سوريون يعيدون انتاج تشددهم الديني في الكويت
الجمل ـ الكويت ـ حسان عمر القالش: في الكويت لا تكتفي بالتنزه والافتتان بمعالم عاصمتها الكويت أو "الديرة" كما يسميها أهلها, ورؤية العرب يتحضّرون ويبزّون الغرب في ثقافة الاستهلاك والانفاق والتسوق, انما بتوسيع بيكار النظر والتفحـّص ستزول عنك مباهج
التمثـّل بدول الغرب وتتعرف على أجواء البلاد ومجتمعها المسالم المحافظ وكأنه يعبق بروائح البخور الهندي.
ومع أن المجتمع الكويتي الحديث تربى على أسس ليبرالية يحافظ عليها ويرعاها, لكنه لا ينكر كونه مجتمعا متدينا محافظا, فتلحظ صبغة الاسلام تحكم معظم نشاطات البلاد, آخرها كان اقرار قانون الزكاة.
طقس البلاد هذا قرّب كثيرين من "وافديها" والمقيمين فيها من الاسلام والتعرف على رحابة تعاليمه وعظمة روحه, و ساعد كثيرين غيرهم على أن تأخذهم العـزّة بالتشـدد والنكوص نحو مظاهر "الأسلمة الاجتماعية والثقافية", وتكريس الانغلاق الاجتماعي والثقافي على الذات وتمجيد الشكلي الظاهر والمنظور على الروحي العميق الباطن. والسوريون كان لهم نصيبهم من هذا الحراك..
أكبادنا المتمشيخون
عادت ابنتي من مدرستها الى البيت وقالت لي وعيناها تفيضان مرارة ومهانة بأن زميلاتها قلن لها: "أمك كافرة" بعد رؤيتهم لي أوصلها الى باص المدرسة فعرفوا أني غير محجبة, الكلام للسيدة (جنان. م) والموقف حدث لابنتها البالغة تسع سنوات. وتؤكد (سهام. ن) حدوث مثل هذه المواقف وتروي عن ابنها (في الصف الرابع الابتدائي) أنه كان يحب مدرّسة الرياضة كثيرا, لكن لأنها مسيحية غير محجبة, كان زملاءه يتساءلون حول ضرورة أن تدرسهم هذه المدرسة؟..وتتذكـّر سهام دعوة صديقات أقاربها لها الى جلسة استقبال: هناك "تواقح" ابن إحدى المدعوات وهو يتظاهر بالرجولة أمام أهله وقال لي ليش ما تتحجبي خالتو؟! انت مو مسلمة؟.. توقعت أن تنهره والدته لكنها بدت سعيدة مـتـشـفـيـّة بما رأت.
اللافت أن جرعة "الزاد" الديني المقدمة للأطفال في مناهجهم المدرسية هي جرعة زائدة لاتتناسب مع قدراتهم الادراكية, يغلب عليها طابع (الممنوعات والمحظورات) أكثر من الطابع الأخلاقي التهذيبي والتعليمي المتوخّى, فعلى سبيل المثال تبلغ درجـة العلامات لمادة التربية الاسلامية في الصف "الأول الابتدائي" 80 علامة بينما تقتصر مادة اللغة العربية على 50 علامة.
السيد (بلال .ن - موظف) واع لهذه الأمور ويرى بأنه "اذا لم نتدارك أطفالنا ونبذل معهم جهوداً وطاقات استثنائية فهم سيقعون في حيرة وتشتـّت في اختيار أي (مرجعية تربوية) يتبعون, المجتمع المنزل أم المدرسة...لا أريد أن يضيع أطفالي من بين يدي".
هذا اذا ماعرفنا الطريقة التي تدرّس بها معلمة التربية الاسلامية في مدرسة ابنة جنان تلاميذها من الأطفال, تقول الأم: الأسبوع الماضي طلبت مدرّسة الدين من ياسمين وزملائها أن يشاهدوا يوم الخميس برنامج "دعوي" لشيخ على احدى الفضائيات وأنها ستعمل لهم امتحان عنه – أي البرنامج – واستدركت وأكّدت علينا ألا نذكر اسم المدرسة خوفا من أن تفصل ابنتها بسبب كلامها, حيث الصرف الكيفي رائج بوجود أعذار وهمية.
