهيونية قطعة عزيزة غالية من قلب الأمة العربية، ولم يكن هذا هو الهدف في حد ذاته، ولكنهم كانوا يريدون أن يقطعوا أوصال الأمة العربية حتى يحيق بها اليأس، وحتى تستضعف، وحتى يتمكنوا منا، وكانوا لا ينسون أبداً ما حدث في الماضي حينما اتحدت مصر وسوريا على مر السنين.
فإن الوحدة - أيها الإخوة - ليست جديدة علينا، ولكن الشعب العربي هنا في سوريا وهناك في مصر كان دائماً يهب عند الخطر وعند الفزع، ويؤمن من قرارة نفسه أن الوحدة هي طريق القوة وطريق الحياة.
وحينما هوجمنا في الماضي، هوجمت مصر منذ مئات السنين ووصلت قوات الاستعمار إلى مشارف القاهرة، هبت سوريا لنجدتها وذهب الجيش السوري من هذه الأرض الطاهرة - وكان العدو على مشارف القاهرة - واتحد الجيش السوري مع الجيش المصري فهُزم الغزاة وطرد المستعمرين، وتعقبتهم القوات المسلحة المصرية السورية لتطهر منهم أرض العرب أجمعين.
هذا - أيها الإخوة - ما حدث منذ مئات السنين، وحينما أراد التتار أن يبسطوا سلطتهم الغاشمة على أرض سوريا وأرسلوا إنذار إلى مصر بألا تتدخل، فما كان من القادة في مصر إلا أن قطعوا على أنفسهم خط الرجعة فذبحوا رسل التتار ليدخلوا في معركة من أول أيامها.. ودخلوا فعلاً في المعركة.
وانطلق - أيها الإخوة - الجيش المصري ليلتقي مع الجيش السوري وليهزم الجيش الموحد التتاري في معركة عين جالوت، وكانت هذه المعركة هي أول معركة هزم فيها التتار منذ غادروا بلادهم واجتاحوا كل أقطار آسيا وبلاد آسيا، ولكن كانت هزيمتهم الأولى على يد الوحدة التي جمعت بين الجيش السوري والجيش المصري.
أيها الإخوة:
كان الاستعمار لا ينسى هذا أبداً ويذكره دائماً، وكان يعتقد أنه باحتلال فلسطين وتسليمها للصهيونية سيستطيع أن يفرق بين مصر وسوريا، ويستطيع أن يفرق بين ما وحده التاريخ وما وحده الله؛ لأن هذا الشعب إنما وحده التاريخ ووحده الله.
فكانت هذه الثورة العارمة، وكان هذا الزحف المقدس، وكان هذا اللقاء، وكان أول ما وحد بين مصر وسوريا هي القوات المسلحة؛ لأن الوحدة التي تمت في عام ٥٨ كانت تعبيراً عن الثورة التي انطلقت من جميع أرجاء سوريا ومن جميع أرجاء مصر. وأنتم رجال القوات المسلحة كنتم الطليعة التي سارت في طريق الوحدة؛ لأنكم آمنتم أن طريق الوحدة هو طريق القوة وطريق المنعة، وهو طريق الحياة.. فاتحدت القوات المسلحة قبل أن تتحد مصر وسوريا دستورياً، وكنتم بهذا تضعون إرادة الشعب موضع التنفيذ.
وأنا اليوم - أيها الإخوة - حينما أراكم أمامي أطمئن إلى زحف شعبنا المقدس نحو أهدافه العزيزة الغالية.. أهدافه في تحقيق الوحدة والقومية والاستقلال، وأهدافه في تحقيق المجتمع الاشتراكي الديمقراطي التعاوني.
فكلنا جميعاً إنما نعبر عن حقيقة هذا الشعب ومستوى معيشة هذا الشعب سواء في الشمال أو في الجنوب، والقوات المسلحة إنما تمثل الفئة التي كافحت والتي قاست في الماضي، وقواتنا المسلحة إنما تمثل كفاح هذا الشعب الذي كافح من أجل العدالة الاجتماعية، والذي كافح من أجل المساواة، والذي كافح من أجل العدالة.. فنحن أيضاً - أيها الإخوة - بل أنتم أيضاً - أيها الإخوة - طليعة هذا الشعب في الحفاظ على الأهداف التي أعلنها؛ وهى تحقيق المجتمع الاشتراكي الديمقراطي التعاوني. هذا المجتمع سيؤثر على كل فرد فيكم، ولأن هذا المجتمع إنما يمس عائلة كل فرد منكم، ويمس إخوة وأبناء كل فرد منكم، وأنا كما قلت لكم، أؤكد مرة أخرى أن القوات المسلحة في جمهوريتنا وهى دائماً تحمل الأهداف التي يحملها هذا الشعب، وترفع الشعارات التي يرفعها هذا الشعب؛ شعارات القومية والعروبة والاستقلال، وشعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وكما كنتم دائماً - أيها الإخوة الجنود - طليعة هذا الشعب في زحفه المقدس وفى حماية حدوده، فأنتم دائماً طليعة هذا الشعب وذخر هذا الشعب في تحقيق أهدافه؛ أهدافه القومية، أهدافه في الحرية والاستقلال، وأهدافه الاجتماعية في بناء المجتمع الذي يبنى على العدالة والمساواة، وأنتم حماة هذا الوطن وأمل هذا الوطن.
والله يوفقكم والسلام عليكم.
٢١/٢/١٩٦٠
الرئيس جمال عبد الناصر
المصدر: صحيفة الأهرام، عدد 22 شباط 1960م.
الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد