8000 سوداني يعيشون تحت نير العبودية

26-03-2007

8000 سوداني يعيشون تحت نير العبودية

لم ير أكيش أرول دنج زوجته وابنه منذ اختطفتهم رجال الميليشيات من دارهم في جنوب السودان قبل 19 عاما.

لقد كان ابنه، دنج، في الثالثة من عمره آنذاك غير أن أرول متأكد أنهما مازالا على قيد الحياة، بعد أن استغلا كعبيد في الشمال.

ويقول أرول وهو يعرب عن حزنه العميق في داره في قرية مالوالباي التي تبعد بضعة ساعات على متن الجياد من نهر بحر العرب الذي يقسم السودان بين شمال مسلم وجنوب مسيحي ويدين بديانات تقليدية "أفتقدهما كثيرا جدا. آمل يوما أن يرجعا".

ويعتقد أن نحو ثمانية آلاف شخص يعيشون تحت نير العبودية في السودان، بعد 200 عام من حظر بريطانيا لتجارة الرقيق عبر الأطلسي وبعد 153 عاما من محاولتها إلغاء العبودية في السودان.

ولكن الخلافات على المال تعني أن أحدا لن يحرك ساكنا لتحرير المستعبدين.

وفي نفس العام الذي اختطفت فيه أسرة أرول، اختطفت آريك آنييل دنج، وهي في العاشرة، من بيتها، على مسافة ليست ببعيدة عن مالوالباي.

فقد امتطت ميليشيات عربية صهوة الجياد وأغارت على قريتها، وأطلقوا النيران. وحينما فر الكبار، تم تجميع الصغار والماشية حيث أجبروا على المشي شمالا لخمسة أيام قبل أن تقسم الغنائم والأسلاب بين المغيرين.

وعادت آنييل إلى بيتها في ظل خطة حكومية العام الماضي.
وتقول آنييل "قال لي مختطفي إنني عبدة له وعلي أن أفعل كل ما يأمرني به - أحضر له الماء والحطب، وأرعى ماشيته وأزرع أرضه".

وتابعت قائلة "حينما بلغت الثانية عشرة، قال إنه يريد أن ينام معي. ولم استطع أن أرفض لأنني كنت عبدة، كان علي أن أفعل كما أمرت، وإلا قتلني".

لقد كانت مثل تلك الغارات بين الأشياء الشائعة خلال حرب الشمال والجنوب والتي استمرت 21 عاما، وانتهت عام 2005.

ويعتقد على نطاق واسع أن حكومة الشمال سلحت الميليشيات العربية حتى تروع السكان الجنوبيين وتشتت انتباه المتمردين الجنوبيين بعيدا عن مهاجمة الأهداف الحكومية.

وبحسب دراسة نفذها معهد الوادي المتصدع الذي يتخذ من كينيا مقرا له، فقد اختطف نحو 11 ألف صبي وفتاة ونقلوا عبر الحدود الداخلية للسودان - حيث نقل العديدون إلى ولايات جنوب دارفور وغرب كردفان.

وعادة ما كان الأولاد يؤمرون برعاية الماشية، بينما توكل للفتيات المهام المنزلية قبل أن يتم "تزويجهن"، عادة في سن الثانية عشرة.

وأجبر أغلبهم على التحول إلى الإسلام، وتم تغيير أسمائهم إلى أسماء إسلامية وأمروا بعدم الحديث بلغاتهم الأصلية.

وطالما رفضت حكومة السودان المزاعم بوجود أشخاص يعيشون تحت نير الرق، غير أنها اعترفت بأن الآلاف تعرضوا للاختطاف خلال الحرب. وتقول الحكومة السودانية إن هذا تقليد قديم يتمثل في أخذ رهائن بين الجماعات العرقية المتناحرة.

ونفى مسؤول حكومي بارز بشدة وجود أي رق في السودان، ولكن كان من الغرابة أنه أعترف بالقول "لم يختلف الأمر عن نقل الناس من غرب أفريقيا إلى أمريكا".

وتعرف الأمم المتحدة العبودية بأنها "وضع أو ظروف يتعرض لها شخص يتم بمقتضاه ممارسة حقوق الملكية له كليا أو جزئيا".

ولا شك في أن آنيل والعديد غيرها ممن تحدثنا إليهم يبدو أنهم يعيشون في ظروف عبودية - حيث اختطفوا، وتعرضوا للعمل القسري، وكثيرا ما ضربوا.

ولكي يمكن العمل مع برنامج الإعادة الذي أقرته الحكومة السودانية عام 1999 تحت ضغوط دولية شديدة، فقد وافقت الجهات المانحة على استخدام التعبير التجميلي "مختطف"، بدلا من كلمة عبد.

وقد تم إعادة نحو ثلاثة آلاف شخص إلى ديارهم قبل أن ينفذ ما كان لدى البرنامج من أموال عام 2005.

