هل يستحق الاحتفال بالحب كل هذه الفتاوى؟
بالتزامن مع احتفالات عيد الحب أو عيد العشاق- كما يسميه البعض- تتعالى أصوات بعض رجال الدين والمعارضين والمستنكرين، فتكثر الفتاوى والآراء المعارضة والمحاربة لهذا اليوم وطقوسه والتي تؤكد أن هذا العيد ما هو إلا بدعة وضلال وتقليد أعمى للغرب.
وإذا أردنا أن نناقش الفتاوى المحاربة لهذا اليوم لوجدنا أن من أهم قواعد الدين الإسلامي الذي يرتقي عن مطلقي الفتاوى الاعتباطية أنه لا ضرر ولا ضرار فأين الضرر في وجود يوم يحتفل فيه المحبون ببعضهم..... وقد يتحجج البعض أن هذا اليوم يدعو للاحتفال بالأشخاص الذين يرتبطون ببعضهم بعلاقات محرمة، فكيف افترض هؤلاء أن الحبيب هو الصاحب والصاحبة، العشيق والعشيقة، علما أن الحب ممكن أن يشمل الزوج والزوجة والخطيب والخطيبة، والشباب والفتيات الذين يؤسسون لعلاقات زوجية شرعية مستقبلا..... فعجبا من تقييد كل أمور الحياة بالدين في حين أن أمر الاحتفال بعيد الحب لا يتعدى المشاعر الإنسانية التي تجد يوماً لإبرازها بشكل مكثف عن باقي أيام السنة.
- كتب الدكتور محمد حبش عن عيد الحب مؤكداً أن الرسول محمد صلى اللـه عليه وسلم كان يحب زوجاته، وأن إعراض الفقهاء عن الحديث عن الحب كثمرة مباشرة للخطوبة، ورابط أساس في الزواج أدى إلى غربة هذه الكلمة، وصار مجرد إطلاقها في أي سياق يرتبط مباشرة بالعلاقات المحرمة التي تنشأ في الظلام وترتبط مباشرة بالخيانة الزوجية فكتب:
(في قراءة سريعة لسيرة النبي الأكرم يمكننا أن ندرك أن الرسول الذي كان يحمل على كتفه هموم العالم كان أيضاً يحمل في جوانحه فؤاد طفل، وكان يعرف المدامع والمواجع، والأرق والسهد والهجر والوصال وربما كانت أيامه مع خديجة بنت خويلد أوضح صورة لحبه هذا.
في علاقته بالسيدة خديجة بنت خويلد لم يكن النبي الكريم صلى اللـه عليه وسلم يكف عن الحديث عن الحب الذي كان يظلل حياتهما ويقول: «أن اللـه رزقني حبها» وحين توفاها الموت فإن حزنه على فراقها كان شديداً لدرجة أنه سمى العام كله عام الحزن!
وكان بعد ذلك لا يفتأ يذكر خديجة بما سلف منها من خير وبما عقد بينهما من محبة.
وأما حبه لعائشة فشائع مشهور.... وقد بدأ حبه لها منذ خطوبته إياها وكان يرسم ذلك الحب بريشة ملائكية يقول لها: «أريتك في المنام ثلاث ليال جاء بك الملك في سرقة من حرير، فيقول هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فأقول إن بك هذا من عند اللـه يمضه».
وقالت عائشة عن مظاهر الحب الحلال الذي شاهدته من الرسول: كان رسول اللـه يعطيني العظم فآكل منه، ثم يأخذ فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي، وكانت عائشة بعدئذ تعلم النساء فنون الحب، وتتصدر النساء تعلمهن وسائل الوصول إلى قلوب أزواجهن واشتهر قولها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي عينيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي.
وفي ختام مقاله يقول الدكتور حبش: (........... ولكننا مع ذلك معنيون بأن نؤكد للناس أن الإسلام ليس ديناً بلا قلب والمسلم ليس كائنا من خشب إنه دافىء القلب رطب العين، وما بين خفق قلبه ودمع عينه حكايا عاشق شقي تلتهب أشواقه فقط في الفراش الحلال حيث أذن اللـه وأمر فطرة اللـه التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله).
- ماذا لو اخترعنا نحن العرب عيدا للكره والكيد وتدبير المكائد (طأطأة البراغي) فهل سيلقى هذا العيد استحسان رجال الدين والمعارضين لأنه عيد من اختراعنا نحن العرب ولم ننقله عن الغرب!!! أظن أن هذا العيد من الممكن أن يجد رواجا كبيراً في مجتمعنا لأن الموازين انقلبت، والبقاء للأقدر على إيذاء الناس والأقل ضميرا والأكثر قدرة على إيقاع الآخرين... ومن الممكن أن تصل فيه نسبة الإنفاق إلى الملايين وخاصة إذا استبدلنا بطاقات المعايدة والورود الحمراء والدمى والأشياء التي يشتريها العشاق لبعضهم بأخرى تناسب عيد الكره فمثلا آخر بروشورات تكشف أحدث أساليب وابتكارات الإيقاع بزملائك، أو كيف تكشف خيانة الحبيب!أحذية ليتراشقها الكارهون على بعضهم في هذا اليوم إضافة للعصي والأسلحة البيضاء التي لا تؤذي لكوننا في عيد ولا نريد ضحايا.
- في ظل ظروف الحياة القاسية والصعبة، وكل الشوائب التي أصابت النفوس جراء اللهاث وراء تحصيل لقمة العيش، ألا يحق للبشر التنفيس عن نفوسهم، من خلال الاحتفال بيوم في السنة يعبرون فيه عن حبهم لأحبائهم بطقوس تدغدغ الروح والمشاعر وتعيد الطاقة لأذهان الناس ليستأنفوا أعمالهم بعد هذا اليوم؟ ألا يحق للمحبين خلق ذكرى لطيفة تجمعهم في هذا اليوم يسلون أنفسهم بها بعد انقضائه؟ علما أن تخصيص يوم في السنة للاحتفاء بالحب لن يضر بل على العكس تماماً سيفيد الإنسان ويجعله أكثر إيجابية في الحياة، وسيحدث بداخله تغيير جميل ومشاعر رقيقة.
عيد الاستهلاك
لا تقع مسؤولية تعكير صفو هذا اليوم فقط على عاتق مدعي الفتاوى فقط والمعارضين وإنما التجار أيضاً الذين حولوه إلى يوم تحلق فيه الأسعار للسماء، وتتضاعف فيه قيمة البضائع أضعافاً مضاعفة... ليصبح هذا اليوم حكرا على الأغنياء وميسوري الحال وسيضطر الفقير في حال اختار الاحتفال بهذا اليوم أن يستدين أو يصرف قسما كبيراً من راتبه لإرضاء حبيبته أو خطيبته أو زوجه.
- والسؤال الذي يطرح نفسه:هل يحتاج الحب إلى شرعنة، وهل الاحتفال به يحتاج إلى نص قرآني أو مصدر تشريعي ليقره ويجعله حلالاً... علما أن الدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر، ولا مشكلة فيه مع الأشياء التي لا تضر الأفراد والمجتمع، أم إن بعض أصحاب العمامات اعتادوا تشويه الأديان في نظر الناس؟، وتشديد الخناق عليهم، لينفروا من دين اليسر، وخاصة أن الفئة الأكبر من الشباب تحتفل بهذا اليوم ليس بدافع الفجور أو المجون وإنما بدافع الحب واحترام المشاعر النبيلة.
فليذهب هؤلاء الذي فرغوا أنفسهم وعقولهم لإصدار الفتاوى بعيد الحب وغيره وليلهوا أنفسهم بقضايا أكثر أهمية ومن الممكن أن تؤدي إلى فساد الدين والأمة كالزيجات التي بتنا نراها اليوم والتي شرعنت الدعارة تحت اسم زواج كزواج المسفار والمصياف والعرفي وأمثالهم.
دارين صالح
المصدر: الوطن
التعليقات
نعم فيه ضرر كبير
تجاهل هؤلاء يحمي من الإصابة بأمراض القلب والشرايين
إضافة تعليق جديد