وكانت ياسمين "ظريفة" ومسليـّة عندما قلـّدت لنا بحركاتها وايماءاتها مدرسة الدين – هكذا يقال لها في المدارس – وهي تقول: اياكم..اياكم..تعليق الصور في البيت والتماثيل هذا حرام ويدخل الجن عندكم في البيت".
قبيسيات , صوفيّات , وهّابيات
أرادت السيدة جنان من البداية أن تسجل ابنتها في "مدرسة عربية" وسمعت عن "مدرسة القطوف" والصيت الذي لها في أوساط السوريين, فسعت اليها لكنها تفاجأت بأنها بحاجة الى "واسطة" لتسجل ابنتها فيها، وقيل لها أن الواسطة الأفضل من سوريا!!.."بعد أن بحثت عن واسطة عرفت أن المدرسة تديرها معلمات من الآنسات – القبيسيات - ونصحني أصدقاء بألا أفعل كوني لست من بيئة المدرسة الثقافية والاجتماعية، وأن مصير ابنتي اما التعرض لمضايقات فيها أو أن تتربّى وتتأسس على ذلك المناخ فعدلت عن قراري".
وتنتشر ظاهرة "دروس الدين" في المنازل بين أوساط النساء السوريات بنفس الآلية والمنهجية التي يتبعنها في سوريا, والمشابهة لطريقة "القبيسيات", مع أن الدولة هنا تشجع على النشاطات الاسلامية العلنية وترعاها وتسمح لهن باقامتها في المساجد وفي مواعيد محددة ومعلنة. تقول الحاجة (عفاف السيد) من الجالية المصرية بأن عدد السوريات معها في "دار القرآن" هو 7 مقابل أربعين سيدة عربية, وأنهن – أي السوريات – يفضلن دروس البيوت. بالتالي تكون نسبة الاقبال على النشاط العلني في هذا المثال هي أقل من الربع ¼ !
"خالد" من ناحيته تحدث لـ"الجمل" عن والدته والتضييق الذي تمارسه عليه هو الشاب الذي لم يكمل العشرين من عمره والذي يعمل بائعا في أحد المحال التجارية: ( حياتي مأساة, لاأستطيع أن أشاهد التلفاز, حتى متابعة مسلسل سوري هو عيد عندي فما بالك بفيلم أجنبي؟ تخيل أني ألجأ الى الانترنت في غرفتي وخفية عن أعين والدتي لمشاهدة فيديو كليب لأغنية أسمع عنها!! ممنوع أن يكون لي صديقة وأصدقائي الذكورلا يصبحوا كذلك الا بمعرفة والدتي لسيرتهم الذاتية والايمانية).. ازدادت حدة أم خالد وتشددها الديني بعد وفاة زوجها ونتيجة تأثير زميلاتها في "الدروس" عليها كما يقول ابنها وبالأخص عائشة التي "تحرضها" وتوجهها, وهي سيدة سورية أيضا في مثل ظروف البقية لكنها من النوع
"المـؤثـر" وليس "المتـأثـر" حتى أنها لا تملك جهاز تلفاز في منزلها إذ رمته من الشبّاك على حين غرة!!
النساء من والدة خالد ومثيلاتها تدير التلفاز على فضائيات (العفاسي, اقرأ,الرسالة, الفجر.. ) ويتابعن المحاضرات والدروس التلفزيونة لدعاة من نوعية عمرو خالد وعمر عبد الكافي و و ... في احدى المرات جن جنون خالد عندما أطاعت والدته كلام أحد المشايخ في محاضرة متلفزة يقرر فيها أن على شباب هذه الأيام أن يعودوا الى الاسلام ويتركوا كل مظاهر "الحياة الدنيوية" وأصدر قرارا حاسما جازما قارب "الفتوى" في شـدّته بأن على الشباب أن يطيعوا الكبار في الدين! ويعلق خالد :" أنا وبكل قناعة وايمان ملتزم بفروضي وصلاتي والذهاب الى المسجد لصلاة الجمعة, فهل أنا تركت ديني لأعود اليه؟!..كل التزامي هذا لا يعجبهم.." يسكت زافرا أنفاسا مقهورة ويتابع: " رح انفجر..بدي عيش". أبلغنا أخيرا أنه ينوي الانتقال من منزل والدته والسكن لوحده خاصة وأنه يعتمد على نفسه ماديا.