وانسحب المانحون، إذ قالوا إن بعض من شملهم البرنامج لم يكونوا عبيدا حقيقيين، والبعض تم إرجاعه رغما عنه وتركوا لا حول لهم في أماكن مقفرة متخلفة اقتصاديا في الجنوب.

ثم قامت الحكومة السودانية بتمويل عمليات الإعادة لبعض الوقت ولكن، للغرابة، يبدو أن نهاية الحرب بين الشمال والجنوب جعلت أهمية المشروع تتراجع.

ويبدو أن الحكومتين، سواء في الشمال، أو الجنوب المتمتع الآن بوضع حكم ذاتي، أكثر اهتماما بإنفاق الثروة التي اكتشفت مؤخرا من النفط.

ويقول مسؤولو الحكومة السودانية، ومسؤولو إدارة الجنوب إنهم مازالوا يعملون على التوصل إلى سياستهم الجديدة بشأن "ملف المختطفين".

ويقول أحمد مفتي من اللجنة الحكومية للقضاء على خطف النساء والأطفال، إن زعماء القبائل العربية أكثر من مستعدين الآن لإطلاق سراح "مخطوفيهم" غير أن مجموعته ليس لديها ثلاثة ملايين دولار وهو المبلغ الذي يقدر أنه سيكون مطلوبا لترتيب عمليات النقل ودفع المال للمسؤولين لتنظيم العملية.

وبمواجهة عدم حدوث جديد، بدأ اليأس يدخل جيمس أجور بشكل متزايد، وهو رجل في طليعة الحملة لتحرير العبيد في السودان، وذلك بعد أن أمضى نحو 20 عاما يخاطر بحياته من أجل هذه القضية.

ويقول أجور بمرارة "مع حلول السلام، اعتقدت إنهم سيحررون الآن".

ويضيف أن لديه أسماء وأماكن لثمانية آلاف شخص، يمكن بسهولة تحريرهم من مخيمات الماشية التي يملكها زعماء قبائل عربية، ما إن تتوافر الإرادة السياسية لذلك.

ويقول إن الرقم الحقيقي لمن يجبرون على العمل رغما عنهم ودون تلقي أجر عن العمل القسري في السودان يتجاوز 200 ألف شخص، وإن كانت غالبية الجهات المانحة تعتقد أن في ذلك مبالغة.

وتشعر آنييل بالسعادة وهي تجلس على الأرض خارج الكوخ الطيني القديم الذي تعيش فيه الآن هي وأولادها الخمسة، إذ أنها استعادت أخيرا حريتها وأصبحت قادرة على أن تقرر مصيرها.

ولكن الحرية ليست بالضرورة أمرا سهلا - إذ يتعين عليها الآن إعالة الأولاد بمفردها، دون دعم من المانحين أو الحكومة.

وتقول آنييل إنها رزقت بأولادها بعد أن أجبرها سيدها العربي السابق على أن تمارس الجنس معه.

ويأتي دخلها الوحيد من جمع الحطب وبيعه في سوق محلي.

وتشتكي قائلة "الأمر شبيه بوضعي في المخيم، إنه نفس الوضع كما في الشمال".

وتستشهد غادة كججي من منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن رعاية الأطفال، بحالة آنييل لإيضاح كيف توقف التمويل الكافي لبرنامج الإعادة.

وتقول إن الذين يتم تحريرهم ينبغي مساعدتهم حينما يعودون لموطنهم - اقتصاديا واجتماعيا، إذ أنهم ينتقلون من مجتمع عربي إلى مجتمع الدنكا الذي تركه البعض قبل 20 عاما.

ولكن النشطاء يقولون إن الأولوية الأولى لابد أن تكون تحريرهم من الاسترقاق ثم النظر في تفاصيل عودتهم.

كما تشير كججي إلى أنه قد يكون من الصعب اقتفاء أثر آباء الأطفال الذين اختطفوا في منطقة الحرب قبل ما يصل إلى عقدين.

فالبعض نسوا اسماءهم الحقيقية وموطنهم الأصلي والأماكن التي أتوا منها، وإن كان يمكن أحيانا التعرف عليهم من علامات التشريط التي تحملها وجوههم منذ الطفولة - وهي جزء من تراث قبائل الدنكا بجنوب السودان.

ومازالت منظمة "انقذوا الأطفال" البريطانية تساعد المتبنين، ولو عن بعد، على رعاية الأطفال بعد عدة أعوام من عودتهم إلى "البيت".

وفيما يتباحث المسؤولون فيما هي أفضل السبل لتنظيم عمليات الإعادة، فإن أرول وغيره كثيرين لا يقوون على الانتظار حتى يروا أحباءهم مرة أخرى.

لقد توجه للاجتماع بأربع قوافل مختلفة من المختطفين العائدين على أمل لم شمل أسرته، ولكن خاب أمله في كل مرة.

ويتساءل أرول قائلا "أسأل الرب، لماذا يا رب يعود أولاد آخرون وليس أولادي! ماذا فعلت حتى أستحق هذا؟".

المصدر: BBC

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...