أما السيدة (فدوى. أ) المتعلمة وخريجة الجامعة والتي وجدت هنا "نفس الجو الذي اعتدت عليه في الشام" فهي الى جانب مواظبتها على دروس الدين واجتهادها فيها وتحضيرها للامتحانات التي تقررها "الآنسة" قد وضعت طفلتها الصغيرة (8 سنوات) على ممشاها الديني ,أرسلتها الى دروس دينية خاصة بالأطفال من عمرها, وبدأت الطفلة منذ الآن باظهار نتائج هذه الدروس التي قشّـرت عن روحها ما يفترض أن تفيض به من براءة وعفـوية, فصارت تستهجن ملابس صديقاتها وتحلم بارتداء الحجاب و"المانطو" ليل نهار.
وما سمعناه من الحاج "زيد" الذي يعرف عن نفسه بأنه "وهّـابي" يدعونا للاستغراب والتأمل والتحليل معا, فهؤلاء النسوة برأيه يتبعن طرقا "صوفيـّة" مغايرة لطريقة الداعيات.. الوهابيات.
مراءاة ونفاق اجتماعي
يحكي لنا (زياد ماجد) صاحب محل ملبوسات عن احدى الحوادث التي يتعرض لها باستمرار: ( دخل رجل ملتحي بدشداشته القصيرة وكعب قدمه المسودّ الى المحل وما ان رأى لوحة "آية الكرسي" المعلقة على الحائط حتى ألقى محاضرة...على شو؟
بأن لا يجوز كتابة "صدق الله العظيم" في نهاية أي آية أو سورة من القرآن الكريم!!..ما استدعا نقاشا طويلا عريضا بين الموظفين..).
يلفتك هنا اقبال الوافدين – المقيمين – العرب والسوريين على الالمام الجيد باللهجة المحلية للبلاد والتعـوّد على الكلام بها خاصة مع أهل البلد,
بالاضافة الى استساغة ارتداء "الدشداشة" وهو ماقد يفسـّر بأنه تقـرّب لاشعوري منهم, ومايدعم هذه النظرة معرفة مدى حاجة كل وأي وافد مقيم لاقامة شبكة معارف وعلاقات مع كويتيين, أولا والأهم لضمان وجود "واسطة" وظهر يحميه من أي مشكل أو حادث هنا خاصة اذا عرفنا أن المقيم يحصل على اقامته على أساس كفالة مواطن – كويتي له أو شركة يملكها كويتي أو يكفلها, وبأن أي مخالفة يمكن أن تؤدي الى "تسفيره" أي طرده من البلاد. وثانيا لادراك المقيم بأن تجارته وعمله يتوجهان بالدرجة الأولى الى أهل البلد وهم القوة الشرائية الرئيسية.
من هنا يفسر (تميم . ش – تاجر) ميل البعض الى التشدد في مظاهر الدين واتباع السلوك الديني الصارم بأنه" محاباة لأصحاب البلد ومحاولة لكسب قلوبهم وثقتهم, فاذا كانوا بالأساس ملتزمين فلن يمانعوا مزيدا من التزمت مضافا اليه مظاهره وطقوسه..حتى أننا نرى بعضهم يزاود على أهل البلد بمدى حرصه على الدين..انهم في النهاية يريدون أن يمشـّوا أمورهم"..
الجمل
التعليقات
الى القائمين
لك اي نشرتو و لا
الإسلام لجميع
الإسلام لجميع
هي معلومة جديدة
كرم الله وجه
السلام
بالنسبةلموضوع
السيد حسان عمر
الى الأخ محمد
من الأفضل
احييك على ارائك
تحياتي الحاره
إضافة تعليق جديد